الإنسان كائن جائع إلى الله وظمئ إلى الحبّ والمعنى
*آدم والسّأم
آدم أصابه الضّجر والسّأم من عدم وجود آخر يعطي لحياته معنى ينظر إليه ويحبّه.
ورأى الله ضجر آدم وسأمه في وحدته وعزلته نعاسًا وثباتًا وعندما نام آدم استلّ الله ضلعًا من ضلوعه وجبل حوّاء ووضعها قربه لأنّ الكتاب يقول ليس بحسن أن يكون الإنسان وحيدًا. وإستيقظ آدم وأخذته الدّهشة لمّا رأى حواء بقربه فصرخ قائلاً: يا الله هذه هي، وزال عنه السّأم.
*الإنسان كائن جائع
الإنسان كائن جائع من بنيته الأساسيّة أو شخصيّته الوجوديّة: الجوع. يجوع إلى كلّ شيء، جسده يجوع إلى الخبز، قلبه إلى الحبّ، جسده إلى الصّحّة والعافية والشّفاء من المرض، عيناه إلى الجمال، أذناه إلى النّغم والصّوت، شفتاه إلى الكلام والقبل، يداه إلى العمل والإبداع، قدماه إلى السّير إلى عالم آخر أو إلى لقاء الآخر. يموت من العطش والظّمأ من الشّوق إلى آخر وإلى الله. يقول المزمور كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله.
*الاخر يملأ الغربة
هذا الآخر المطلق يملأ غربة الشّاعر ووحدته أو النّاسك أو المبدع أو الفنّان. شربل لم يكن وحيدًا في محبسته وصومعته في عنّايا كان الله يملأ هذه الوحدة. هذا الحضور للآخر الأزليّ المطلق اللّهو الّذي يحتاج إليه عقلنا وقلبنا وكياننا ليصير لنا معنى أو الحضور للآخر الإنسان ولعلاقتنا له، هو ما يتوق إليه عقلنا وقلبنا ووجودنا ليملأ الفرح والسّعادة قلبنا ووجودنا.
*نحن وجدان آخر
لذا يقول هوسرل دكيلسون الوجدان هو وجدان دائم لآخر، لأنّه لا وجدان منغلقًا على ذاته أو على نفسه بل هو رحيل أو ذهاب لغز دائم لآخر كما يقول sartie، هذه الغائبة هي الانجذاب الدّائم إلى الآخر لا توجد معه في الحبّ واخرج من الانعدام كما يقول موريس نودونسل.
*الأرق الوجوديّ
هذا الأرق الوجوديّ للقاء بالحبيب الأزليّ عاشه المتصوّفون والنّسّاك والحبساء والمتصومعون في وحدتهم وغربتهم وشوقهم وتوقهم إلى اللّقاء بالحبيب الأزليّ الكائن الوحيد المطلق. وعاشه العشّاق توقًا يذوب كالشّمع للقاء معشوقهم وموضوع نار حبهم حتّى فنيت أجسادهم من هذا النّار وهذا الانتظار، وذابت أجسادهم وصارت خيالاً لسحر نار .
*التّطهّر من الجسد
هذا الجسد سجن الرّوح أو النّفس كما يقول أفلاطون، ولا تنجو النّفس منه إلّا بالموت عندما تتركه وتعبر إلى شمس الحقيقة، بعد أن تكون قامت بعمليّة تطهيريّة، فتنقّت وصعدت من قعر الكهف، كما في ميتة الكهف عند أفلاطون، إلى لقاء شمس الحقيقة ونورها البهيّ المشعّ بالسّناء والضّياع.
*الصّعود إلى القمّة
هذا هو الصّعود الّذي يتكلّم عنه تيّار دو شارادان أو التّراقي للوصول إلى القمّة من نقطة لقاء ألفا إلى أوميغا واكتمال الذّات. أمّا الانحدار فهو تفكّك للذّات وانهيار. البغض انحدار، الكره انحدار، الحقد والحسد والغيرة انحدار. وحده الحبّ هو صعود إلى الكمال والاكتمال والتّألّه كما يقول يوحنّا فم الذّهب: DIVINISATION لأنّ الله محبّة هو، وخير وعطاء وسلام وجمال. هذا هو الظّمأ الوجوديّ الحقيقيّ للكائن البشريّ. أمّا الباقي فهو لهوٌ وضياع وفراغ.
وأنا أصلّي وأقول: لا يعطي لقلبي هدوءًا أحد سواك يا الله. وأنا أردّد ما قاله القدّيس أغسطينوس: خلقت قلبنا لك يا الله ولا يزال قلقًا مضطربًا حتّى يرتاح فيك. أنت يا الله من يعطي السّكينة لقلبي ووجودي لأنّك أنت غايتي ومبتغاي ولن يروي عطشي وظمئي الوجوديّ إلّا أنت. لأنّي أنا في غربة دائمة عن ذاتي وعمّن حولي، وأقول ما قاله بودلير: في أيّ مكان لكن خارج هذا العالم.
في النّهاية ليس لحياتي ولا لدربي ولا لوجودي صديق، وليس لي "رفيق سواك يا الله" كما كتب صديقي الموسنيور منصور لبكي. وأنا صديقي ورفيقي ومخلّصي وفادي هو يسوع المسيح الّذي تألّم وصلب ومات وقبر وقام لأجلي.