الفاتيكان
11 تشرين الأول 2021, 10:20

البابا فرنسيس: الإيمان من دون عطاء ومجّانيّة هو جميل ولكنّه غير مكتمل

تيلي لوميار/ نورسات
تلا البابا فرنسيس ظهر الأحد صلاة التّبشير الملائكيّ مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، بعد أن ألقى على مسامعهم كلمة روحيّة قال فيها: "تقدّم لنا ليتورجيّة اليوم لقاء يسوع مع رجل "كانَ ذا مالٍ كَثير" والّذي عُرف في التّاريخ بـ"الشّابّ الغنيّ". إنّ انجيل اليوم في الواقع يتحدّث عنه كرجل، من دون أن يذكر عمره أو اسمه ويقول لنا الإنجيل إنّ في ذلك الرّجل يمكننا أن نرى أنفسنا جميعًا. إنّ لقاءه بيسوع في الواقع يسمح لنا بأن نقوم باختبار حقيقيّ للإيمان.

يبدأ ذلك الرّجل بسؤال "أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟ لنلاحظ الأفعال الّتي استخدمها ذاك الرّجل: ماذا أعمَل– لأرِث. هذا هو تديُّنه: الواجب، القيام بشيء للحصول على شيء آخر، "أقوم بعمل ما لكي أحصل على ما يلزمني". ولكن هذه علاقة تجاريّة مع الله. أُعطيكَ لكي تُعطيني. لكنَّ الإيمان في الواقع ليس طقسًا جامدًا وميكانيكيًّا، "عليَّ- أفعل- أنال". بل هو مسألة حرّيّة ومحبّة. هذا هو الاختبار الأوّل: ما هو الإيمان بالنّسبة لي؟ إذا كان الإيمان بشكل أساسيّ واجب أو عملة نتبادلها، فنحن خارج الطّريق وذلك لأنّ الخلاص هو عطيّة وليس واجبًا، هو مجّانيّ ولا يمكن شراؤه. وبالتّالي فأوّل ما ينبغي القيام به هو أن نتحرّر من الإيمان التّجاريّ والميكانيكيّ الّذي يلمِّحُ إلى صورة مزيّفة عن إله محاسب ومراقب وليس إله أب.

في المرحلة الثّانية يساعد يسوع ذلك الرّجل يقدِّم له وجه الله الحقيقيّ. في الواقع- يقول النّصّ الإنجيليّ- "نَظَرَ إِلَيهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ". من هنا يولد الإيمان ويتجدّد: ليس من واجب وليس من أمر علينا القيام به وإنّما من نظرة محبّة علينا أن نقبلها. هكذا تصبح الحياة المسيحيّة جميلة إذا لم تعتمد على قدراتنا أو على مشاريعنا، وإنّما على نظرة الله. إيمانك متعب وتريد أن تُنعِشه؟ إبحث عن نظرة الله: ضع نفسك في موقف عبادة واسمح له بأن يغفر لك في الاعتراف، وامثُل أمام المصلوب، أيّ اسمح له أن يحبّك.

بعد السّؤال والنّظرة هناك- مرحلة ثالثة وأخيرة- دعوة يسوع الّذي يقول "واحِدَةٌ تَنقُصُكَ". ما هو الشّيء الّذي يفتقده ذاك الرّجل الغنيّ؟ العطاء، والمجّانيّة "إِذهَب فَبِع ما تَملِك وَأَعطِهِ الفُقَراء" ربّما هذا ما ينقصنا نحن أيضًا. غالبًا ما نقوم بالحدّ الأدنى المطلوب، بينما يدعونا يسوع إلى القيام بأقسى ما يمكننا القيام به. كم من مرّة نكتفي بالواجبات فقط- القوانين وبعض الصّلوات- بينما الله الّذي يعطينا الحياة يطلب منّا اندفاع حياة! اليوم نرى جيّدًا هذا الانتقال من الواجب إلى العطاء مع يسوع الّذي يبدأ مذكّرًا بالوصايا "لا تَقتُل، لا تَزنِ، لا تَسرِق..."– جميعها أمور لا يجب أن نفعلها– ويصل إلى الاقتراح الإيجابيّ: "إِذهَب، فَبِع، أعطِ واتبعني" لا يمكننا أن نحُدَّ الإيمان بكلمة لا، لأنَّ الحياة المسيحيّة هي أن نقول نعم، نعم للمحبّة.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء إنَّ الإيمان من دون عطاء ومجّانيّة هو جميل ولكنّه غير مكتمل. يمكننا أن نقارنه بطبقٍ غنيّ ومُغذٍّ ولكن ينقصه الطّعم، أو بمباراة لُعبَت بشكل جيّد ولكن من دون أهداف، ولا تحرّك التّصنيف. إنّ الإيمان بدون العطاء والمجّانيّة وأعمال المحبّة، يجعلنا في النّهاية تعساء: مثل ذلك الرّجل الّذي على الرّغم من أنّ يسوع نظر إليه بمحبّة، اغتَمَّ وَانصَرَفَ حَزينًا إلى بيته. واليوم يمكننا أن نسأل أنفسنا "أينَ هو إيماني؟ هل لا زلتُ أعيشه بأسلوب ميكانيكيّ أو كعلاقة واجب أو كمصلحة مع الله؟ هل أتذكر أن أُغذّيه وأسمح ليسوع بأن ينظر إليّ ويحبّني؟ وإذ يجذبني إليه هل أُجيب بمجّانيّة؟

لتجعلنا العذراء مريم الّتي أجابت الله بـ"نعم" كاملة، "نعم" بدون و"لكن"، نتذوّق جمال أن نجعل من حياتنا عطيّة.

بعد تلاوة صلاة التّبشير، حيّا البابا فرنسيس المؤمنين وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، اليوم أيضًا يسعدني أن أعلن إعلان طوباويّين جُدد. بالأمس، في نابولي، تمّ إعلان تطويب ماريا لورينزا لونغو، زوجة وأمّ لعائلة من القرن السّادس عشر. أرملة، أسّست مستشفى الـ "Incurabili"وراهبات الكلاريس الكبّوشيّات في نابولي. إمرأة تحلّت بإيمان كبير وحياة صلاة عميقة، بذلت حياتها في سبيل احتياجات الفقراء والمتألّمين. اليوم، في تروبيا، في كالابريا، تمّ إعلان تطويب الأب فرانشيسكو موتولا، مؤسّس راهبات ورهبان القلب الأقدس، وتوفّي في عام 1969. كان راعيًا غيورًا ومبشّرًا بالإنجيل لا يكلُّ، شاهدًا نموذجيًّا لكهنوت مُعاش في المحبّة والتّأمّل.

اليوم، بمناسبة اليوم العالميّ للصّحّة العقليّة، أرغب في أن أتذكّر الإخوة والأخوات الّذين يعانون من اضطرابات نفسيّة وكذلك ضحايا الانتحار، وهم في الغالب من الشّباب. لنصلِّ من أجلهم ومن أجل عائلاتهم، لكي لا يتُركوا وحدهم أو يتعرّضوا للتّمييز، بل يتمّ قبولهم ودعمهم."