الفاتيكان
11 تشرين الثاني 2018, 13:00

البابا فرنسيس: الإفخارستيّا هي ينبوع محيط الرّحمة الذي يغمر العالم

إستقبل البابا فرنسيس ظهر يوم السّبت، في قاعة الكونسيستوار، في القصر الرّسوليّ في الفاتيكان، المشاركين في الجمعيّة العامّة للّجنة الحبريّة للمؤتمرات الإفخارستيّة الدّوليّة؛ وللمناسبة وجّه الأب الاقدس كلمةً رحّب بها بضيوفه واستهلّها متسائلاً ماذا يعني الاحتفال بمؤتمر إفخارستيّ في مدينة حديثة ومتعدّدة الثّقافات أصبح فيها الإنجيل وأشكال الانتماء الدّينيّ هامشيّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"هو التّعاون مع نعمة الله لننشر، بواسطة الصّلاة والعمل، ثقافة إفخارستيّة أيّ أسلوب في التّفكير والعمل مؤسّس على السّرّ والذي يمكن رؤيته أيضًا أبعد من الإنتماء الكنسيّ.

في أوروبا المريضة باللّامبالاة والتي تختبر الانقسامات والانغلاق يجدّد المسيحيّون كلَّ أحد العلامة البسيطة والقويّة لإيمانهم: يجتمعون باسم الرّبّ ويعترفون بأنّهم إخوة، وتتكرّر الآية: في الإصغاء للكلمة وفي علامة الخبز المكسور تصبح جماعة المؤمنين الأصغر والأكثر تواضعًا جسد الرّبّ وبيت القربان خاصّته في العالم. ويصبح الاحتفال الإفخارستيّ حاضنًا للمواقف التي تولِّد ثقافة إفخارستيّة لأنّه يحول إلى تصرّفات ومواقف نعمة المسيح الذي بذل نفسه بالكامل.

أوّل هذه المواقف هي الشّركة. في العشاء الأخير اختار يسوع كعلامة لعطيّته، عطيّة الخبز وكأس الأخوّة. وبالتّالي، فالاحتفال بذكرى الرّبّ، الذي نتغذّى خلاله بجسده ودمه، يتطلّب ويؤسّس الشّركة معه والشّركة بين المؤمنين. تشكّل الشّركة مع المسيح التّحدّي الحقيقيّ للرّاعويّة الإفخارستيّة، لأنَّ الأمر يتعلّق بمساعدة المؤمنين على التّواصل معه هو الحاضر في السّرّ ليعيشوا فيه ومعه في المحبّة والرّسالة.

أمّا الموقف الثّاني فهو الخدمة. إنَّ الجماعة الإفخارستيّة إذ تتّصل بمصير يسوع الخادم تصبح هي أيضًا خادمة: إذ تأكل الجسد المُعطى تصبح جسدًا يُقدَّم لكثيرين. وإذ يعودون باستمرار إلى العليّة، حشا الكنيسة حيث غسل يسوع أرجل تلاميذه، يخدم المسيحيّون قضيّة الإنجيل ويندرجون في أماكن الضّعف والصّليب لشاركوا ويداووا. كثيرة هي الأوضاع في الكنيسة والمجتمع التي ينبغي أن نسكب عليها بلسم الرّحمة بواسطة أعمال جسديّة وروحيّة. في أماكن البشريّة الجريحة هذه يحتفل المسيحيّون بذكرى الصّليب ويحيون إنجيل يسوع الخادم الذي أسلم نفسه حبًّا بنا ويجعلونه حاضرًا؛ فيزرع المعمّدون هكذا ثقافة إفخارستيّة إذ يصبحون خدّامًا للفقراء لا باسم إيديولوجيّة معيّنة وإنّما باسم الإنجيل الذي يصبح قاعدة حياة.

وختامًا كلّ قدّاس إلهيّ يغذّي حياة إفخارستيّة إذ يعيد إلى السّطح كلمات إنجيل نسيته مدننا. لنفكّر فقط بكلمة رحمة. إنّ الجميع يتذمّرون بسبب نهر البؤس الذي يخترق خبرات مجتمعنا. يتعلّق الأمر بأشكال عديدة للخوف والاستغلال والكبرياء والشّرّ والكراهيّة والانغلاق وعدم الاهتمام بالبيئة وإلى ما هنالك...وبالرّغم من هذا يختبر المسيحيّون كلّ أحد أنّ هذا النّهر لا يمكنه أن يفعل شيئًا أمام محيط الرّحمة الذي يغمر العالم. الإفخارستيّا هي ينبوع محيط الرّحمة هذا لأنّ فيها يفيض حمل الله المذبوح روحه القدوس من أجل خليقة جديدة، ويقدّم نفسه كطعام على مائدة الفصح الجديد. هكذا تدخل الرّحمة في شرايين العالم وتساهم في بناء صورة وهيكليّة شعب الله اللّتين تتناسبان مع زمن الحداثة.

إنَّ المؤتمر الإفخارستي الدّولي المقبل، وإذ يحمل تاريخًا طويلاً هو مدعوّ ليشير إلى مسيرة الحداثة والارتداد هذه، ويذكّرنا أنّه في محور الحياة الكنسيّة نجد الإفخارستيّا. إنّها السّرّ الفصحيّ القادر على التّأثير بشكل إيجابيّ لا على المعمّدين وحسب، وإنّما على المدينة الأرضيّة أيضًا حيث نعيش ونعمل. ليعزّز هذا الحدث الإفخارستيّ في بودابست في الجماعة المسيحيّة عمليّات تجديد، لكي يترجم الخلاص الذي ينبع من الإفخارستيّا إلى ثقافة إفخارستيّة قادرة على أن تُلهم الرّجال والنّساء، ذوي الإرادة الصّالحة، في مجالات المحبّة والتّضامن والسّلام والعائلة والعناية بالخليقة.

أكِلُ منذ الآن المؤتمر الإفخارستيّ الدّوليّ المقبل على العذراء مريم. لتحمي العذراء كلّ فرد منكم وجماعاتكم ولترافقكم وتخصّب العمل الذي تقومون به والذي أنا ممتن لكم عليه جدًّا."