الفاتيكان
24 أيار 2019, 13:48

البابا فرنسيس: الإفخارستيّا والفقراء، بيت قربان ثابت وبيوت قربان متحرِّكة

إفتتح البابا فرنسيس صباحًا الجمعيّة العامّة الحادية والعشرين لهيئة كاريتاس الدّوليّة، في قدّاس إلهيّ ترأّسه في بازيليك القدّيس بطرس، وكانت للمناسبة عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

 

"تخبر كلمة الله في القراءة الّتي تقدّمها لنا اللّيتورجية اليوم من كتاب أعمال الرّسل عن أوّل اجتماع في تاريخ الكنيسة. حصلت حالة غير متوقّعة: كان الوثنيّون يعتنقون الإيمان المسيحيّ، ممّا ولّد سؤالاً: هل عليهم أن يـتأقلموا، كالآخرين، مع قواعد الشّريعة القديمة؟ لقد كان قرارًا صعبًا والرّبّ لم يكن حاضرًا. قد نتساءل: لماذا لم يترك يسوع اقتراحًا ليبتَّ أقلّه هذا "الجدال الطويل"؟ (أعمال ١٥، ٧).

هذه هي تجربة الفعاليّة، تجربة الاعتقاد أنَّ الكنيسة تكون بخير إن كان كلّ شيء تحت السّيطرة وإن كانت تعيش بدون صدمات. لكن الرّبّ لا يسير هكذا، في الواقع هو لا يرسل لنا جوابًا من السّماء وإنّما يرسل الرّوح القدس. يسوع لا يريد أن تكون الكنيسة نموذجًا كاملاً، تفرح بتنظيمها وتكون قادرة على الدّفاع عن اسمها. إنّ يسوع لم يعش هكذا، بل سار بدون أن يخاف من صدمات الحياة. الإنجيل هو برنامج حياتنا، ويعلّمنا أنّه لا يمكننا أن نواجه المسائل بواسطة وصفات جاهزة وأنّ الإيمان ليس جدول أعمال بل هو حياة.

نبدأ من النّهاية، من شجاعة التّخلّي. إنّ نجاح ذلك الجدال الطّويل لم يكن بفرض شيء جديد وإنّما بالتّخلّي عن القديم. لكن هؤلاء المسيحيّين لم يتخلّوا عن أمور بدون معنى. بالرّغم من ذلك اختاروا أنَّ إعلان الرّبّ يأتي أوّلاً، وبالتّالي لخير هذه الرّسالة ومن أجل أن يعلنوا للجميع وبشكل واضح وصادق أنّ الله هو محبّة قرّروا أن يتخلّوا عن تلك القناعات والتّقاليد الّتي أصبحت تشكّل عائقًا. نحن أيضًا نحتاج لأن نكتشف معًا جمال التّخلّي وأولّاً عن ذواتنا.

لكي نتبع الرّبّ علينا أن نسير بسرعة ولكي نسير بسرعة يجب أن نخفِّف من أحمالنا حتّى وإن كلّفنا هذا الأمر كثيرًا. ككنيسة نحن لسنا مدعوّين للقيام بتسويات مؤسّساتيّة وإنّما لدفع إنجيليّ. فالرّبّ لا يريد منّا إصلاحات تجميليّة، بل يريد ارتداد القلب الّذي يمرُّ عبر التّخلّي. إنّ الخروج من ذواتنا هو الإصلاح الأساسيّ. نرى كيف وصل المسيحيّون الأوائل إلى هذا الأمر. لقد بلغوا شجاعة التّخلّي انطلاقًا من تواضع الإصغاء. لقد تمرّسوا في التّخلّي عن الذّات. وعندما ينمو الاهتمام بالآخرين يزداد التّخلّي عن الذّات، ونصبح متواضعين متّبعين درب الإصغاء الّتي توقّفنا عن رغبة تحقيق ذواتنا والمضيّ قدمًا لتحقيق أفكارنا وعن البحث عن إجماع في الرّأي مهما كانت الوسيلة. إنّ التّواضع يولد عندما نصغي وعندما نتوقّف عن وضع أنفسنا في المحور. إنّها درب الخدمة المتواضعة تلك الّتي سارها يسوع وعلى درب المحبّة هذه ينزل الرّوح القدس ويوجّه. إنّ السّير على دروب المحبّة والتّواضع والإصغاء يعني أن نسمع للصّغار. لننظر مجدّدًا إلى المسيحيّين الأوائل: صمتوا جميعًا ليصغوا إلى بولس وبرنابا. لقد كانا آخر الواصلين ولكنّهم تركوهما يَروِيانِ لَهم ما أَجْرى اللهُ عنِ أَيديهِما. من المهمّ دائمًا أن نصغي إلى صوت الجميع ولاسيّما إلى صوت الصّغار والأخيرين.

ختامًا هناك الإصغاء للحياة: لقد روى بولس وبرنابا خبرات لا أفكار. وهكذا تميّز الكنيسة أيضًا: أمام واقع الأشخاص. الأشخاص قبل البرامج، بواسطة النّظرة المتواضعة لمن يعرف كيف يبحث في الآخرين عن حضور الله الّذي لا يقيم في عظمة ما نقوم به وإنّما في صغر الفقراء الّذين نلتقي بهم. من تواضع الإصغاء إلى شجاعة التّخلّي كلُّ شيء يمرُّ عبر موهبة القيام بالأمور معًا. في الواقع، في جدال الكنيسة الأولى تسود الوحدة دائمًا على الاختلافات. فلا أحد يضع في المرتبة الأولى اهتماماته واستراتيجيّاته وإنّما واقع كوننا وشعورنا أنّنا كنيسة يسوع. لا أحد يعرف كلَّ شيء ولا أحد يملك جميع المواهب، ولكن كلُّ فرد يملك موهبة القيام بالأمور معًا. وهذا أمر جوهريّ لأنّه لا يمكننا أن نفعل الخير فعلاً بدون أن نحبّ بعضنا البعض حقًّا.

"اُثبُتوا في مَحَبَّتي" هذا ما يطلبه يسوع في الإنجيل. كيف نفعل هذا؟ علينا أن نكون بقربه هو الخبز المكسور. سيساعدنا أن نكون أمام بيت القربان وأمام العديد من بيوت القربان الحيّة الّذين هم الفقراء. الإفخارستيّا والفقراء، بيت قربان ثابت وبيوت قربان متحرِّكة: هناك نثبت في المحبّة ونفهم ذهنيّة الخبز المكسور. هناك نفهم الـ "كما" الّذي يتحدّث عنه يسوع: "كما أَحَبَّني الآب فكذلكَ أَحبَبتُكم أَنا أَيضًا". وكيف أحبّ الآب يسوع؟ أعطاه كلَّ شيء. ولكن عندما نمتنع عن العطاء، عندما نضع في المرتبة الأولى اهتماماتنا الّتي نريد أن ندافع عنها، نحن لا نتشبّه بـ"كما" الله، ولا نكون كنيسة حرّة ومُحرِّرة. يسوع يطلب أن نثبت فيه، لا في أفكارنا؛ وأن نخرج من الادّعاء بالسّيطرة والإدارة؛ يطلب منّا أن نثق بالآخر ونعطي ذواتنا للآخر. لنطلب من الرّبّ أن يحرّرنا من الفعّاليّة ومن روح العالم ومن التّجربة الخفيّة لعبادة ذواتنا وذكائنا. لنطلب نعمة قبول الدّرب الّتي تشير إليها كلمة الله: التّواضع والشّركة والتّخلّي".