الفاتيكان
29 أيار 2018, 14:00

البابا: بدون حريّة لا يمكننا أن نصبح قدّيسين

شجّع البابا فرنسيس المؤمنين اليوم في قدّاسه الصّباحيّ على الثّبات في القداسة بالرّغم من كلّ الصّعاب والمحن، منطلقًا من رسالة القدّيس بطرس الّتي يدعو من خلالها الرّسول إلى السّير في القداسة وقال بحسب "إذاعة الفاتيكان":

 

"إن الدّعوة إلى القداسة هي الدّعوة الطّبيعيّة، إنّها الدّعوة لنعيش كمسيحيّين، وبالتّالي فالعيش كمسيحيّ يوازي العيش كقدّيس. غالبًا ما نفكّر بالقداسة على أنّها أمر فائق الطّبيعة يرتبط برؤى وصلوات سامية... وهناك من يعتقد أنّ القداسة هي التّظاهر بالتّقوى... لا! القداسة هي أمر مختلف تمامًا. إنّها أن نسير بحسب ما يقوله لنا الرّبّ. وما هو السّير على درب القداسة؟ يقوله لنا القدّيس بطرس: "اجعَلوا كُلَّ رَجائِكُم في النِّعمَةِ الَّتي تَأتيكُم يَومَ ظُهورِ يَسوعَ في المَجد".

تقوم المسيرة نحو القداسة إذًا على المسيرة نحو النّعمة الّتي تأتي للقائنا، المسيرة نحو الرّجاء وأن نكون في توق للقاء يسوع المسيح. تمامًا كالمسيرة نحو النّور: غالبًا ما لا نرى الدّرب جيّدًا لأنَّ النّور يُبهرنا، ولكنّنا لا نُخطئ لأنّنا نرى النّور ونعرف الدّرب. ولكن عندما نسير فيما يكون النّور وراءنا، نرى الدّرب جيّدًا ولكنّنا نرى في الواقع أمامنا الظّلال فقط. لكي نسير نحو القداسة من الأهمّيّة بمكان أن نكون أحرارًا ونشعر بأنّنا أحرار أيضًا، ولكن هناك العديد من الأمور الّتي تستعبد، لذلك يحثّ القدّيس بطرس المؤمنين لكي لا يتشبّهوا بروح العالم قائلاً: "لا تَستَسلِموا إِلى ما سَلَفَ مِن شَهَواتِكُم في أَيّامِ جاهِلِيَّتِكُم"، أو كما يكتب القدّيس بولس الرّسول في رسالته إلى أهل روما "لا تَتشَبَّهُوا بِهذِه الدُّنيا" أيّ لا تدخلوا في أساليب العالم.

هذه هي التّرجمة الصّحيحة لهذه النّصيحة– أيّ لا تدخلوا في أسلوب هذا العالم في التّفكير وأسلوبه في الحكم لأنّ هذا الأمر يحرمكم من حرّيّتكم، ولكي نسير على درب القداسة يجب أن نكون أحرارًا، نتمتّع بحريّة السّير بالنّظر إلى النّور والسّير إلى الأمام. ولكن إن عدنا إلى أسلوب عيشنا السّابق قبل اللّقاء بيسوع المسيح وإلى أساليب العالم نفقد حريّتنا. في الواقع نرى في سفر الخروج كيف لم يرد شعب الله أن ينظر إلى الأمام، نحو الخلاص بل فضّل العودة إلى الوراء، وكان يتذمّر متذكّرًا جمال الحياة في مصر حيث كان يأكل البصل واللّحم. عند الصّعوبات كان الشّعب يعود إلى الوراء ويفقد الحرّيّة، لأنّ المأكولات اللّذيذة الّتي كان يأكلها كانت تقدّم له على مائدة العبوديّة.

نحن أيضًا عند المحن نعيش تجربة النّظر إلى الوراء وإلى أساليب العالم وتلك الّتي كنّا نعتمدها قبل أن نبدأ مسيرة الخلاص: بدون حرّيّة، وبدون حرّيّة لا يمكننا أن نصبح قدّيسين. الحرّيّة هي شرط أساسيّ لكي نتمكّن من السّير قدمًا ناظرين إلى النّور. وبالتّالي لا يجب أن ندخل في أساليب العالم بل أن نسير قدمًا ناظرين إلى النّور الّذي هو الوعد أيّ بالرّجاء، تمامًا كما كان الأمر بالنّسبة لشعب الله في الصّحراء الّذي وعندما كان يحنُّ للمآكل الشّهيّة في مصر كان ينسى أنه لم يكن حرًّا آنذاك.

إنَّ الرّبّ يدعونا لعيش القداسة اليوميّة.  وهناك معياران لنعرف إن كنّا نسير نحو القداسة: الأوّل إن كنّا ننظر إلى نور الرّبّ في رجاء اللّقاء به ومن ثمّ عندما تأتي المحن إن كنّا ننظر إلى الأمام بدون أن نفقد حرّيّتنا ونختبئ في أساليب العالم الّتي تعدك بكلِّ شيء ولا تعطيك شيئًا. "كَما أَنَّ الَّذي دَعاكُم هَو قُدّوس، فَكَذَلِكَ كونوا أَنتُم قِدّيسينَ في سيرَتِكُم كُلِّها" هذه هي وصيّة الرّبّ، وحثَّ المؤمنين في هذا السّياق على طلب نعمة أن يفهموا جيّدًا مسيرة القداسة كدرب حرّيّة في توق رجاء نحو اللّقاء بيسوع".