الفاتيكان
10 تشرين الأول 2022, 06:30

البابا فرنسيس أعلن قداسة جوفاني باتيستا سكالابريني وأرتيميدي زاتّي

تيلي لوميار/ نورسات
أعلن البابا فرنسيس، صباح الأحد، الطّوباويّين جوفاني باتيستا سكالابريني وأرتيميدي زاتّي قدّيسين، وذلك خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه في ساحة القدّيس بطرس، سأل خلاله القدّيسين الجديدين "لكي نسير معًا بدون جدران فصل ونعزّز نبالة الرّوح الّتي ترضي الله والّتي هي الامتنان".

وفي تفاصيل عظته، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "بينما كان يسوع سائرًا، لَقِيَهُ عَشَرَةٌ مِنَ البُرص وهم يصرخون: "رُحماكَ". شُفي العشرة جميعًا، ولكنَّ واحدًا منهم فقط رجع لكي يشكر يسوع: كان سامريًّا، مهرطقًا نوعًا ما. في البداية ساروا معًا، ولكن الاختلاف بعد ذلك أحدثه ذلك السّامريّ الّذي رجع "وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ بِأَعَلى صَوتِهِ". لنتوقّف عند هذين الجانبين اللّذين يمكننا استخلاصهما من إنجيل اليوم: السّير معًا والشّكر.

أوّلاً السّير معًا. في بداية القصّة لا يوجد فرق بين السّامريّ والتّسعة الآخرين. نتحدّث ببساطة عن عشرة من البرص، الّذين يشكلون مجموعة فيما بينهم، وبدون انقسام، يذهبون للقاء يسوع. لم يكن البرص، كما نعلم، وباءً جسديًّا فقط- والّذي يجب علينا اليوم أيضًا أن نسعى لاستئصاله- ولكنّه كان أيضًا "مرضًا اجتماعيًّا"، لأنّه في ذلك الوقت كان على المصابين بالبرص البقاء خارج الجماعة خوفًا من العدوى. لذلك لم يكن بإمكانهم أن يدخلوا المراكز المأهولة، وكان يتمُّ إبقاؤهم على مسافة بعيدة، وعلى هامش الحياة الاجتماعيّة وحتّى الدّينيّة. بسيرهم معًا، يظهر هؤلاء البُرص صرختهم تجاه مجتمع يستبعدهم. ونلاحظ جيّدًا: السّامريّ، على الرّغم من اعتباره مهرطقًا، "أجنبيًّا"، يشكّل جماعة مع الآخرين. يؤدّي المرض والضّعف الشّائع إلى إزالة الحواجز والتّغلّب على أيّ استبعاد.

إنّها صورة جميلة لنا أيضًا: عندما نكون صادقين مع أنفسنا، نتذكّر أنّنا جميعًا مريضون في القلب، وأنّنا جميعًا خطأة، وجميعنا معوزون إلى رحمة الآب. عندها نتوقّف عن تقسيم أنفسنا على أساس الاستحقاقات، والأدوار الّتي نشغلها أو بعض الجوانب الخارجيّة الأخرى للحياة، وتسقط الجدران الدّاخليّة والأحكام المسبقة. وهكذا، في النّهاية، نكتشف أنفسنا مجدّدًا كأخوة. كذلك نعمان- ذكّرتنا القراءة الأولى-، على الرّغم من كونه غنيًّا وقويًّا، لكي يتعافى كان عليه أن ينغمس في النّهر الّذي كان يستحمّ فيه جميع الآخرين. ولكن أوّلاً، كان عليه أن يخلع درعه وملابسه: كم سيفيدنا أن نخلع درعنا الخارجيّ وحواجزنا الدّفاعيّة ونتواضع متذكّرين أنّنا جميعًا ضعفاء في الدّاخل وبحاجة إلى الشّفاء. جميعنا إخوة. لنتذكّر هذا الأمر: يطلب منّا الإيمان المسيحيّ دائمًا أن نسير مع الآخرين، وألّا نكون أبدًا مشاة منعزلين؛ هو يدعونا على الدّوام لكي نخرج من ذواتنا نحو الله ونحو الإخوة، وألّا ننغلق أبدًا على أنفسنا؛ كذلك يطلب منّا على الدّوام أن نعترف بأنّنا معوزين للشّفاء والمغفرة، وأن نشارك هشاشة الّذين هم في قربنا، دون أن نشعر بأنّنا أفضل منهم.

أيّها الإخوة والأخوات، لنتحقّق ممّا إذا كنّا في حياتنا وفي عائلاتنا وفي الأماكن الّتي نعمل فيها والّتي نتردّد إليها يوميًّا، قادرين على أن نسير مع الآخرين، ونصغي إليهم، ونتغلّب على تجربة الانغلاق في مرجعيّتنا الذّاتيّة والتّفكير فقط في احتياجاتنا. لكن السّير معًا- أيّ أن نكون "سينودسيّين"- هو أيضًا دعوة الكنيسة. لنسأل أنفسنا إذًا إلى أيّ مدى نحن جماعات منفتحة وإدماجيّة للجميع؛ إذا تمكّنّا من أن نعمل معًا، كهنة وعلمانيّين، في خدمة الإنجيل؛ إذا كان لدينا موقف مضياف- ليس بالكلمات وحسب وإنّما بتصرّفات ملموسة- تجاه البعيدين وتجاه جميع الّذين يقتربون منّا ويشعرون بعدم كفاءتهم بسبب مسارات حياتهم المضطربة. هل نجعلهم يشعرون بأنّهم جزء من الجماعة أم نستبعدهم؟ أخشى عندما أرى جماعات مسيحيّة تقسم العالم إلى صالحين وأشرار، قدّيسين وخطأة: بهذه الطّريقة ينتهي بنا الأمر بالشّعور بأنّنا أفضل من الآخرين ونبعد الكثيرين من الّذين يريد الله أن يعانقهم. من فضلكم أدمجوا على الدّوام: في الكنيسة كما في المجتمع، الّذي لا يزال مطبوعًا بالكثير من التّفاوتات والتّهميش.

