الفاتيكان
21 شباط 2022, 07:30

البابا فرنسيس: الصّلاة من أجل من أساء إلينا هي أوّل شيء لكي نحوِّل الشّرّ إلى خير

تيلي لوميار/ نورسات
"بروح يسوع يمكننا أن نرُدَّ على الشّرّ بالخير، ويمكننا أن نحبّ الّذين يؤذوننا"، هذا ما أكّده البابا فرنسيس قبيل صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد، حاثًّا الحاضرين في ساحة القدّيس بطرس علىالصّلاة من أجل من أساء إليهم من أجل تحويل الشّرّ إلى خير".

وفي هذا السّياق، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "في الإنجيل الّذي تقدّمه اللّيتورجيا اليوم، يعطي يسوع للتّلاميذ بعض الإرشادات الأساسيّة للحياة. يشير الرّبّ إلى أصعب المواقف، تلك الّتي تشكّل اختبارًا لنا، وتلك الّتي تضعنا أمام أعدائنا، والّذين يحاولون دائمًا إيذاءنا. في هذه الحالات، يُدعى تلميذ يسوع لكي لا يستسلم للغريزة والكراهيّة، وإنّما لكي يذهب أبعد من ذلك بكثير. يقول يسوع: "أَحِبّوا أَعداءَكُم، وَأَحسِنوا إِلى مُبغِضيكُم". وبشكل ملموس أكثر: "مَن ضَرَبَكَ عَلى خَدِّكَ فَاعرِض لَهُ الآخَر". عندما نسمع ذلك يبدو أنّ الرّبّ يطلب المستحيل. ومن ثمَّ، لماذا علينا أن نحبّ أعداءنا؟ إذا لم نتفاعل مع المُتسلِّطين، فسيُعطى الضّوء الأخضر لجميع أنواع الإساءة، وهذا ليس عدلاً. ولكن هل هو حقًّا كذلك؟ هل يطلب الرّبّ منّا حقًّا أشياء مستحيلة لا بل ظالمة؟

لنأخذ بعين الاعتبار أوّلاً ذلك الإحساس بالظّلم الّذي نشعر به إذ نعرض الخدَّ الآخر. لنفكّر في يسوع: خلال آلامه، وفي محاكمته الجائرة أمام رئيس الكهنة، تلقّى في مرحلة معينة صفعة على وجهه من أحد الحرّاس. وكيف يتصرّف؟ قال للحارس: "إِن كُنتُ أَسَأْتُ في الكَلام، فبَيِّنِ الإِساءَة. وإِن كُنتُ أَحسَنتُ في الكَلام، فلِماذا تَضرِبُني؟ لقد سأل عن الشّرّ الّذي أُلحِق به. إنَّ عرضَ الخد الآخر لا يعني الخضوع في صمت والاستسلام للظّلم. فيسوع بسؤاله يستنكر ما هو غير عادل. لكنّه يقوم بذلك بدون عنف، لا بل بلطف. فهو لا يريد أن يثير جدلاً وإنّما أن ينزع فتيل الحقد ويُخمِد الكراهيّة والظّلم معًا، في محاولة لاستعادة الأخ المذنب. هذا هو معنى أن نعرض الخدّ الآخر: وداعة يسوع هي جواب أقوى من الضّربة الّتي تلقاها. أن نعرض الخدّ الآخر ليس رجوع الخاسر، بل هو تصرُّفُ من يتمتّع بقوّة داخليّة أكبر: عرض الخدّ الآخر يعني التّغلّب على الشّرّ بالخير، الّذي يخلق أزمة في قلب العدوّ، ويكشف حماقة كراهيّته. وهذا الموقف لا تمليه الحسابات وإنّما الحبّ. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنّ الحبّ المجّانيّ وغير المستحقّ الّذي نناله من يسوع هو الّذي يولِّد في قلوبنا أسلوبًا في التّصرُّف على مثاله يرفض كلّ انتقام.

