أوروبا
31 تشرين الأول 2019, 07:30

الأمينة العامّة لمجلس كنائس الشّرق الأوسط: لمناهضة كلّ خطابٍ يتنافى ومبادئ الأخوّة الإنسانيّة وروح الإنجيل وقيم الديانات

شارك مجلس كنائس الشّرق الأوسط في منصّة الحوار والتّعاون بين القيادات والمؤسّسات الدّينيّة المتنوّعة في العالم العربيّ المنعقدة في كايسيد فيينا- النّمسا، والّتي تناولت دور القيادات الدّينيّة والعالم وصنّاع السّياسات في مناهضة خطاب الكراهيّة وتعزيز التّعايش السّلميّ.

وكانت للمناسبة كلمة للأمينة العامّة لمجلس كنائس الشّرق الأوسط ثريّا بشعلاني قالت فيها:
"يسرّ مجلس كنائس الشّرق الأوسط، هذه الرّابطة الأخويّة التي تضمّ كنائس الشّرق الأوسط التاريخيّة بعائلاتها الأربع: الإنجيليّة والأرثوذكسيّة الشرقيّة والأرثوذكسيّة البيزنطيّة والكاثوليكيّة، أن يكون عضوًا شريكًا في هذه المنصّة لاعتقاده الثّابت بصوابيّة وضرورة الاستعجال بمناهضة خطاب الكراهيّة ومواجهته بالوسائل المدروسة والناجعة من أجل تحقيق هناءة الإنسان في مجتمعٍ سلميٍّ متنوّعٍ ومتصالحٍ مع الاختلافات، ومنفتحٍ على كنوز التّمايز الدّينيّ، والاجتماعيّ، والسّياسيّ، والعرقيّ، واللّغويّ... ولكنّ المجلس معتقدٌ اعتقادًا ثابتًا أيضًا بالدّور الّذي يتوجّب على أتباع الدّيانات على تنوّعها أن يقوموا به في خضمّ المرحلة الحاضرة الدّقيقة من تاريخ الإنسانيّة الّتي يمرّ بها عالم اليوم، ولاسيّما في منطقة الشّرق الأوسط. ولا بدّ لهم، إذا هم أرادوا البلوغ إلى هذه الغاية، من أن يتكاتفوا ويتعاونوا ويتّحدوا ويسعوا بشتّى الوسائل السلميّة المتاحة لمواجهة هذه المعضلة. لذلك يتوجّب عليهم أوّلاً الاعتراف بلجوئهم عبر التاريخ إلى شرح بعض النّصوص الدينيّة شرحًا يبرّر العنف ضدّ الآخر ويصوّره وكأنّه دفاعٌ عن مقدّسات الدّيانات والنظم الدينيّة، وبل في بعض الأحيان عن الله تعالى عزّ وجلّ نفسِه. وينبغي عليهم كذلك أن ينشئوا منظوماتٍ فكريّة إيجابيّة من خلال تنشئة رجال الدين تنشئةً منفتحة على التنوّع المتمايز وعلى الانفتاح على الآخر، ومن خلال إعداد كتب ووسائل للتعليم الدينيّ تناسب التوجيه الصحيح، ومن خلال الاستخدام الملائم لوسائل التواصل الاجتماعيّ استخدامًا بنّاءً للمجتمع السليم، لا استخدامًا يبثّ سموم الانغلاق والتطرّف ومعاداة الآخر المختلِف... ولا بدّ كذلك من الاعتماد على الشباب في بثّ روح التفاهم الأخويّ وروح المصالحة والتعاون والتكافل المجتمعيّ من خلال برامج خاصّة ومختصّة تجمع شبّانًا وشابّاتٍ من آفاقٍ دينيّة وحضاريّة وعرقيّة ولغويّة مختلفة للتربية على العيش معًا وبناء الإنسانيّة. أمّا الوسيلة الأنجع لمناهضة خطاب الكراهيّة فيتمثّل برأي المجلس في السعي إلى ممارسة المواطنة ممارسةً نظيفة وصحيحة في التساوي بالحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بغضّ النظر عن الدّين والعرق والطائفة واللّون واللّغة... ومثل هذه المواطنة هي بلا شكّ حاضنة لشتّى أشكال التنوّع والتمايز والاختلاف المشروع ولاسيّما التنوّع الدينيّ. ولا ريب في أنّ هذه الحاجة ماسّة في الشرق الأوسط وفي بلداننا وكنائسنا، حيث نرجو الخروج بأسرع وقتٍ من لغة الأكثريّات والأقلّيّات، ومن لغة التكفير المتبادل، واستخدام العنف بشتّى أنواعه في سيبل الغلبة على الآخر الشريك في الوطن والمجتمع.
