الفاتيكان
21 حزيران 2022, 06:30

البابا فرنسيس: إنّ دفع الرّوح القدس هو الّذي يجعلنا ننطلق نحو الآخرين

تيلي لوميار/ نورسات
"إذا لم يمرّ روح يسوع فينا، فكلّ ما نفعله ليس شيئًا في عينيه، أيّ أنّه لا يساوي شيئًا لملكوت الله. أمّا إذا كنّا كأغصان مرتبطين جيّدًا بالكرمة، فإنّ حيويّة الرّوح القدس ستنتقل من المسيح إلينا وكلّ ما نفعله سيُثمر، لأنّه ليس عملنا، بل هو محبّة المسيح الّتي تعمل من خلالنا." هذا ما أكّده البابا فرنسيس في كلمة توجّه بها إلى المشاركين في المجمع العامّ لرهبانيّة القدّيس دانيال كومبوني المعروفين بإسم "Missionari Comboniani del Cuore di Gesù" والّتي قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أنا سعيد للقائكم. لقد دعوتموني إلى منزلكم للاحتفال بعيد قلب يسوع الأقدس يوم الجمعة المقبل. أشكركم، سأكون معكم بالصّلاة؛ لكنّنا نعيش اليوم لقاءنا هذا في منظور وروح سرّ قلب المسيح، الّذي ترتبط به موهبة القدّيس دانيال كومبوني.

إنّ موضوع وشعار مجمعكم يوجّهاننا أيضًا في هذا الاتّجاه: "أنا الكرمة، أنتم الأغصان. متجذّرون في المسيح مع كومبوني". في الواقع، تعتمد الرّسالة بشكل كامل- مصدرها وحيويّتها وثمارها- على الاتّحاد بالمسيح وعلى قوّة الرّوح القدس. ويسوع قد قال ذلك بوضوح للّذين اختارهم "رسلًا"، أيّ "مُرسَلون": "لأنّكم، بمعزل عنّي لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا". لم يقل: يمكنكم أن تفعلوا القليل، لا، بل قال: لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا. بأيّ معنى؟ يمكننا أن نفعل العديد من الأمور: مبادرات، برامج، حملات... أشياء كثيرة؛ ولكن إذا لم نكن فيه، وإذا لم يمرّ روحه فينا، فكلّ ما نفعله ليس شيئًا في عينيه، أيّ أنّه لا يساوي شيئًا لملكوت الله.

أمّا إذا كنّا كأغصان مرتبطين جيّدًا بالكرمة، فإنّ حيويّة الرّوح القدس ستنتقل من المسيح إلينا وكلّ ما نفعله سيُثمر، لأنّه ليس عملنا، بل هو محبّة المسيح الّتي تعمل من خلالنا. هذا هو سرّ الحياة المسيحيّة، ولاسيّما حياة الرّسالة، في كلّ مكان، في أوروبا كما في أفريقيا وفي القارّات الأخرى. المرسل هو التّلميذ الّذي يتّحد بمعلّمه وربّه لدرجة أن تصبح يداه وعقله وقلبه "قنوات" لمحبّة المسيح. لأنّ "الثّمر" الّذي يريده المسيح من أصدقائه ليس سوى المحبّة، محبّته، الّتي تأتي من الآب ويُعطيها لنا بالرّوح القدس.

هذا هو السّبب في أنّ بعض المرسلين العظماء، مثل دانيال كومبوني، وإنّما أيضًا، على سبيل المثال، مثل الأمّ كابريني، قد عاشوا رسالتهم وهم يشعرون بأنَّ قلب المسيح يحرّكهم ويدفعهم. وهذا الدّفع قد سمح لهم بالخروج والذّهاب إلى ما هو أبعد: ليس فقط خارج الحدود الجغرافيّة، ولكن أوّلاً وقبل كلّ شيء خارج حدودهم الشّخصيّة. إنّ دفع الرّوح القدس هو الّذي يجعلنا نخرج من ذواتنا، من انغلاقاتنا، من مرجعيّتنا الذّاتيّة، ويجعلنا ننطلق نحو الآخرين، نحو الضّواحي، حيث يكون العطش للإنجيل أعظم. إنّ صفة قلب المسيح الأساسيّة هي الرّحمة والشّفقة والحنان. ثمّ أعتقد أنّكم مدعوّون لكي تحملوا هذه الشّهادة لـ"أسلوب الله" في رسالتكم، وأينما كنتم وحيثما سيرشدكم الرّوح القدس. إنَّ الرّحمة والحنان هما لغتان عالميّتان لا تعرفان الحدود. لكنّكم لا تحملون هذه الرّسالة كأفراد مرسلين، وإنّما كجماعة، وهذا الأمر يتطلّب لا الاهتمام بالأسلوب الشّخصيّ وحسب، وإنّما بالأسلوب الجماعيّ أيضًا. ويسوع قد قال ذلك لأصدقائه: "إذا أحبّ بعضكم بعضًا عرف النّاس جميعًا أنّكم تلاميذي"، وسفر أعمال الرّسل يؤكّد ذلك، عندما يروي أنّ جماعة أورشليم الأولى كانت تتمتّع بتقدير الشّعب كلّه، لأنَّ النّاس كانوا يرون كيف كانوا يعيشون.

