الفاتيكان
04 تشرين الأول 2023, 07:50

البابا فرنسيس: إنّ الغذاء الملقى به هو إساءة إلى الفقراء

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت منظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزّراعة "فاو"، يوم الجمعة باليوم الدّوليّ للتّوعية بفقد الأغذية وهدرها، وللمناسبة، وجّه البابا فرنسيس رسالة إلى المدير العامّ لمنظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزّراعة شو دونيو، شكره في بدايتها على توفيره هذه الفرصة له كي يوجّه تحيّة قلبية إلى جميع المشاركين في اللّقاء الّذي تعقده المنظّمة لمناسبة هذا اليوم.

وقال البابا فرنسيس بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ فقراء العالم ومعوزيه، الّذين يجمعون بقايا الغذاء الّذي يلقي به آخرون، هم مَن ينظرون اليوم إلى هذا اللّقاء، وأنّ الشّباب هم مَن يطالبوننا بوضوح بأن نقضي بشكل نهائيّ على ما لفقدان وهدر الغذاء من تبعات على الأشخاص وعلى الأرض، كما ويطالبوننا بوعي أكبر كي لا تتكرّر هذه الأفعال الضّارّة.  

إنّ آفة فقد الغذاء وهدره تثير القلق مثل آفة الجوع الّتي تضرب البشريّة بقسوة. أربط بين هاتين المأساتين لأنّه مشتركتين في جذر واحد، ألا وهو الثّقافة السّائدة الّتي نزعت عن الغذاء قيمته جاعلة منه مجرّد سلعة تبادليّة. وتضاف إلى هذا اللّامبالاة العامّة إزاء الفقراء، إلى جانب غياب العناية بالخليقة وما لذلك من تبعات ضارّة.

إنّ كلّ هذه التّصرّفات، الّتي يمكن اعتبارها ناتجة عن الأنانيّة، تجعل من جهة كثيرين يتخلّصون بشكل غير مسؤول ومبالغ فيه من خيور أساسيّة، وتؤدّي من جهة أخرى إلى عدم الاستياء أمام رؤية أعداد كبيرة من الأشخاص الّذين لا تتوفّر لهم ضروريّات العيش. إنّ هذه الأنانيّة تَبرز أيضًا في منطق الرّبح السّائد الّذي يحدّد العلاقات الاجتماعيّة، وفي الاستغلال غير العقلانيّ والشّرس للموارد الطّبيعيّة.

من الضّروريّ أن نقتنع جميعًا بالحاجة العاجلة إلى تغيّر جذريّ في النّموذج، فلا يمكننا بعدْ الاكتفاء بقراءة الواقع من وجهة نظر اقتصاديّة أو من تطلُّع لا يشبع إلى الرّبح. إنّ التّعامل مع التّغذية بشكل صحيح يستدعي تبَنّي تصرّفات أخلاقيّة. وحين نتحدّث عن الغذاء يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الخير الّذي، وأكثر من أيّ خير آخر، يضمن الحقّ الأساسيّ في الحياة، إلى جانب كونه أساس العيش الكريم لكلّ شخص. يجب بالتّالي التّعامل مع التّغذية باحترام لما تتضمّن من قدسيّة تنطلق من القدسيّة الأساسيّة لكلّ شخص والّتي تعترف بها تقاليد ثقافيّة ودينيّة كثيرة.

لا يمكن أبدًا اعتبار الغذاء مشكلة، كما ولا يمكننا الاستمرار في اعتبار النّموّ السّكّانيّ في العالم سبب عجز الأرض عن تغذية الجميع بشكل كافٍ، وذلك لأنّ الأسباب الحقيقيّة لانتشار الجوع في العالم هي غياب رغبة سياسيّة ملموسة في توزيع خيور الأرض بشكل يجعل الجميع يستفيدون ممّا تهبنا الطّبيعة، وأيضًا التّوزيع المستهجَن للغذاء انطلاقًا من التّطلّع إلى المكاسب الاقتصاديّة."

وتحدّث الأب الأقدس بعد ذلك عن هدر الغذاء "كشكل من ازدراء متعجرف لكلّ ما هو خلف إنتاج الغذاء من وجهتَي النّظر الاجتماعيّة والإنسانيّة، فالإلقاء بالغذاء يعني عدم تقدير التّضحية والعمل والطّاقة المستخدمة لتوفير غذاء جيّد النّوعيّة، كما ويعني ازدراء مَن يجتهدون يوميًّا في قطاعات الزّراعة والصّناعة والخدمات.

إنّ من الضّروريّ استثمار موارد ماليّة وتوحيد النّوايا والانتقال من التّصريحات إلى اتّخاذ قرارات بعيدة النّظر وحاسمة، ولكن يجب في المقام الأوّل تعزيز قناعتنا بأنّ الغذاء الملقى به هو إساءة إلى الفقراء. من الضّروريّ أن يدفع حسّ العدل إزاء المعوزين كلّ واحد منّا إلى تغيير حاسم في العقليّة وفي التّصرّفات. إنّ ما نلقي به في القمامة هو غذاء نسلبه بظلم من أيادي مَن هم محرومون منه. ومن الضّروريّ إنعاش وعينا بالانتماء إلى عائلة بشريّة واحدة."

وفي ختام رسالته أكّد البابا فرنسيس تضرّعه إلى الله كي تعود عائلة الأمم عائلة حقيقيّة وأن تلمس تلك الفسحة الّتي يغلب فيها الوفاق والسّخاء والمساعدة المتبادلة والمُحبّة بين الأخوة. كما وشكر منظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزّراعة على كلّ ما تقوم به من مبادرات وبرامج من أجل إنهاء فقد الغذاء وهدره.