دينيّة
29 حزيران 2016, 10:21

البابا بنديكتوس... 65 سنة كاهناً

ريتا كرم
جوزيف راتزينغر ألمانيّ من مواليد 1927. يتحدّر من عائلة متواضعة تزواجت فيها رصانة الوالد الضّابط في الشّرطة الألمانيّة ومهارة الوالدة الّتي كانت تعمل طاهية في فنادق عدّة قبل زواجها. تلقّى راتزينغر في طفولته ومراهقته تربية مسيحيّة إنسانيّة وثقافيّة مميّزة، نما في قلبه عشق للموسيقى فكبر متأثراً بموزار.

 

في شبابه تفتّحت عيناه على قساوة النّظام النّازيّ المعادي للكنيسة الكاثوليكيّة، غير أنّ ذلك لم يمنعه من اكتشاف جوهر الإيمان بالمسيح وروعته والمحبّة والرّجاء المنبثقان منه، فتسلّح به وتحمّل تحدّيات التّطوّع القسريّ في أجهزة الدّفاع الجوّيّ، في نهاية الحرب العالميّة الثانية. على الأثر، انبثق نور باهر قاده إلى فصل جديد ومثمر في حياته. فصدح في قلبه ميل للّاهوت والفلسفة اللّذين توسّع في دراستهما في معهد فرايزينغ العالي وفي جامعة ميونيخ بين العامي 1946 و1951، فتخرّج وسيمَ كاهناً وشقّ دربه في هذا الحقل مصقلاً إيّاه برسالة ثانية لا تقلّ شأناً عن الأولى، ألا وهي التعليم وتوّج ثقافته بدكتوراه في اللّاهوت.

في أيار 1977، أصبح "شريك الحقيقة" بسيامته الأسقفيّة على ميونيخ وفرايزينغ، وكاردينالاً في الشّهر التّالي. انتدبه الكرسيّ الرّسوليّ مراراً ليمثّل بابا روما في مجامع وسينودوسات عديدة، عيّنه البابا يوحنّا بولس الثّاني في 25  تشرين الثاني/نوفمبر عام 1981، رئيساً لمجمع العقيدة والإيمان وللّجنة البيبليّة البابويّة وللّجنة اللّاهوتيّة الدّوليّة مستقيلاً بذلك من مهامه الرّعائيّة كرئيس لأساقفة ميونيخ وفرايزينغ، كما ورأس اللّجنة التي أعّدت التّعليم الدّينيّ في الكنيسة الكاثوليكيّة وانتخب نائباً لرئيس مجمع الكرادلة عام 1988 ليصبح عميده سنة 2002.

أوكلت إلى راتزينغر مهام عدّة داخل الكوريا الرّومانيّة فكان عضواً في مجلس الكرادلة والأساقفة في أمانة سرّ دولة الفاتيكان، وفي مجامع عدّة داخل الكرسيّ الرّسوليّ.

هذا الخادم الأمين الّذي وضع حياته بين يدي الرّب موكلاً إليه كلّ مهامه، وقع عليه الاختيار بإلهام مقدّس في 19 نيسان 2005، ليتولّى سدّة البابويّة ويكمل مسيرة الرّاحل يوحنّا بولس الثّاني بعد مصافحة وداعيّة حارّة مكلّلة ببركة السّلف فيصبح بذلك جوزيف راتزينغر البابا بنديكتوس السادس عشر البابا الأكثر نفوذاً في كلّ الأزمنة، رجل الحوار والمسكونيّة، رجل السّلام والرّجاء، رجل الله في الأزمنة الصّعبة.

وبعد ثماني سنوات في الخدمة الحبريّة أغناها بالمآثر والإنجازات، تنحّى صار بابا فخريّاً مرجعاً للكنيسة الكاثوليكيّة الّتي تحيي اليوم الذّكرى الخامسة والسّتّين لكاهن برز خلال مسيرته كرجل صريح صراحة الوكيل، متكلّم ببساطة العارف، وأمين على الوديعة المقدّسة، معلّم شجاع يحبّ المخاطرة كلّها من أجل خير الكنيسة.