أوروبا
02 آب 2023, 13:50

البابا فرنسيس التقى السّلطات المدنيّة والسّلك الدّبلوماسيّ في البرتغال

تيلي لوميار/ نورسات
بعد وصوله إلى قاعدة فيغو مادورو الجوّيّة في لشبونة، توجّه البابا فرنسيس إلى القصر الرّئاسيّ حيث قام بزيارة مجاملة إلى رئيس البلاد مارسيلو دي سوزا قبل أن ينتقل إلى مركز بيليم الثّقافيّ حيث كان له لقاء مع ممثّلين عن السّلطات المدنيّة والمجتمع المدنيّ والكرسيّ السّلك الدّبلوماسيّ.

وللمناسبة، كانت للبابا فرنسيس خطابًا قال فيه بحسب "فاتيكان نيوز": "يسُرُّني أن أكون في لشبونة، مدينة اللّقاء الّتي تحتضن مختلف الشّعوب والثّقافات، والّتي تكتسي في هذه الأيّام حلّة عالميّة، وتصير نوعًا ما عاصمة العالم. وهذا يناسب طابعها التّعدّدي، من حيث تعدّد الأعراق والثّقافات ويكشف عن ميزة البرتغال العالميّة، الّتي تضرب جذورها في الرّغبة في الانفتاح على العالم واستكشافه، والإبحار نحو آفاق شاسعة. لذلك تذكِّر لشبونة، مدينة المحيط، بأهمّيّة أن نكون معًا، وأن ننظر إلى الحدود كمناطق تواصل، لا حدود فاصلة. نحن نعلَم أنّ القضايا الكبيرة اليوم هي قضايا عالميّة، ومع ذلك فإنّنا غالبًا ما نختبر عدم الفعاليّة في الرّدّ عليها لأنّ العالم منقسم، أو أنّه على  

الأقلّ غير متماسك بما فيه الكفاية، وغير قادر على أن يواجه معًا ما يضع الجميع في أزمة. يبدو أنّ المظالم على مستوى الكوكب، والحروب، وأزمات المناخ والهجرة، تَحدُثُ بأسرعَ مما يمكن ويريد الإنسان أن يواجهها.

من المؤكّد أنّ لشبونة هي أقصى عاصمة غرب قارّة أوروبا. ولذلك فهي تشير إلى الحاجة إلى فتح سبل أوسع للّقاء... آمل أن يكون اليوم العالميّ للشّبيبة دافعًا لانفتاح القارّة القديمة على العالم. لأنّ العالم يحتاج إلى أوروبا، لكن إلى أوروبا حقيقيّة: يحتاج إلى دورها كجسر وصانع سلام في الجزء الشّرقيّ، في البحر الأبيض المتوسّط، وفي أفريقيا وفي الشّرق الأوسط. وبهذه الطّريقة ستتمكّن أوروبا من القيام بدورها الأصيل الخاصّ في السّاحة الدّوليّة، والّذي ظهر في القرن الماضي انطلاقًا من بوتقة الصّراعات العالميّة، وأطلقت شرارة المصالحة، محقّقة حلم بناء الغد مع عدو الأمس، لبدء مسارات الحوار والاندماج، وتطوير دبلوماسيّة السّلام الّتي تطفئ الصّراعات وتهدّئ التّوتّرات، قادرة على استيعاب أضعف علامات الاسترخاء، والقراءة بين السّطور المتعرّجة.

إنّنا نبحِر اليوم في مرحلة عاصفة، ولا نرى فيها طرق سلام جريئة. إنّ التّكنولوجيا الّتي ميّزت التّقدّم وفرضت العولمة، لا تكفي وحدها. ولا أكثر الأسلحة تطوُّرًا تكفي، فهي لا تمثّل استثمارات للمستقبل، بل هي إفقار لرأس مال الإنسانيّة الحقيقيّ، وللتّعلّيم، والرّعاية الصّحّيّة، والوضع الاجتماعيّ. إنّه لأمر مقلق عندما نسمع أنّ الأموال تُبذل في أماكن عديدة للتّسلّح، بدلًا من استثمارها لمستقبل الأبناء. أنا أحلم بأوروبا، تكون قلب الغرب، تستخدم مهاراتها لإخماد نيران الحروب وإشعال أنوار الأمل. أوروبا الّتي تعرف أن تستعيد روحها الشّابّة وتحلم بعظمة الجماعة، وتتجاوز احتياجات الحاضر الفوريّ. أوروبا الّتي تضمّ شعوبًا وأفرادًا، من دون فرض نظريّات واستعمار أيديولوجيّ.

