لبنان
29 نيسان 2020, 10:20

الأب يوسف نصر: الكلمة الأخيرة ليست للموت بل للحياة

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل الأب يوسف نصر بالقدّاس الإلهيّ أمس الثّلاثاء، في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- زحلة، وألقى عظة استهلّها بمعايدة راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع المطران عصام يوحنّا درويش وكهنتها ومؤمنيها، ثمّ قال:

"الغريب في كلّ ما يجري في هذه الأيّام أنّه كما كان سيمون، الّذي سمعنا حادثة ارتداده في الرّسالة، "يسحر ويدهش شعب السّامرة مدّعيًا أنّه شخص عظيم. وهم يصغون له جميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم قائلين: هذا هو قوّة الله الّتي تدعى عظيمة"، كذلك العالم اليوم يعيش حالة استغراب واندهاش ممّا حصل به بغتة: فيروس صغير غير مرئيّ بالعين المجرّدة تشنّ حربًا كونيّة على الإنسان وتصيب أكثر من ثلاثة ملايين شخصًا وتقتل حوالي مئتي ألف شخص وتخلق أزمة هستيريّة لم يمرّ مثلُها منذ أكثرمن قرن. فبالإضافة إلى التّداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّربويّة والنّفسيّة والسّياسيّة الّتي خلّفتها، إنّها تضع الإنسان في مواجهة شرسة مع حتميّة الموت والمرض والألم والقلق على المصير. وكان النّاس قد نسوا الموت في غمرة انشغالاتهم بهموم الحياة وبركضهم المحموم وراء معيشتهم وبانجرافهم القويّ إلى الأفكار الإلحاديّة من مادّيّة وعبثيّة ولاأدريّة وغيرها. ففي برهة من الزّمن انقلبت الأمور رأسًا على عقب وشعر الإنسان أنّه ضعيف هزيل وسريع العطب ومستباح.
لكن خبرة أهل السّامرة في الرّسالة الّتي تليت على مسامعنا تعطينا عبرة وجوابًا على تساؤلاتنا وقلقنا.
فكرازة فيلبّس بالمسيح القائم من بين الأموات وإصغاء الجموع له بقلب واحد ومعاينتهم للآيات الّتي كان يصنعها جعلت أهل السّامرة يؤمنون "ببشارة ملكوت الله واسم يسوع". وهذا الإيمان أحدث تغييرًا جذريًّا في نمط حياتهم. فأخذوا يعتمدون رجالاً ونساء و"كان في تلك المدينة فرح عظيم". إنّ الإيمان بالمسيح جعل السّامريّين يستعيدون رشدهم ويعودون إلى بصيرتهم ويدركون أنّ سحر سيمون الّذي كان يخلبهم ليس إلّا هشاشة ووهم وهباء وأيقنوا أنّ الحقيقة تكمن في قوّة الإيمان بملكوت الله واسم يسوع المسيح. هذا الإدراك جعلهم يتخطّون السّحر والاندهاش ويشعرون بفرح الإيمان. إنّ خبرة أهل السّامرة تثبت لنا أنّ قوّة الإيمان تعطي الحياة وتجدّد الأمل وتقضي على الخوف والذّعر وتبعث الفرح والرّجاء، إنّ الكلمة الأخيرة ليست للموت بل للحياة، ليسوع المسيح الّذي هو القيامة والحياة. فالموت مهما قويت شوكته، مصيره الهزيمة والانحلال.
وكلام المسيح لنا في إنجيل اليوم يصوّب نظرنا نحو الأهمّ في هذه الحياة.
فالرّبّ يسوع يوجّه الدّعوة للنّاس أن "اعملوا لا للطّعام الفاني بل للطّعام الباقي للحياة الأبديّة". هذه الدّعوة تلتقي مع دعوة الرّبّ لنا في إنجيل متّى أن "اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ" (مت 6: 20). لقد برهنت لنا الأزمات الاقتصاديّة المتعاقبة وبخاصّة الأخيرة منها أنّ المال مجرّد رقم أو ورق، قد يتبخّر أو يفقد قيمته ويختفي في برهة من الزّمن لا يدركها الإنسان. فيضيع عندها أمل من وضع رجاءه به أو من وقع تحت شركه وانجرّ لتجربة عبادته ويسمع صوت الرّبّ يقول له: يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟" (لو 12: 20).
فلنستخلص إذًا العبر من مجريات الأمور الحياتيّة ومن ما حصل مع أهل السّامرة ومن كلام الرّبّ في الإنجيل.
فبالرّغم من الأزمات المتلاحقة الّتي تحلّ بنا، نحن مدعوّون، وبحسب إنجيل اليوم، أن نعمل أعمال الله، يعني أن نؤمن بيسوع المسيح وبالّذي أرسله أيّ "الآب الّذي يعطي الخبز الحقيقيّ من السّماء. لأنّ خبز الله هو النّازل من السّماء والواهب الحياة". نحن مدعوّون أن نقتات ونغتذي أوّلاً من خبز الحياة الّذي يعطينا حياة أبديّة، أن نجدّد إيماننا بالله الّذي خلق العالم حسنًا جميلاً ولن يقبل أن يراه مشوّهًا، راكنًا تحت سلطة إبليس وكلِّ قوّاته. إنّ الله خلق الإنسان على صورته ومثاله ولن يقبل أن يكون مصيرُه الموت والهلاك. فلنتذكّر قول الرّبّ في إنجيل يوحنّا: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16).
وأخيرًا رجاؤنا أنّ هذه الأيام الصّعبة ستنقضي مهما طالت وأنّنا سنعود ونحيي احتفالاتنا اللّيتورجيّة مع شعبنا في كنائسنا وأنّنا سنستعيد حياتنا الطّبيعيّة وستعود المياه إلى مجاريها ولكن يبقى المهمّ أن نكون قد استخلصنا العبر من ما حصل لئلّا تتكرّر الكارثة ويكون آخرُها أشدّ شرًّا من أوّلِها!".