الفاتيكان
09 كانون الثاني 2023, 11:20

البابا فرنسيس: إحتفلوا سنويًّا بتاريخ معموديّتكم لأنّه عيد ميلاد الإيمان

تيلي لوميار/ نورسات
عند عيد معموديّة الرّبّ توقّف البابا فرنسيس قبيل صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد في كلمته إلى المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، وإلى الاحتفال بتاريخ معموديّتهم سنويًّا دعاهم بعد الصّلاة "لأنّه عيد ميلاد جديد، عيد ميلاد الإيمان".

وفي تفاصيل الكلمة، قال البابا فرنسيس بحسب "فاتيكان نيوز": "نحتفل اليوم بعيد معموديّة الرّبّ، ويقدّم لنا الإنجيل مشهدًا مذهلاً: إنّها المرّة الأولى الّتي يظهر فيها يسوع علانيّةً بعد حياته الخفيّة في النّاصرة؛ يصل إلى ضفّة نهر الأردنّ ليعتمد عن يدِ يوحنّا. لقد كان طقسًا يتوب من خلاله النّاس ويلتزموا بالارتداد؛ تقول إحدى التّرانيم اللّيتورجيّة إنّ النّاس كانوا يذهبون للاعتماد بـ"نفوس عارية وأقدام حافية"، أيّ بتواضع وقلب صافٍ. لكن، إذ نرى يسوع يختلط بالخطأة، نندهش ونتساءل: لماذا اتّخذ هذا الخيار، هو قدّوس الله، ابن الله بدون خطيئة؟ نجد الإجابة في الكلمات الّتي وجّهها يسوع إلى يوحنّا: "دَعْني الآنَ وما أُريد، فهكذا يَحسُنُ بِنا أَن نُتِمَّ كُلَّ بِرّ". تتميم كلّ برّ: ما معنى هذا الأمر؟

بعماده، يكشف لنا يسوع عدالة وبرَّ الله الّذي جاء ليحمله إلى العالم. غالبًا ما تكون لدينا فكرة ضيّقة عن العدالة ونعتقد أنّها تعني: من يرتكب خطأ يدفع الثّمن وهكذا يرضي الخطأ الّذي ارتكبه. لكن عدالة الله، كما يعلّم الكتاب المقدّس، هي أعظم بكثير: وهدفها ليس إدانة المذنب، بل خلاصه وولادته الجديدة وتبريره. إنّها عدالة تنبع من الحبّ، من أحشاء الشّفقة والرّحمة الّتي هي قلب الله، الآب الّذي يتأثّر عندما يضطهدنا الشّرّ ونقع تحت وطأة الخطايا والضّعف. لذلك، فإنّ عدالة الله لا تريد أن توزّع العقوبات والقصاصات، ولكنّها، كما يؤكّد القدّيس بولس الرّسول، تقوم على تبريرنا نحن أبناءه، وتحريرنا من حبال الشّرّ، وشفائنا، وإنهاضنا مجدّدًا. عندها نفهم أنّ يسوع، على ضفاف نهر الأردنّ، يكشف لنا معنى رسالته: لقد جاء لكي يحقّق العدالة الإلهيّة، الّتي هي خلاص الخطأة؛ لقد جاء لكي يأخذ على كتفيه خطيئة العالم وينزل إلى مياه الهاوية والموت، لكي ينقذنا فلا نغرق. هو يُظهر لنا أنّ عدالة الله الحقيقيّة هي الرّحمة الّتي تُخلِّص، والمحبّة الّتي تشاركنا حالتنا البشريّة، وتقترب وتتضامن مع ألمنا، وتدخل في ظلامنا لتعيد إليه النّور.

لقد أكّد بنديكتوس السّادس عشر أنّ "الله أراد أن يُخلِّصنا بذهابه إلى أعماق هاوية الموت، لكي يتمكّن كلّ إنسان، حتّى الّذين سقطوا إلى درجة لم تعد تسمح لهم بروية السّماء، من أن يجد يد الله لكي يتشبّث بها، ويخرج من الظّلمة ليرى مجدّدًا النّور الّذي خُلق من أجله".

