البابا فرنسيس: الثّالوث هو محبّة في خدمة العالم
"يُظهر إنجيل اليوم، عيد الثّالوث الأقدس- بأسلوب يوحنّا الرّسول الوجيز- سرَّ محبّة الله للعالم خليقته. في الحوار الموجز مع نيقوديمس يقدّم يسوع نفسه كذلك الّذي يتمّم مخطّط خلاص الآب لصالح العالم. ويؤكّد: "إِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَم، حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد" تشير هذه الكلمات إلى أنَّ العمل بين الأقانيم الإلهيّة الثّلاثة- الآب والإبن والرّوح القدس- هو مشروع محبّة واحد يخلّص البشريّة والعالم.
إنّ العالم مطبوع بالشّرّ والخطيئة، ونحن الرّجال والنّساء خطأة، وبالتّالي يمكن لله أن يتدخّل لكي يدين العالم، ويدّمر الشّرّ ويعاقب الخطأة. ولكنّه يحبّ العالم بالرّغم من خطاياه؛ إنَّ الله يحبّ كلَّ فرد منّا حتّى عندما نُخطئ ونبتعد عنه. الله الآب يحبّ العالم لدرجة أنّه، ولكي يخلّصه، أعطى أثمن ما يملك: ابنه الوحيد الّذي يبذل حياته في سبيل البشر ويقوم من الموت ويعود إلى الآب ومعه يرسل الرّوح القدس. وبالتّالي فالثّالوث هو محبّة في خدمة العالم تريد أن تخلّص وتخلق من جديد. واليوم إذ نفكّر بالله، الآب والإبن والرّوح القدس، نفكّر بمحبّة الله لنا! ما أجمل أن نشعر بمحبّة الله لنا، وهذا هو شعورنا اليوم!
عندما يؤكِّد يسوع أنّ الآب قد جاد بابنه الوحيد يأتي إلى ذهننا بشكل عفويّ إبراهيم وتقدمة ابنه إسحق الّتي يخبرنا عنها سفر التّكوين: هذا هو مقياس غياب المقياس لمحبّة الله. ونفكّر أيضًا في كيف أظهر الله نفسه لموسى: مليء بالحنان، رحيم وشفوق، طويل الرّوح وغنيّ بالنّعم والأمانة. واللّقاء مع الله قد شجّع موسى الّذي وكما يخبر سفر الخروج، لم يخف من أن يتوسّط بين الشّعب والرّبّ قائلاً له: "َإِنَّهُ شَعْبٌ صُلبُ الرَّقَبَةِ. وَاغفِر إِثمَنَا وَخَطِيَّتَنَا وَاتَّخِذنَا مُلكًا".
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء يدعونا عيد اليوم لكي نسمح بأن يسحرنا مجدّدًا جمال الله؛ جمال وصلاح وحقيقة لا تنضب ولكنّه أيضًا متواضع وقريب تجسّد لكي يدخل في حياتنا وتاريخنا لكي يتمكّن كلّ رجل وامرأة من أن يلتقي به وينال الحياة الأبديّة؛ وهذا هو الإيمان أن نقبل الله- المحبّة الّذي يعطي ذاته في المسيح ونسمح له بأن يلتقينا ونثق به.
لتساعدنا العذراء مريم، مسكن الثّالوث، لكي نقبل بقلب مفتوح محبّة الله الّتي تملؤنا فرحًا وتعطي معنى لمسيرتنا في هذا العالم ونوجّه مسيرتنا على الدّوام نحو الهدف الّذي هو السّماء".
وبعد صلاة التّبشير، حيّا البابا فرنسيس المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس قائلاً: "إنّ حضوركم في السّاحة هو علامة على أنَّه قد تمَّ تخطّي مرحلة الوباء الصّعبة في إيطاليا حتّى وإن تبقى ضرورة اتّباع القواعد القائمة بعناية. لكن للأسف والعديد من البلدان الأخرى لا يزال الفيروس يحصد العديد من الضّحايا. أرغب في أن أعبّر عن قربي من تلك الشّعوب ومن المرضى وعائلاتهم وجميع الّذين يعتنون بهم".
وتابع متوقّفًا عند شهر حزيران/ يونيو المكرّس لشهر قلب يسوع الأقدس، فقال: "شهر حزيران مكرّس بشكل خاصّ لقلب المسيح، عبادة تجمع المعلّمين الرّوحيّين الكبار والأشخاص البسطاء من شعب الله. في الواقع، إنّ قلب يسوع البشريّ والإلهيّ هو الينبوع الّذي يمكننا أن نستقي منه على الدّوام الرّحمة والمغفرة وحنان الله. ويمكننا القيام بذلك من خلال التّوقّف عند أحد مقاطع الإنجيل والشّعور بأنّه وفي محور كلّ تصرّف وكلمة ليسوع هناك محبّة الآب، كذلك يمكننا القيام بذلك من خلال السّجود للقربان المقدّس حيث يكون هذا الحبّ حاضرًا في سرّ الإفخارستيّا. عندها يمكن لقلبنا أيضًا أن يصبح شيئًا فشيئًا أكثر صبرًا وسخاء ورحمة. أتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا؛ ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."