نأتي الآن إلى الاعتراض الآخر: هل يمكن للإنسان أن يحبّ أعداءه؟ إذا كان الأمر متوقِّفًا علينا وحدنا، فسيكون ذلك مستحيلًا. لكن لنتذكّر أنّه عندما يطلب منّا الرّبّ شيئًا ما، فهو يريد أن يعطينا إيّاه. عندما يقول لي إنّه عليَّ أن أحبّ أعدائي، هو يريد أن يمنحني القدرة لكي أقوم بذلك. لقد كان القدّيس أوغسطينوس يصلّي هكذا: يا ربّ، أعطني ما تطلب منّي واطلب منّي ما تريده! ماذا علينا أن نطلب منه وما هو الشّيء الّذي يسعد الله بإعطائنا إيّاه؟ قوّة المحبّة، الّتي ليست شيئًا بل حضورًا، وهي الرّوح القدس. بروح يسوع يمكننا أن نرُدَّ على الشّرّ بالخير، ويمكننا أن نحبّ الّذين يؤذوننا. هكذا يفعل المسيحيّون. إنّه لأمر محزن أن يرى الأشخاصُ والشّعوب الّذين يفتخرون بكونهم مسيحيّين الآخرين كأعداء ويفكّرون في شنّ الحرب ضدّهم!

ونحن لنسأل أنفسنا هل نحاول لكي نعيش دعوات يسوع؟ لنفكّر في شخص ملموس أضرّ بنا. ربّما هناك بعض الاستياء في داخلنا. لذلك، لنضع إلى جانب هذا الحقد، صورة يسوع الوديع أثناء محاكمته، ولنطلب بعدها من الرّوح القدس أن يتدخّل في قلوبنا. وأخيرًا، لنصلِّ من أجل الّذي جرحنا: لأنّ الصّلاة من أجل من أساء إلينا هي أوّل شيء لكي نحوِّل الشّرّ إلى خير.

لتساعدنا العذراء مريم لكي نكون صانعي سلام تجاه الجميع لاسيّما تجاه الّذين يعادوننا ولا يُعجبوننا".

في تحيّته بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، عبّر البابا فرنسيس عن قربه من السكّان الّذين ضربتهم الكوارث الطّبيعيّة خلال الأيّام الأخيرة وذكّر باليوم الوطنيّ للعاملين الصّحّيّين، فقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أعبّر عن قربي من السّكّان الّذين ضربتهم الكوارث الطّبيعيّة خلال الأيّام الأخيرة، وأفكّر بشكل خاصّ في جنوب شرق مدغشقر، الّذي ضربته سلسلة من الأعاصير، ومنطقة بتروبوليس في البرازيل، الّتي دمّرتها الفيضانات والانهيارات الأرضيّة. ليقبل الرّبّ الموتى في سلامه، ويعزّي أفراد أسرته ويعضد الّذين يقدّمون المساعدة.

يُحتفل اليوم باليوم الوطنيّ للعاملين الصّحّيّين وعلينا أن نتذكّر العديد من الأطبّاء والممرّضات والممرّضين والمتطوّعين القريبين من المرضى، والذّين يعتنون بهم ويجعلونهم يشعرون بتحسّن، ويساعدونهم. لقد كان أحد عناوين برنامج  "A Sua Immagine"، "لا أحد يخلُص بمفرده". لا أحد يخلُص بمفرده، وفي المرض نحتاج لمن يخلِّصنا ويساعدنا. أخبرني طبيب هذا الصّباح عن شخص كان يحتضر في زمن فيروس الكورونا وقال له: "أمسك بيدي أنا أحتضر وأحتاج ليدك". لقد أظهر الطّاقم الطّبّيّ البطوليّ هذه البطولة في زمن فيروس الكورونا ولكن هذه البطولة تبقى كلّ يوم. لنُصفِّق للأطبّاء والممرّضين والممرّضات والمتطوّعين ولنقدّم لهم شكرنا الكبير!".