الفاتيكان
24 نيسان 2019, 13:29

البابا فرنسيس: أثمن ما نلناه هو المغفرة!

تابع البابا فرنسيس تأمّله بصلاة الأبانا، خلال المقابلة العامّة في ساحة القدّيس بطرس، متوقّفًا عند عبارة "فَقَد أَعْفَينا نَحنُ أَيضاً مَن لنا عَلَيه" (متّى 6، 12)، قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز":

 

"لقد رأينا أنّ الإنسان هو مديون أمام الله: منه نلنا كلّ شيء على صعيد الطّبيعة والنّعمة. فهو لم يُرد لنا الحياة وحسب ولكنّه أحبّها أيضًا، وبالتّالي ليس هناك مجال للغرور عندما نجمع أيدينا للصّلاة. إذ لا يوجد في الكنيسة أشخاص صنعوا أنفسهم بأنفسهم: جميعنا مديونون لله وللعديد من الأشخاص الّذين قدّموا لنا أوضاع حياة ملائمة. إنّ هويّتنا تُبنى انطلاقًا من الخير الّذي نلناه؛ والأوّل هو الحياة.

إنّ الّذي يصلّي يتعلّم أن يقول "شكرًا"؛ وغالبًا ما ننسى أن نشكر لأنّنا أنانيّون! إنَّ الّذي يصلّي يتعلّم أن يشكر وأن يطلب من الله أن يكون محبًّا معه. لكن بقدر ما نجتهد يبقى هناك دين كبير أمام الله لا يمكننا تسديده: هو يحبّنا بشكل لا يعرف الحدود وأكثر ممّا نحبّه. ومن ثمّ بقدر ما نلتزم لنعيش بحسب التّعاليم المسيحيّة سيكون هناك على الدّوام شيء في حياتنا ينبغي علينا أن نطلب المغفرة عليه: لنفكّر بالأيّام الّتي أمضيناها بالكسل، والأوقات الّتي ملء الحقد فيها قلبنا... إنّها للأسف خبرات غير نادرة تجعلنا نتوسّل قائلين: "أَعفِنا مِمَّا علَينا".

إنّ فكّرنا جيّدًا كان من الممكن أن يُحدَّ الطّلب بهذا الجزء الأوّل، لكن يسوع يدمجه بعبارة تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من الأولى. إنّ علاقة المحبّة العاموديّة تجاه الله تنعكس وتُدعى لتُترجم إلى علاقة جديدة نعيشها مع إخوتنا. إنَّ الله الصّالح يدعونا لنكون جميعًا صالحين. ولذلك يُربط الجزءان من الطّلب بأداة وصل قاسية، إذ نطلب من الرّبّ أن يغفر خطايانا "كما" نحن نغفر لأصدقائنا والأشخاص الّذين يعيشون معنا وجيراننا والأشخاص الّذين سبّبوا لنا الأذى. كلّ مسيحيّ يعرف أنّ هناك مغفرة للخطايا؛ إنّه أمر نعرفه جميعًا: الله يغفر كلَّ شيء وعلى الدّوام. عندما أخبر يسوع تلاميذه عن وجه الله، رسمه لهم من خلال عبارات مفعمة بالرّحمة والحنان، ويقول لهم إنّه يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ أَكثَرَ مِنه بِتِسعَةٍ وتِسعينَ مِنَ الأَبرارِ لا يَحتاجونَ إِلى التَّوبَة. لا شيء في الأناجيل يجعلنا نشكُّ أنَّ الله لا يغفر خطايا من هو مُستعدٌّ ويطلب بأن يُعانق من جديد.

لكن نعمة الله الوافرة تلزمنا على الدّوام. من نال الكثير عليه أن يتعلّم أن يعطي الكثير. ليس من باب الصّدفة أن يتوقّف إنجيل القدّيس متّى، بعد أن قدّم لنا نصّ "صلاة الأبانا"، ويشدّد على عبارة المغفرة الأخويّة: "فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغفِر لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغفِر لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم". نجد هنا الرّابط بين محبّة الله ومحبّة القريب. الحبّ يولّد الحبّ والمغفرة تولِّد المغفرة. كذلك في إنجيل القدّيس متّى نجد أيضًا مثلاً عميقًا مخصّصًا للمغفرة الأخويّة (راجع متّى 18، 21- 35). لنصغِ إلى هذا المثل: كان لعبد دين كبير لملكه: عَشَرةُ آلافِ وَزْنَة! مبلغ يستحيل عليه تأديته. ولكن حصلت المعجزة: لم يحصل ذلك العبد على تأجيل للدّفع وإنّما على الإعفاء الكامل. نعمة غير متوقّعة! ولكن ما إن خرج ذلك العبد حتّى لَقِيَ خادِمًا مِن أَصحابِه مَدِينًا له بِمِائةِ دِينار. فأَخَذَ بِعُنُقِه يَخنُقُه ولم يقبل منه أيّ عذر أو أيّ توسُّل. لذلك دعاه الملك في النّهاية وحكم عليه. وبالتّالي فإن لم تجتهد لتغفر لن يُغفر لك؛ وإن لم تجتهد لتُحبّ فلن تُحَبّ.

يدخل يسوع في العلاقات البشريّة قوّة المغفرة، إذ ليس كلُّ شيء في الحياة يجد حلّه بالعدالة. ولاسيّما حيث ينبغي أن يوضع حدٌّ للشّرّ ينبغي على أحدهم أن يُحبَّ أكثر من الواجب لكي يبدأ مجدّدًا قصّة نعمة. إنَّ الشّرّ يعرف الانتقام وإن لم نوقفه نخاطر بأن يمتدَّ ويخنق العالم بأسره. ويسوع يستبدل شريعة الثّأر- ما فعلته لي أعيده لك- بشريعة المحبّة: ما فعله الله لي أعيده لك! ليفكّر كلٌّ منّا اليوم في أسبوع الفصح هذا إن كان قادرًا على المغفرة، وإن لم أشعر بأنّني قادر على ذلك، عليَّ أن أطلب من الرّبّ أن يمنحني نعمة المغفرة للآخرين، لأنّها نعمة.

إنّ الله يعطي لكلّ مسيحيّ نعمة أن يكتب تاريخ خير في حياة إخوته، لاسيّما أولئك الّذين ارتكبوا أمرًا سيّئًا وخاطئًا. بواسطة كلمة أو عناق أو ابتسامة يمكننا أن ننقل للآخرين أثمن ما نلناه، وما هو أثمن ما نلناه؟ المغفرة!".