أيّها الإخوة والأخوات، نحن أيضًا، تلاميذ يسوع، مدعوّون لكي نمارس العدالة بهذه الطّريقة، في العلاقات مع الآخرين، في الكنيسة وفي المجتمع: ليس بقساوة الّذين يدينون ويحكمون ويقسِّمون الأشخاص إلى صالحين وأشرار، بل برحمة الّذين يقبلون ويشاركون في جراح وهشاشة الأخوات والإخوة لكي يرفعوهم. سأقولها على هذا النّحو: ليس بالتّقسيم، وإنّما بالمشاركة. لا تقسِّموا بل شاركوا. لنفعل مثل يسوع: لنشارك، ونحمل أعباء بعضنا البعض، ولننظر إلى بعضنا البعض بشفقة، ولنساعد بعضنا البعض. ولنسأل أنفسنا: هل أنا شخص يقسِّم أم يشارك؟ والآن لنرفع صلاتنا إلى العذراء مريم، الّتي ولدت يسوع، وجعلته يغوص في هشاشتنا لكي تكون لنا الحياة مجدّدًا".

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ حيّا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال: "هذا الصّباح، حسب العادة، عمّدت في كابلة السّكستين بعض الأطفال حديثي الولادة، أبناء موظّفي الكرسيّ الرّسوليّ ودولة حاضرة الفاتيكان. ولكن الآن، في عيد معموديّة الرّبّ، يسعدني أن تمتدَّ تحياتي وبركاتي إلى جميع الأطفال الّذين نالوا أو سينالون المعموديّة اليوم أو في هذه الفترة. وفي الوقت عينه أجدّد للجميع- ولي أوّلاً- الدّعوة للاحتفال بالتّاريخ الّذي نلنا فيه سرَّ العماد، أيّ الّذي أصبحنا فيه مسيحيّين. أسألكم: هل يعرف كلّ واحد منكم تاريخ معموديّته؟ بالتّأكيد البعض منكم لا يعرفه. اسألوا الوالدين والأقارب والعرّابين: ما هو تاريخ معموديّتي؟ ومن ثمَّ احتفلوا سنويًّا بهذا التّاريخ، لأنّه عيد ميلاد جديد، عيد ميلاد الإيمان. وهذه هي المهمّة اليوم لكلّ واحد منكم: ما هو تاريخ معموديّتي، لكي أتمكّن من الاحتفال به. هل فهمتم؟

والآن أوجّه تحيّاتي إليكم يا سكّان روما ويا أيّها الحجّاج. وأحيّي بشكل خاصّ جوقة "صوت الملائكة" من بيت لحم. أيّها الأصدقاء الأعزّاء، أشكركم من كلِّ قلبي لأنّكم تحملون مع أناشيدكم "عطر بيت لحم" وشهادة الجماعة المسيحيّة في الأرض المقدّسة. شكرًا لكم! نحن نصلّي من أجلكم ونحن قريبون منكم! أيّها الإخوة والأخوات، لا ننسينَّ أيضًا إخوتنا وأخواتنا الأوكرانيّين! إنّهم يعانون كثيرًا بسبب الحرب، ويحتفلون بعيد الميلاد هذا في الحرب، بدون أضواء وبدون دفء... إنّهم يعانون كثيرًا! لا ننسينَّهم من فضلكم! واليوم، إذ أرى العذراء مريم تحمل الطّفل في المغارة، أفكّر في أمّهات ضحايا الحرب، والجنود الّذين سقطوا في هذه الحرب في أوكرانيا. الأمّهات الأوكرانيّات والأمّهات الرّوسيّات: كلاهما قد فقدنَ أبناءهنَّ. هذا هو ثمن الحرب. لنصلِّ من أجل الأمّهات اللّواتي فقدن أبناءهنّ الجنود، أكانوا أوكرانيّين أو روسيّين".