الفاتيكان
15 حزيران 2022, 10:20

البابا فرنسيس: إنّ امتنان المسنين على العطايا التي نالوها من الله في حياتهم يعيد إلى المجتمع فرح التّعايش

تيلي لوميار/ نورسات
كعادته الأسبوعيّة، أجرى البابا فرنسيس صباح اليوم مقابلته العامّة مع المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان.

إستهلّ البابا تعليمه الأسبوعيّ بالقول بحسب "فاتيكان نيوز": لقد استمعنا إلى الرّواية البسيطة والمؤثّرة لشفاء حماة سمعان - الذي لم يكن بعد يُدعى بطرس – بحسب إنجيل مرقس. يُقدّم الإنجيل هذا الحدث القصير، مع اختلافات طفيفة وإنّما موحية أيضًا مع الإنجيلين الآخرين. كتب القديس مرقس: "كانت حماة سمعان في الفراش محمومة". لا نعرف ما إذا كان مرضًا خفيفًا، ولكن في الشّيخوخة حتّى الحمى البسيطة يمكنها أن تكون خطيرة. عندما نشيخ، لا يعود لدينا القدرة لكي نتحكّم بجسدنا. وبالتّالي علينا أن نتعلّم أن نختار ما نفعله وما لا نفعله. تضعف القوّة الجسديّة وتتركنا حتّى لو لم تتوقف قلوبنا عن الرّغبة. لذلك من الضّروريّ أن نتعلّم أن ننقّي الرّغبة: فنتحلّى بالصّبر، ونختار ما نطلبه من الجسد، ومن الحياة.

إنَّ المرض يثقِّل على المُسنِّ بطريقة مختلفة وجديدة عمّا إذا كان الشّخص شابًّا أو بالغًا. إنّه مثل الضّربة القويّة التي تنهال على مرحلة صعبة في حدِّ ذاتها. يبدو أنّ مرض المسنّ يسرعِّ الموت ويقلّل من زمن الحياة الذي نعتبره قصيرًا. فيتسلّل الشّكّ بأنّنا لن نتعافى، وأنّ "هذه المرّة ستكون المرّة الأخيرة التي سأمرض فيها...". فيستحيل علينا أن نحلم بالرّجاء في مستقبل يبدو غير موجود. أشار كاتب إيطاليّ شهير إيتالو كالفينو إلى مرارة المسنّنين الذين يتألّمون من فقدان الأشياء القديمة أكثر ممّا يستمتعون بوصول أشياء جديدة. لكنّ المشهد الإنجيليّ الذي سمعناه يساعدنا على الرّجاء ويقدّم لنا درسًا أوّلًا: إنَّ يسوع لم يذهب لزيارة تلك المرأة المسنّة وحده، بل ذهب مع تلاميذه.

على الجماعة المسيحيّة أن تعتني بالمسنّين: أقارب وأصدقاء. والزّيارة إلى المسنّين يجب أن يقوم بها كثيرون معًا وغالبًا. لا يجب أن ننسى أبدًا هذه الأسطر الثّلاثة من الإنجيل. لاسيّما اليوم أنّ عدد المسنين قد نما بشكل كبير. علينا أن نشعر بمسؤوليّة زيارة المسنّين الذين غالبًا ما يكونون وحيدين ونقدّمهم للرّبّ بصلواتنا. ويسوع نفسه سيعلّمنا كيف نحبّهم. يكون المجتمع مضيفًا حقًّا للحياة عندما يدرك أنّها ثمينة حتّى في الشّيخوخة، والعجز، والمرض الخطير، وعندما تكون على شفير الموت. عندما رأى يسوع المرأة المسنّة مريضة، أخذ بيدها وأنهضها ففارقتها الحمى. ببادرة الحبّ الحنونة هذه، أعطى يسوع الدّرس الأوّل للتّلاميذ: إنّ الخلاص يُعلن لا بل يُنقَل من خلال الانتباه إلى ذلك الشّخص المريض؛ وإيمان تلك المرأة بسطع في الامتنان على حنان الله الذي انحنى عليها. أعود إلى موضوع كرّرته في هذه التّعاليم: يبدو أن ثقافة الإقصاء هذه تمحو المسنّين. نعم، هي لا تقتلهم، لكنّها تمحوهم اجتماعيًّا، وكأنّهم عبء يجب علينا أن نمضي به قدمًا وبالتّالي من الأفضل إخفاؤهم. إنّها خيانة لإنسانيّتنا، وهذا أسوأ شيء، إنّه اختيار للحياة بحسب المنفعة، وبحسب شبابها ولا للحياة كما هي، بحكمة المسنّين ومحدوديّتهم. لدى المسنّين الكثير لكي يقدّموه لنا: هناك حكمة الحياة. وكذلك لديهم الكثير ليعلّمونا إياه: لذلك علينا أن نعلّم الأطفال أن يعتنوا بأجدادهم ويذهبوا لزيارتهم. إنَّ الحوار بين الأطفال والشّباب والأجداد هو أساسيّ، أساسيّ للمجتمع، وأساسيّ للكنيسة، وأساسيّ لسلامة الحياة. حيث لا يوجد حوار بين الشّباب والمسنّين، هناك شيء ناقص وينمو جيل بلا ماض، أيّ بدون جذور.

