البابا فرنسيس: الصّلاة هي قوّة الرّجاء الأولى
"إنّ الحياة، واقع وجودنا البسيط يفتح الإنسان على الصّلاة، والصّفحة الأولى من الكتاب المقدّس تشبه نشيد شكر كبير. تتخلّل رواية الخلق لأزمات تؤكّد على الدّوام صلاح وجمال كلّ ما هو موجود. إنّ الله بكلمته يدعو إلى الحياة ويدخل كلّ شيء إلى الوجود. بالكلمة يفصل النّور عن الظّلمة، ويتعاقب اللّيل والنّهار وتتبدّل الفصول وتُفتح لوحة من الألوان بتنوّع النّباتات والحيوانات. وفي هذه الغابة الّتي تفيض بالحياة وتتغلّب على الفوضى يظهر الإنسان في الأخير، وهذا الظّهور يسبّب إفراطًا في البهجة يزيد الرّضا والفرح: "وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا".
إنّ جمال وسرّ الخلق يولّدان في قلب الإنسان الشّعار الأوّل الّذي يولّد الصّلاة. نقرأ في المزمور الثّامن: "إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، القَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كَوَّنتَهَا، فَمَن هُوَ الإنسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ؟ وابن آدَمَ حَتَّى تَفتَقِدَهُ؟". يتأمّل صاحب المزمور سرّ الحياة من حوله فيرى السّماء المرصّعة بالنّجوم فوقه ويتساءل ما هو مخطّط الحبّ الموجود خلف هذا العمل الرّائع!... وما هو الإنسان في هذه الحدود الشّاسعة؟ ويقول مزمور آخر "بَاطِلٍ خَلَقتَ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ" أيّ أنّه كائن يولد ويموت، وهو خليقة ضعيفة وهشّة، وبالرّغم من ذلك وحده الإنسان في الكون بأسره هو الخليقة الّتي بإمكانها أن تعي هذا الفيض من الجمال.
إنّ صلاة الإنسان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالشّعور بالدّهشة. إنّ عظمة الإنسان صغيرة جدًّا بالنّسبة لأبعاد الكون، وأكبر إنجازاته تبدو صغيرة جدًّا. لكن الإنسان ليس شيئًا. وفي الصّلاة، يظهر بقوّة الشّعور بالرّحمة. فلا شيء يوجد عن طريق الصّدفة: إنَّ سرّ الكون يكمُن في نظرة محبّة يلتقي بها شخص ما في أعيننا. ويؤكّد المزمور أنّنا قد أُنقصنا قَلِيلًا عَنِ المَلَائِكَةِ، وأنّنا مُكلَّلين بالمجد والكرامة (راجع مزمور 8، 6). عظمة الإنسان هي علاقته مع الله؛ نحن لسنا بشيء بحسب طبيعتنا ولكنّنا بحسب دعوتنا أبناء الملك العظيم! إنّها خبرة قام بها العديد منّا. إن كانت أحداث الحياة بجميع مراراتها تخنق فإنّ أحيانًا عطيّة الصّلاة، يكفي أن نتأمّل بالسّماء المرصّعة بالنّجوم أو بمغيب أو بزهرة... لكي تتّقد فينا مجدّدًا شعلة الشّكر. وهذه الخبرة ربّما هي في أساس أوّل صفحة من الكتاب المقدّس.
عندما تمّت صياغة رواية الخلق في الكتاب المقدّس، لم يكن شعب إسرائيل يعيش أيّامًا سعيدة. كان هناك قوّة معادية قد احتلّت الأرض، وتمّ ترحيل العديد منهم، وأصبحوا الآن عبيدًا في بلاد ما بين النّهرين. فلم يعد لديهم وطن، ولا هيكل، ولا حياة اجتماعيّة أو دينيّة، لم يعد لديهم شيء أبدًا. ومع ذلك، وانطلاقًا من رواية الخلق العظيمة، قد يبدأ شخص ما باستعادة الدّوافع لكي يشكر الله ويسبّحه على الحياة.
الصّلاة هي قوّة الرّجاء الأولى. أنت تصلّي والرّجاء ينمو ويسير قدمًا؛ لا بل يمكنني القول إنَّ الصّلاة تفتح الباب للرّجاء. لأنّ الرّجاء موجود ولكن بصلاتي أنا أفتح له الباب؛ لأنّ رجال الصّلاة يحافظون على الحقائق الأساسيّة، وهم الّذين يكرّرون لنفسهم أوّلاً ومن ثمّ للآخرين أنّ هذه الحياة بالرّغم من تعبها ومحنها وبالرّغم من أيّامها الصّعبة هي مُفعمة بنعمة تحملنا على الدّهشة، ولذلك ينبغي علينا على الدّوام أن ندافع عنها ونحميها. إنّ الرّجال والنّساء المصلّين يعرفون أنّ الرّجاء هو أقوى من اليأس ويؤمنون أنّ الحبّ هو أقوى من الموت وبأنّه سينتصر يومًا ما حتّى وإن كنّا لا نعرف الأوقات والأساليب. إنّ رجال ونساء الصّلاة يحملون على وجوههم انعكاس النّور لأنّه وحتّى في الأيّام الأكثر ظلامًا لا تتوقّف الشّمس أبدًا عن إنارتهم؛ لأنّ الصّلاة تنيرك: تنير نفسك وتنير قلبك وتنير وجهك، حتّى في أيّام الظّلام الحالك وحتّى في زمن الألم.
جميعنا حَمَلة فرح. هل فكّرتَ يومًا بهذا الأمر؟ بأنّك حامل رجاء؟ أم أنّك تفضِّل أن تحمل الأخبار السّيّئة الّتي تُحزن؟ جميعنا قادرين على حمل الفرح؛ وهذه الحياة هي العطيّة الّتي منحنا الله إيّاها وهي قصيرة جدًّا لكي نعيشها في الحزن والمرارة. لنسبِّح الله سعداء فقط لمجرّد أنّنا أحياء. نحن أبناء الملك العظيم القادرين على التّنبّه لحضوره في الخليقة بأسرها".