في عالم اليوم المتقدّم، المفارقة هي أنّ الأولويّة صارت الدّفاع عن الحياة البشريّة، المهدّدة بسبب الانجرافات النّفعيّة، الّتي تستخدم الحياة ثمّ تنبذها. أفكّر في الأطفال الكثيرين الّذين لم يولدوا بعد والمسنّين المتروكين لأنفسهم، وصعوبة التّرحيب والحماية وعدم تأييد ودمج الّذين يأتون من بعيد ويطرقون الأبواب، وفي عزلة العائلات الكثيرة الّتي تواجه الصّعوبة في الإنجاب والتّربية. ومع ذلك، فإنّ لشبونة، الّتي يعانقها المحيط، تمنحنا سببًا للأمل. هو محيط من الشّباب يتدفّق إلى هذه المدينة المضيافة. وأودّ أن أشكر البرتغال على العمل الرّائع والالتزام السّخيّ المقدَّم لاستضافة هذا الحدث الّذي تصعب إدارته، ولكنّه مليء بالأمل. الشّباب القادمون من جميع أنحاء العالم، حاملين الرّغبة في الوَحدة والسّلام والأخوّة يتحدَّوْننا لتحقيق أحلامهم الخيِّرة. إنّهم ليسوا في الشّوارع يصيحون غضبًا، بل يهتفون برجاء الإنجيل. يوجد في أجزاء كثيرة من العالم اليوم مناخ من الاحتجاج وعدم الرّضا، وتربة خصبة للشّعبويّة ونظريّات المؤامرة، وأمّا اليوم العالميّ للشّبيبة فهو فرصة للبناء معًا.

تشترك البرتغال مع أوروبا في العديد من الجهود النّموذجيّة لحماية البيئة. لكن المشكلة العالميّة لا تزال خطيرة جدًّا: المحيطات تزداد سخونة وأعماقها تسلّط الضّوء على القبح الّذي لوّثنا به بيتنا المشترك. يذكّرنا المحيط أنّ حياة الإنسان مدعوّة إلى التّوافق مع بيئة أكبر منّا، والّتي يجب أن نهتمّ بها بعناية، مفكّرين في الأجيال الشّابّة. أمّا المستقبل هو مجال ثان للبناء. والشّباب هم المستقبل. لكن هناك عوامل عديدة تثبّط عزائمهم، مثل قلّة العمل، والسّرعة المحمومة الغارقين فيها، وارتفاع تكلفة المعيشة، وصعوبة العثور على مسكن، والقلق الأكبر هو الخوف من تكوين أسرة ومن الإنجاب.  

يمكن للسّياسة الجيّدة أن تصنع الكثير في هذا، ويمكن أن تُوَلِّد الأمل. في الواقع، ليس السّياسة مدعوّة إلى التّمسّك بالسّلطة، بل إلى منح النّاس قوّة الأمل.

أمّا المجال الثّالث والأخير لبناء الأمل هو مجال الأخُوّة الّذي نتعلّمه نحن المسيحيّين من الرّبّ يسوع المسيح. في أجزاء كثيرة من البرتغال، الإحساس بالجوار والتّضامن شديدان. كم هو جميل أن نكتشف أنفسنا إخوة وأخوات، والعمل من أجل الخير العامّ، تاركين خلفنا التّناقضات والاختلافات في وجهات النّظر! هنا أيضًا نجد مثالًا في الشّباب الّذين، بدعوتهم إلى السّلام ورغبتهم في الحياة، يقودوننا إلى هدم أسوار الانتماء الجامدة الّتي أقيمت باسم الآراء والمعتقدات المختلفة.  

ختامًا أودّ أن أشكر وأشجّعهم، جنبًا إلى جنب مع الكثيرين الّذين يهتمّون بالآخرين في المجتمع البرتغاليّ، والكنيسة المحلّيّة الّتي تقدّم الخير الكثير بعيدًا عن الأضواء. لنشعر جميعًا أنّنا مدعوّون معًا، إخوَةً، إلى إعطاء الأمل للعالم الّذي نعيش فيه وهذا البلد الجميل."