الفاتيكان
28 كانون الثاني 2020, 10:45

البابا فرنسيس: الأزواج المسيحيّون هم عطيّة من الله وثمرة عمل الرّوح القدس

تيلي لوميار/ نورسات
أكّد البابا فرنسيس على أهمّيّة الأزواج المسيحيّين في الكنيسة كعطيّة من الله، إذ أنّهم يصبحون قدّيسين ليس بفضل الرّعاة وإنّما بفعل الرّوح القدس. هذا الكلام جاء خلال استقبال البابا قضاة وموظّفي محكمة الرّوتا الرّومانيّة لمناسبة افتتاح السّنة القضائيّة، في كلمة قال فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"أرغب في أن أعود إلى التّعليم الّذي قدّمته في المقابلة العامّة في الثّالث عشر من تشرين الثّاني نوفمبر لأقدّم لكم اليوم تأمّلاً إضافيًّا حول الدّور الأساسيّ للزّوجين أَقيلا وبِرِسقِلَّة كمثالين للحياة الزّوجيّة. إنَّ الكنيسة في الواقع ولكي تتبع يسوع عليها أن تعمل بحسب الشّروط الثّلاثة الّتي يؤكّد عليها المعلّم الإلهيّ: السّير والجهوزيّة والقرار.

إنّ الكنيسة مدعوّة لكي تحمل الإنجيل في الدّروب وتبلغ الضّواحي البشريّة والوجوديّة وهذا الأمر يجعلنا نتذكّر الزّوجين الّذين يقدّمهما لنا العهد الجديد أَقيلا وبِرِسقِلَّة اللّذين أرادهما الرّوح القدس إلى جانب القدّيس بولس كمثال للزّوجين اللّذين يسيران: في الواقع إن كان في وصف القدّيس لوقا وإمّا في وصف القدّيس بولس نجد أنّهما كانا في حركة دائمة، وبالتّالي نسأل أنفسنا لماذا لم يجد مثال هذين الزّوجين المتنقّلين في راعويّة الكنيسة هويّة للأزواج المبشّرين عبر العصور. هذا ما تحتاج إليه رعايانا ولاسيّما في المدن حيث لا يملك كاهن الرّعيّة ومعاونيه الوقت والقوّة لبلوغ المؤمنين الّذين، وإذ يعلنون أنفسهم مسيحيّين، يبقون غائبين عن عيش الأسرار وتقريبًا غافلين عن معرفة المسيح.

في مقدّمة إصلاح دعاوى الزّواج أصرّيت على لؤلؤتين: القرب والمجّانيّة ولا يجب أن تنسوا هذا الأمر. إنّ القدّيس بولس قد وجد في هذين الزّوجين أسلوب القرب من البعيدين وأحبّهما إذ عاش معهما أكثر من سنة في كورنتس لأنّهما كانا زوجين ومعلّمين في المجّانيّة. وبالتّالي على الأزواج المسيحيّين أن يتعلّموا منهما كيف يحبّون المسيح ويقتربون من العائلات الّتي غالبًا ما تُحرم من نور الإيمان لأنّها تُركت على هامش عملنا الرّاعويّ. كم أرغب في ألّا يبقى خطابي هذا مجرّد كلمات وإنّما أن يدفع من جهة الرّعاة والأساقفة وكهنة الرّعايا لكي يسعوا إلى أن يحبّوا على مثال بولس الرّسول الأزواج المرسلين المتواضعين والمستعدّين لبلوغ ساحات ومباني مدننا الّتي لا يصل ولا يدخل إليها نور الإنجيل وصوت يسوع.