إنّ وعي مجلس الكنائس بأعضائه من الكنائس، وبدوائره المختلفة وأقسامه للتحدّيات الكبرى في مسألة مناهضة خطاب الكراهية وسعي هذا المجلس الدؤوب منذ تأسيسه سنة 1974 في نشر روح الحوار والأخوّة والانفتاح جعلاه من المنصّات الشّرق أوسطيّة الأولى في الدفاع عن القضايا الكبرى، ولاسيّما القضيّة الفلسطينيّة، وفي الدعوة إلى السلام العادل والشامل في المنطقة، وفي نشر نهج الحوار والتلاقي والتعايش على الصّعد كافّةً: الأكاديميّة والتربويّة والاجتماعيّة والإعلاميّة من خلال وضع كلّ إمكاناته واتّصالاته وكفاءاته في خدمة الإنسان أوّلاً بعيدًا من كلّ تمييزٍ. فطالما عمل المجلس على إقرار المبادئ التي جاء ذكرها في المقطع السابق، وعلى نشرها وتطبيقها على أرض الواقع مع جميع الشركاء. وهو يبذل جهدًا خاصًّا في أيّامنا الحاضرة ليجمع الخبراء في المجالات والاختصاصات على أنواعها، ليقدّم نصًّا حول المعنى اللّاهوتيّ للحضور المسيحيّ في الشرق وصياغة ميثاقٍ كنسيّ عالميّ بالشراكة مع أبناء الديانات الأخرى والشركاء الداعمين من دول العالم، يكون خارطة طريقٍ جديدة تستند إلى خبرة أكثر من خمسة عشر قرنًا من العيش المشترك في هذه المنطقة من العالم. ولا بدّ من التأكيد في هذا المجال على وجوب قراءة الماضي وتنقية الذاكرة الجماعيّة بروح الصدق والأمانة التاريخيّة والإنسانيّة للخروح بدروسٍ وعبرٍ ونماذج قد تفيد الإنسانيّة في جهدها المتواصل بمناهضة خطاب الكراهيّة وبناء مجتمعٍ سلميٍّ سليم يعيش فيه الجميع بهناءةٍ ورغدٍ وتوافقٍ وأخوّةٍ بعيدًا من الإقصاء والتكفير والاستعلاء. هذه هي الروح التي يعيش بهديها مجلس كنائس الشّرق الأوسط وينشرها من خلال دوائره وبرامجه وأنشطته، ولاسيّما في أوقات المحن والكوارث والعنف والحروب وكم هي كثيرةٌ في شرقنا. وهو يفخر بالتعاون في سبيل تحقيق هذه الأهداف السامية مع جميع شركائه الّذين يسعون سعيه ويؤمنون بقضايا الإنسان الكبرى، من مثل مؤسّسة كايسيد العنوان الرسميّ.
فيما يعبّر مجلس كنائس الشّرق الأوسط عن فخره والتزامه بالشّراكة مع هذه المؤسّسة العريقة، يعد بوضع جميع إمكاناته ووسائله في خدمة هذه القضيّة النبيلة: مناهضة خطاب الكراهية وبناء مجتمعٍ سلميٍّ يقوم على المواطنة الحقيقيّة التي تحترم أتباع الدّيانات، وتمايز الحضارات والأعراق واللّغات... إنّ التزام مجلس الكنائس هو التزام كنائس المنطقة ومؤمنيها وشركائهم بالسّعي الحثيث إلى مناهضة كلّ خطابٍ يتنافى ومبادئ الأخوّة الإنسانيّة وروح الإنجيل وقيم الديانات على تنوّعها وبتسطير تاريخٍ مشترك من العيش معًا والتضامن الإنسانيّ والاحترام المتبادل وصون الإنسان، كلّ إنسان."

 

المصدر: MECC - The Middle East Council of Churches