البابا فرنسيس: الإيمان رحلة تقودنا إلى الله (1)
خطّ البابا فرنسيس، في مقدّمة كتابه الجديد "الإيمان رحلة": "...يجب أن يدفعنا يوبيل العام 2025، إلى جانب البعد الأساسيّ للرجاء، إلى وعي أكبر أنّ الإيمان هو حجّ وأنّنا حجّاج على هذه الأرض. نحن لسنا سائحين أو متجوّلين: نحن لا نتحرّك بلا هدف. يعيش الحاج رحلته في ضوء ثلاث كلمات رئيسة: المخاطرة والجهد والهدف".
توسّع أوّلًا، بعض الشيء، في كلمة "المخاطرة"، وعن كلمة "الجهد" كتب: "المشي يعني بالفعل المجهود. هذا معروف جيّدًا للعديد من الحجّاج الذين ازدحموا مجدّدًا على طرق الحجّ القديمة-الحاليّة. أفكّر في الحجّ إلى سانتياغو دي كومبوستيلا وفيا فرانسيجينا والمسارات المختلفة التي ظهرت في إيطاليا، مستوحاة من بعض القدّيسين أو الشهود الأكثر شهرة (القدّيس فرنسيس، والقدّيس توما، وكذلك دون تونينو بيلو). يستلزم المشي جهد الاستيقاظ باكرًا، وإعداد حقيبة ظهر فيها الضروريّات، وتناول شيء بسيط. ثمّ هناك آلام القدميْن والعطش الحادّ، خصوصًا في أيّام الصيف الحارّة. لكنّ هذا الجهد يكافأ بالعديد من الهدايا التي تلاقينا إبّان الرحلة: جمال الإبداع، وحلاوة الفنّ، وكرم ضيافة السكّان المحلّيّين.
أولئك الذين يقومون بالحجّ سيرًا على الأقدام يتلقّون أكثر بكثير من الجهد المبذول. إنّهم يقيمون روابط جميلة مع الأشخاص الذين يلتقون بهم على طول الطريق، ويختبرون لحظات من الصمت الحقيقيّ والتأمّل المثمر الذي غالبًا ما تجعله الوتيرة المحمومة في عصرنا مستحيلًا، ويفهمون قيمة الأساسيّات مقارنة ببريق امتلاك الأشياء غير الضروريّة وفقدان المطلوب.
وعن الهدف كتب: " السير كحجّاج يعني أنّ لدينا وجهة وأنّ حركتنا لها اتّجاه وهدف. السير يعني وجود هدف، وليس تحت رحمة الصدفة. أولئك الذين يسيرون لا يتجوّلون بلا هدف، يعرفون إلى أين هم ذاهبون، ولا يضيّعون الوقت في التعرّج من مكان إلى آخر. هذا هو السبب في أنّني أكّدت في كثير من الأحيان مدى تشابه المشي والإيمان. أولئك الذين لديهم الله في قلوبهم قد حصلوا على عطيّة نجمٍ مرشدٍ ليتبعوه - الحبّ الذي تلقّينا من الله وهْو سبب الحبّ الذي يجب أن نقدّمه للآخرين.
الله هو هدفنا، لكنّنا لا نستطيع أن نصل إليه بالطريقة عينها التي نصل بها إلى المزار أو البازيليك. في الواقع، أولئك الذين أتمّوا رحلات الحجّ سيرًا على الأقدام، يعرفون جيّدًا أنّ الوصول أخيرًا إلى الوجهة التي طال انتظارها، لا يعني الشعور بالرضا. بعبارة أخرى، بينما يعرف الحاج ظاهريًّا أنه قد وصل، يدرك داخليًّا أنّ الرحلة لم تنته بعد. الله هكذا: هو هدف يدفعنا إلى أبعد، هدف يدعونا باستمرار إلى المضيِّ قدُمًا لأنّه دائمًا أعظم من الفكرة التي لدينا عنه. وقد فسّر الله نفسه من خلال النبيّ إشعياء: "كما أنّ السماوات أعلى من الأرض، كذلك طرقي أعلى من طرقكم، وأفكاري أعلى من أفكاركم" (أش 55، 9). مع الله، نحن لا ننتهي (من السير) أبدًا. نحن لا نصل إليه أبدًا. نحن دائمًا في المسيرة، نبحث عنه. لكنّ هذا السير نحو الله بالتحديد هو الذي يعطينا اليقين المبهِج بأنّه ينتظرنا ليعطينا عزاءه ونعمته".