يكتب القدّيس بولس السّادس في الرّسالة العامّة "كنيسة المسيح": "قبل أن نتكلّم علينا أوّلاً أن نصغي إلى صوت لا بل إلى قلب الإنسان ونفهمه ونحترمه قدر الإمكان وأن ندعمه عندما يستحقّ الدّعم". إنّ الأمر يتعلّق بالإصغاء إلى القطيع والإقامة بقرب النّاس متنبّهين لكي نتعلّم اللّغة ونقترب من كلّ فرد منهم بمحبّة ونرافق الأشخاص خلال ليل وحدتهم وقلقهم وفشلهم. علينا أن نعي أنّ الأزواج المسيحيّين لا يصبحون قدّيسين بفضل الرّعاة وإنّما هذا هو عمل الرّوح القدس، رائد الرّسالة، وأنَّ هؤلاء الأزواج حاضرون في جماعاتنا وبالتّالي من واجبنا نحن الرّعاة أن نسلّط الضّوء عليهم ونقدّمهم كموضوع لقدرة جديدة في عيش الزّواج المسيحيّ وأن نحافظ عليهم لكي لا يسقطوا في الإيديولوجيات.

إنّ العمل الرّسوليّ في الرّعايا إذًا يستنير بحضور أزواج كالزّوجين اللّذين نجدهما في العهد الجديد واللّذين يصفهما بولس ولوقا: لا يتوقّفان أبدًا وفي عمل دائم مع أبنائهم بالتّأكيد كما ينقل إلينا علم دراسة الأيقونات في الكنائس الشّرقيّة. وبالتّالي على الرّعاة أن يسمحوا للرّوح القدس أن ينيرهم اليوم أيضًا لكي يتحقّق هذا الإعلان الخلاصيّ من قبل أزواج مستعدّين ولكنّهم لم ينالوا الدّعوة بعد. لأنّه إن لم يُتم استدعاؤه يبقى الرّوح القدس غائبًا وبالتّالي تُحرم كنائسنا الخاصّة من تلك القوّة الّتي تجعل من الأزواج المسيحيّين روح وشكل البشارة. بمعنى آخر ينبغي أن تعيش الرّعيّة كذلك المكان القانونيّ– الخلاصيّ لأنّها بيت بين البيوت وعائلة بين العائلات وكنيسة فقيرة للفقراء وسلسلة من الأزواج المتحمّسين والشّغوفين في إيمانهم بالقائم من الموت وقادرين على إحداث ثورة جديدة لحنان الحبّ على مثال أَقيلا وبِرِسقِلَّة.

قد يأتي إلى ذهننا أنَّ هذين الزّوجين القدّيسين في العهد الجديد لم يتعبا أبدًا؛ في الواقع هكذا يصفهما بولس ولوقا اللّذان كانا رفيقيهما الدّائمين لأنّ من دعاهما ليس بولس وإنّما الرّوح القدس، وهنا تقوم كرامتهما الرّسوليّة كزوجين مسيحيّين. قد يتركنا حائرين هذا الصّمت الطّويل حول هؤلاء القدّيسين الأوائل في الكنيسة، ولذلك أدعو الإخوة الأساقفة والرّعاة لكي يشيروا إلى هذين الزّوجين القدّيسين كرفيقين أمينين ومنيرين لرعاة ذلك الزّمن واللّذين يشكلان اليوم دعمًا ومثالاً للأسلوب الّذي يمكن للأزواج المسيحيّين والشّباب والمسنّين أن يجعلوا من خلاله الزّواج المسيحيّ خصبًا بأبناء في المسيح. ولذلك علينا أن نقتنع وأن نكون متأكّدين أنّ أزواج كهؤلاء في الكنيسة هم عطيّة من الله وليس بفضل استحقاقاتنا لأنّهم ثمرة عمل الرّوح القدس الّذي لا يترك الكنيسة أبدًا!

لا نعرف عن أَقيلا وبِرِسقِلَّة إن كانا قد توفّيا كشهيدين ولكنّهما بالنّسبة لأزواج اليوم علامة للاستشهاد الرّوحيّ أيّ على القدرة في أن يكونوا خميرة. إنّ الكنيسة تحتاج لأزواج على مثال أَقيلا وبِرِسقِلَّة يتحدّثان ويعيشان بسلطة المعموديّة الّتي لا تقوم في القيادة والتّسلّط وإنّما في العيش بصدق كشهود ورفاق مسيرة في درب الرّبّ".