الجانب الثّاني هو الشّكر. في مجموعة البرص العشرة، هناك واحد فقط، عندما رأى نفسه قد شُفي، رجع لكي يمجّد الله ويعبّر عن امتنانه ليسوع. لقد شُفي التّسعة الآخرون أيضًا، لكنّهم ذهبوا في طريقهم، متناسين الشّخص الّذي شفاهم. لكنَّ السّامريّ جعل من العطيّة الّتي نالها بداية مسيرة جديدة: رجع إلى الشّخص الّذي شفاه، وذهب لكي يتعرّف على يسوع عن كثب، ويبدأ علاقة معه. إنّ موقف الامتنان خاصّته ليس إذًا لفتة مجاملة بسيطة، وإنّما بداية مسار من الامتنان: سجد عند قدمي المسيح، أيّ أنّه قام بعمل عبادة: اعترف أنّ يسوع هو الرّبّ، وأنّه أكثر أهمّيّة من الشّفاء الّذي ناله.

إنّه درس عظيم لنا أيضًا، نحن الّذين نستفيد يوميًّا من عطايا الله، ولكنّنا غالبًا ما نسير في طريقنا الخاصّ متناسين أن ننمّي علاقة حيّة معه. إنّه مرض روحيّ قبيح: أن نأخذ كلّ شيء كأمر مسلّم به، حتّى الإيمان، وحتّى علاقتنا مع الله، لدرجة أن نصبح مسيحيّين ما عادوا يعرفون كيف يندهشون، وما عادوا يعرفون كيف يقولون "شكرًا"، ولا يبدون امتنانهم، ولا يعرفون أن يروا عجائب الرّبّ. وهكذا، ينتهي بنا الأمر بالتّفكير في أنّ كلّ ما نناله يوميًّا هو بديهيُّ وواجب. أمّا الامتنان، ومعرفة كيف نقول "شكرًا"، فيقودانا إلى تأكيد حضور الله- المحبّة. وكذلك إلى الاعتراف بأهمّيّة الآخرين، والتّغلّب على عدم الرّضا واللّامبالاة اللّذين يجعلان قلوبنا قبيحة. من الجوهريّ أن نعرف كيف نشكر. أن نشكر الرّبّ كلّ يوم، وأن نعرف كيف نشكر بعضنا البعض كلّ يوم: في العائلة، على تلك الأشياء الصّغيرة الّتي ننالها أحيانًا دون أن نسأل أنفسنا من أين أتت؛ في الأماكن الّتي نتردّد عليها كلّ يوم، على الخدمات العديدة الّتي نتمتّع بها وعلى الأشخاص الّذين يدعموننا؛ في جماعاتنا المسيحيّة، على محبّة الله الّتي نختبرها من خلال قرب الإخوة والأخوات الّذين غالبًا ما يصلّون في صمت ويقدّمون ويتألّمون ويسيرون معنا. من فضلكم لا ننسينَّ هذه الكلمة الأساسيّة: شكرًا!

يذكرنا القدّيسان اللّذان أُعلنت اليوم قداستهما بأهمّيّة السّير معًا ومعرفة كيفيّة تقديم الشّكر. لقد كان الأسقف سكالابريني، الّذي أسّس رهبانيّة لرعاية المهاجرين، يؤكِّد أنّه في المسيرة المشتركة للّذين يهاجرون، لا يجب علينا أن نرى المشاكل فحسب، وإنّما علينا أن نرى أيضًا مُخطّطًا للعناية الإلهيّة: "بسبب الهجرات القسريّة الّتي سبّبها الاضطهاد- قال- عبرت الكنيسة حدود القدس وإسرائيل وأصبحت "كاثوليكيّة"؛ وبفضل هجرات اليوم، ستكون الكنيسة أداة سلام وشركة بين الشّعوب". لقد كان سكالابريني ينظر إلى أبعد ويتطلّع إلى الأمام، نحو عالم وكنيسة بلا حواجز، وبدون غرباء. من جانبه، كان الأخ السّالزيانيّ أرتيميدي زاتي مثالًا حيًّا للامتنان: إذ شُفي من مرض السّلّ، كرَّس حياته كلّها لكي يعوِّض للآخرين، ويعتني بالمرضى بمحبّة وحنان. ويقال إنّهم قد رأوه يحمل جثّة أحد مرضاه على كتفيه. وإذ كان مليئًا بالامتنان لما ناله، أراد أن يقدّم شكره من خلال أخذه لجراح الآخرين على عاتقه.  

لنصلِّ لكي يساعدنا أخوانا القدّيسان لكي نسير معًا بدون جدران فصل ونعزّز نبالة الرّوح الّتي ترضي الله والّتي هي الامتنان".