إذا كان يسوع هو الذي أعطى الدّرس الأول، فإنّ الدّرس الثّاني تُعطيه لنا المرأة المسنّة، التي "قامت وأخذت تخدمهم". حتّى كمسنّ، يمكن للمرء، لا بل عليه أن يخدم الجماعة. إنّه لأمر جيّد أن يستمرّ المسنّون في تعزيز مسؤوليّة الخدمة، متغلّبين على تجربة التّنحّي. إنَّ الرّبّ لا يُقصيهم، بل على العكس هو يمنحهم مجدّدًا القوّة لكي يخدموا. ويطيب لي أن أشير إلى أنّه لا يوجد تركيز خاصّ في القصّة من جانب الإنجيليّين: إنّها الحالة الطبيعيّة لاتّباع المسيح، والتي سيتعلّمها التّلاميذ، بكلّ أهميّتها، على طول مسيرة التّنشئة التي سيختبرونها في مدرسة يسوع. إنَّ المسنين الذين يحافظون على الاستعداد للّشفاء، والتّعزية، والشّفاعة لإخوتهم وأخواتهم – أكانوا تلاميذًا، أو قادة مائة أو أشخاصًا تُعذّبهم الأرواح الشّريرة، أو أشخاصًا مهمّشين... – هم ربما الشّهادة الأسمى لنقاوة هذا الامتنان الذي يرافق الإيمان. إذا تم وضع المسنّين في محور الاهتمام الجماعيّ، بدلاً من أن يتمَّ نبذهم وطردهم من مسرح الأحداث التي تطبع حياة المجتمع، فسيتمّ تشجيعهم على ممارسة الخدمة الثّمينة للامتنان تجاه لله الذي لا ينسى أحدًا. إنّ امتنان المسنّين على العطايا التي نالوها من الله في حياتهم، كما تعلّمنا حماة بطرس، يعيد إلى المجتمع فرح التّعايش ويمنح إيمان التّلاميذ السّمة الأساسيّة لهدفه.

علينا أن نفهم جيدًا أن روح الشّفاعة والخدمة، التي وصفها يسوع لجميع تلاميذه، ليست مجرد مسألة نساء: لا يوجد حتّى ظلّ لهذا القيد، في أقوال يسوع وأفعاله. إنَّ الخدمة الإنجيليّة للامتنان على حنان الله لم تُكتب بأيّ شكل من الأشكال في قواعد الرّجل السّيّد والمرأة الخادمة. ومع ذلك، هذا الأمر لا يعني أنّه لا يمكن للنّساء أن يعلِّمن الرّجال أمورًا عن الامتنان وحنان الإيمان يصعب عليهم فهمها. إنَّ حماة بطرس، قبل أن يصل الرّسل إلى ذلك، على طول طريق اتّباع يسوع، قد أظهرت الطّريق لهم أيضًا. وقد أوضح حنان يسوع المميّز، الذي "دنا منها" و"أخذ بيدها"، منذ البداية، اهتمامه الخاصّ تجاه الضّعفاء والمرضى، الذي تعلمه ابن الله بالتّأكيد من أمّه. من فضلكم، لنسعى لكي يكون المسنّون، والأجداد، والجدّات قريبون من الأطفال، والشّباب لكي ينقلوا لهم ذاكرة الحياة، وينقلوا لهم خبرة الحياة وحكمة الحياة. وبقدر ما نسمح بأن يكون هناك تواصل وترابط بين الشّباب والمسنّين، سيكون هناك المزيد من الرّجاء لمستقبل مجتمعنا".