الفاتيكان
27 أيار 2020, 11:15

البابا فرنسيس: الصّلاة تفتح الباب لله

تيلي لوميار/ نورسات
كرّس البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعيّ اليوم للحديث خلال المقابلة العامّة عن "صلاة الأبرار"، فقال في هذا السّياق، بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ مشروع الله إزاء البشريّة هو صالح، ولكنّنا نختبر في أحداث حياتنا اليوميّة حضور الشّرّ. تصف الفصول الأولى من سفر التّكوين الانتشار التّدريجيّ للخطيئة في الأحداث البشريّة. لقد شكّ آدم وحواء بنوايا الله المُحبَّة، وفكّرا بأنّهما يتعاطيان مع إله غيور يعيق سعادتهما. من هنا جاءت الثّورة: فقدا إيمانهما بخالق سخيّ يرغب بسعادتهما. وإذ استسلم قلباهما إلى تجربة الشّرّير سيطر عليهما هذيان السّلطة: "إذا أكلنا من ثمرة الشّجرة فسنصبح كالله"، ولكن الخبرة سارت في الاتّجاه المعاكس: انْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ.

يصبح الشّرّ أقوى مع الجيل البشريّ الثّاني: وهذه قصّة قايين وهابيل. كان قايين يغار من أخيه، وبالرّغم من كونه الابن الأكبر كان يرى هابيل كخصمٍ له، وكشخص يهدّد بكريّته. فدخل الشّرّ إلى قلبه ولم يتمكّن قايين من السّيطرة عليه، وهكذا انتهت قصّة الأخوّة الأولى بجريمة قتل. وفي نسل قايين تطوّرت المهن والفنون ولكن العنف تطوّر أيضًا وهذا ما يعبّر عنه نشيد لامَك الّذي يبدو وكأنّه نشيد انتقام: "فَإِنِّي قَتَلتُ رَجُلاً لِجُرحِي، وَفَتىً لِشَدخِي. إِنَّهُ يُنتَقَمُ لِقَايِينَ سَبعَةَ أَضعَافٍ، وَأَمَّا لِلَامَكَ فَسَبعَةً وَسَبعِينَ". وهكذا يمتدُّ الشّرّ، كبقعة زيت إلى أن يستولي على الإطار بأسره: "وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنسَانِ قَد كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوم". وبالتّالي يُظهر الطّوفان وبرج بابل أنّ هناك حاجة لبداية جديدة ولخلق جديد يجد تمامه في المسيح.

ومع ذلك، في صفحات الكتاب المقدّس الأولى هذه قد كُتب أيضًا تاريخ آخر لا يستوقف النّظر وهو أكثر تواضعًا ويمثّل افتداء الرّجاء. حتّى وإن كان الجميع يتصرّفون بطريقة خبيثة، ويجعلون من الحقد والإخضاع المحرّك الأكبر للتّاريخ البشريّ، لكنّ هناك أشخاص قادرين على أن يرفعوا الصّلاة إلى الله بصدق وأن يكتبوا مصير الإنسان بأسلوب مختلف. لقد قدّم هابيل إلى الله تقدمة من أبكار قطيعه، وبعد موته وُلد لآدم وحواء ابن ثالث، شيت، الّذي ولد له ابن سمّاه أنوش ويُقال إنّه "حِينَئِذٍ ابتُدِئَ أَنْ يُدعَى بِاسمِ الرَّبِّ". من ثمَّ ظهر أخنوخ، شخص كان يسير مع الله وقد اختُطف إلى السّماء. وفي الختام نجد قصّة نوح رجل بارّ كان يسير مع الله وأمامه تراجع الله عن نيّته بإفناء البشريّة.

لدى قراءتنا لهذه الرّوايات، نشعر أنّ الصّلاة هي الجدار الدّاعم وملجأ الإنسان إزاء موجة الشّرّ الّذي ينمو في العالم. وكما نرى جيّدًا نصلّي أيضًا لكي نُخلَّص من أنفسنا. إنّ المصلّين في الصّفحات الأولى من الكتاب المقدّس هم أشخاص صانعو سلام: في الواقع، عندما تكون الصّلاة حقيقيّة، فهي تُحرّر من غرائز العنف وتكون نظرة موجّهة على الله ليعود ويعتني بقلب الإنسان. ونقرأ في التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة: "صفة الصّلاة هذه يعيشها جمهور من الأبرار في كلِّ الدّيانات". إنّ الصّلاة تزرع أحواض ولادة جديدة في الأماكن الّتي كان فيها حقد الإنسان قادرًا على توسيع الصّحراء.

تنتقل سيادة الله عبر سلسلة هؤلاء الرّجال والنّساء الّذين غالبًا ما لا يتمُّ فهمهم ويتمُّ تهميشهم في العالم. لكن العالم يعيش وينمو بفضل قوّة الله الّتي يجذبها خدّامه هؤلاء بواسطة صلاتهم. إنّهم سلسلة صامتة، نادرًا ما تظهر في عناوين الأخبار، ولكنّها مهمّة بالرّغم من ذلك لإعادة الثّقة إلى العالم.

إنّ مسيرة الله في قصّة الله تمُرّ من خلالهم: لقد مرّت عبر جزء من البشريّة لم يتماثل مع شريعة الأقوى بل طلب من الله أن يحقّق معجزاته ولاسيّما أن يحول قلوب الحجر إلى قلوب من لحم. وهذا الأمر يساعد الصّلاة لأنّ الصّلاة تفتح الباب لله لكي يحوّل قلوبنا الّتي غالبًا ما تكون من حجر إلى قلوب بشريّة."