الفاتيكان
25 أيلول 2019, 11:15

البابا فرنسيس: الإفتراء "سرطان شيطانيّ"

أكّد البابا فرنسيس أنّه لإظهار هويّة المؤمن كابن لله، عليه تسليم حياته للآب والمغفرة لمن أساء إليه. هذا الأمر أشار إليه البابا خلال المقابلة العامّة الّتي قال فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

 

"من خلال كتاب أعمال الرّسل نتابع اتّباعنا لمسيرة: مسيرة الإنجيل في العالم. يُظهر القدّيس لوقا، وبواقعيّة كبيرة، إن كان خصوبة هذه الرّحلة وإمّا قيام بعض المشاكل في داخل الجماعة المسيحيّة. لقد كان هناك مشاكل منذ البداية. كيف يمكننا أن نوازن بين الاختلافات الّتي تتعايش في داخلها بدون أن تحصل نزاعات وانشقاقات؟

لم تكن الجماعة تستقبل اليهود وحسب، وإنّما اليونانيّون أيضًا والأشخاص القادمين من الشّتات وغير اليهود مع ثقافاتهم وتقاليدهم ومن أديان أخرى. نحن نسمّيهم اليوم "وثنيّين"، هؤلاء جميعًا كانوا يُقبلون. هذا التّعايش يحدّد توازنًا هشًّا وغير ثابت؛ وإزاء الصّعوبات يظهر "الزّؤان"، وما هو الزّؤان الأسوأ الّذي يدمّر الجماعة؟ زؤان التّذمّر وزؤان الثّرثرة: وبالتّالي كان اليونانيّون يتذّمرون بسبب إهمال الجماعة تجاه أراملهم.

بدء الرّسل عمليّة تمييز تقوم على أخذ الصّعوبات جيدًّا بعين الاعتبار والبحث عن الحلول معًا. ووجدوا مخرجًا من خلال تقسيم مختلف المهام من أجل نموّ مسالم للجسم الكنسيّ بأسره ولكي يتحاشوا إهمال "مسيرة" الإنجيل والعناية بالأفراد الأشدّ فقرًا. لقد كان الرّسل يدركون على الدّوام أنَّ دعوتهم الأساسيّة هي الصّلاة وإعلان كلمة الله: الصّلاة وإعلان الإنجيل، وقد حلّوا المشكلة إذ أنشأوا مجموعة من "سَبعَةِ رِجالٍ لَهم سُمعَةٌ طَيِّبَة، مُمتَلِئينَ مِنَ الرُّوحِ والحِكمَة" (أعمال 6، 3)، لكي يهتمّوا بخدمة الموائد بعد أن ينالوا وضع الأيدي. إنّهم الشّمامسة الّذين أقامهم الرّسل من أجل الخدمة. فالشّمّاس في الكنيسة ليس كاهنًا من الدّرجة الثّانية بل هو أمر آخر، كذلك هو ليس للمذبح وإنّما للخدمة. إنّه حارس الخدمة في الكنيسة. وعندما يكون هناك شمّاس يحبّ كثيرًا الصّعود على المذبح يكون مُخطئًا في هذا الأمر لأنّ هذه ليست دربه. يشكّل هذا التّناغم بين خدمة الكلمة وخدمة المحبّة الخميرة الّتي تنمِّي الجسم الكنسيّ.

أقام الرّسل سبعة شمامسة ومن بين هؤلاء الشّمامسة السّبعة، تميّز بشكل خاصّ إسطفانوس وفيليبّس. بشّر إسطفانوس بالقوّة والحقّ، ولكنَّ كلمته واجهت مقاومة عنيدة؛ وإذ لم يجدوا الأسلوب لإيقافه، ماذا فعل أعداؤه؟ اختاروا الحلَّ الأحقَر لتدمير كائن بشريّ: أيّ الافتراء أو شهادة الزّور. ونحن نعلم أنَّ الافتراء يقتل على الدّوام. هذا "السّرطان الشّيطانيّ" الّذي يولد من الرّغبة في تدمير سمعة شخص ما، يصيب باقي الجسم الكنسيّ أيضًا ويؤذيه بشكل خطير، عندما ولأجل مصالح خسيسة أو لأجل إخفاء تقصير ما، يتمُّ تشكيل ائتلاف من أجل تلويث سمعة شخص ما.

وإذ سيق إلى المجلس وتمَّ اتهامه من قبل شهود زور– تمامًا كما فعلوا مع يسوع وكما سيفعلون مع جميع الشّهداء من خلال شهود الزّور والافتراء– أعاد اسطفانوس قراءة التّاريخ المقدّس الّذي يتركّز في المسيح: ففصح المسيح الّذي مات وقام من الموت هو المفتاح لتاريخ العهد بأسره. وإزاء وفرة العطيّة الإلهيّة هذه، يدين إسطفانوس الرّياء الّذي تمّ من خلاله التّعامل مع الأنبياء والمسيح، ويذكّرهم بتاريخهم ويقول: "أَيًّا مِنَ الأَنبِياءِ لم يَضطَهِدهُ آباؤكم، فقَد قتَلوا الَّذينَ أَنبَأُوا بِمَجِيءِ البارِّ ولَه أَصبَحتُم أنتُمُ الآنَ خَوَنَةً وقَتَلَة" (أعمال 7، 52). هو لا يستعمل أنصاف الكلمات بل يتكلّم بوضوح ويقول الحقيقة.

هذا الأمر سبّب ردّة فعل عنيفة في السّامعين وحُكم على إسطفانوس بالموت، إذ حكم عليه بالرّجم. ولكنّه أظهر "المعدن" الحقيقيّ لتلميذ المسيح. لم يبحث عن مهربٍ ولم يستجر بشخصيّات يمكنها إنقاذه، بل وضع حياته بين يدي الرّبّ، والصّلاة الّتي رفعها في تلك اللّحظة هي جميلة جدًّا إذ قال: "رَبِّ يسوع، تَقبَّل روحي" (أعمال 7، 59)، ومات غافرًا كإبنٍ لله: "يا ربّ، لا تَحسُب علَيهم هذهِ الخَطيئَة" (أعمال 7، 60). تعلّمنا كلمات إسطفانوس هذه أنّ ليست الخطابات الجميلة هي الّتي تُظهر هويّتنا كأبناء لله وإنّما فقط تسليم حياتنا بين يديّ الآب والمغفرة لمن يسيء إلينا. كذلك تعلّمنا هذه الكلمات أن نرى نوعيّة إيماننا.

إنَّ الشّهداء اليوم هم أكثر من الشّهداء في بداية حياة الكنيسة ونجدهم في كلِّ مكان. إنَّ كنيسة اليوم غنيّة بالشّهداء، يرويها دمهم الّذي هو بذرة مسيحيّين جدد ويؤمِّن نموّ وخصوبة شعب الله. الشّهداء ليسوا مجرّد "صور مقدّسة" بل رجال ونساء من لحم وعظم– وكما يقول سفر الرّؤيا– "وقد غَسَلوا حُلَلَهم وبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَل" (رؤيا 7، 14). إنّهم المنتصرون الحقيقيّون. لنطلب نحن أيضًا من الرّبّ، إذ ننظر إلى شهداء اليوم والأمس، أن نتعلّم عيش حياة كاملة ونقبل استشهاد الأمانة اليوميّة للإنجيل وللتّشبّه بالمسيح".