لهذا الهدف، ولكي يعطي أسلوب حياة الجماعة شهادة جيّدة، فإنّ الجوانب الأربعة الّتي قرّرتم أن تعملوا عليها في مجمعكم العامّ مهمّة أيضًا: قانون الحياة، ومسيرة التّنشئة، الكهنوت، وشركة الخيور. يتعلّق التّمييز بالطّريقة الّتي تحدّدون بها هذه العناصر وتعيشونها، لكي تتمكّن من الإجابة بأكبر شكل ممكن على متطلّبات الرّسالة، أيّ الشّهادة. هذا أمر مهمّ جدًّا: وهو يشكِّل جزءًا من "التّجديد الكنسيّ الّذي لا يمكن تأجيله" في مفتاح رسوليّ دُعيَت إليه الكنيسة كلّها. إنّه ارتداد يبدأ من ضمير كلّ فرد، ويشرك كلّ جماعة، ويصل هكذا إلى تجديد المؤسّسة بأكملها.

أودّ أن أشير إلى أنّه هنا أيضًا، حتّى في الالتزام بهذه الجوانب الأربعة- المترابطة مع بعضها البعض- يجب أن يتمَّ كلُّ شيء في الطّاعة للرّوح القدس، لكي تُجيب الخطط والمشاريع والمبادرات الضّروريّة جميعها على متطلّبات البشارة، وأعني أيضًا أسلوب البشارة: لكي يكون فرحًا، ووديعًا، وشجاعًا، وصبورًا، ومليئًا بالرّحمة، وجائعًا ومتعطّشًا إلى العدالة، ومسالمًا، باختصار: أسلوب التّطويبات. كذلك أيضًا على قاعدة الحياة، والتّنشئة، والكهنوت، وإدارة الخيور أن تُوضع على أساس هذا المعيار الأساسيّ. إنّ الجماعة المُبشِّرة تختبر أنّ الرّبّ قد أخذ المبادرة، وسبقها في المحبّة. كذلك تستعدّ الجماعة المبشِّرة لكي ترافق، لكي ترافق البشريّة في جميع عمليّاتها، مهما كانت صعبة وطويلة الأمد. هي تعرف الانتظارات الطّويلة والصّبر الرّسوليّ. إنَّ البشارة تتحلّى بالكثير من الصّبر، تعتني بالقمح ولا تفقد سلامها بسبب الزّوؤان. إنَّ التّلميذ يعرف كيف يقدّم حياته بأسرها ويخاطر بها وصولاً إلى الاستشهاد، كشهادة ليسوع المسيح، لكن حلمه ليس أن يمتلئ بالأعداء، وإنّما أن يتمّ قبول الكلمة وأن تُظهر قوّتها المحرّرة والمجدِّدة. أخيرًا، تعرف الجماعة المبشِّرة الفرحة دائمًا كيف "تحتفل". هي تحتفل وتفرح بكلّ انتصار صغير، وكلّ خطوة إلى الأمام في البشارة.

أيّها الإخوة الأعزّاء، لقد أردت أن أذكِّر بهذا المقطع من الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل"، علمًا أنّكم تعرفونه، لمتعة مشاركتكم شغف البشارة. ليبارككم الرّبّ ولتحفظكم العذراء مريم. أبارككم من صميم قلبي مع جميع إخوتكم. وأطلب منكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي".