لبنان
20 كانون الثاني 2020, 12:15

الأب يوسف مونّس: أنذر الطّاعة والعفّة والفقر حتّى الممات

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة عيد القدّيس أنطونيوس الكبير وتجديد الرّهبان نذورهم في هذه المناسبة، غاص الأب يوسف مونّس في أهمّيّة هذا الأمر، فكتب:

"الرّاهب متّشح بمشلحه الرّهبانيّ راكع أمام مذبح الرّبّ وأمامه صورة السّيّدة العذراء وصورة القدّيس أنطونيوس الكبير ناسك الصّحراء وكوكب البرّيّة، الرّاهب راكع يجدّد نذوره الرّهبانيّة: الطّاعة والعفّة والفقر حتّى الممات، يحيط به إخوته الرّهبان الّذين مثله سيجدّدون نذورهم ويشهدون على عهده للرّبّ. 

إنّه 17 كانون الثّاني وهو عيد مار أنطونيوس الكبير أب الرّهبان. الجوّ خشوعيّ مهيب والصّمت يلفّ الكنيسة والسّكون يغمر المكان بإصغاء كبير، حتّى أننا نكاد نسمع أنفاس بعضنا بعضًا...

أنذر الطّاعة وأعطي حرّيّتي

إذا كانت الحرّيّة من أثمن الأشياء في حياة الإنسان فالرّاهب يأتي بعمل كبير وبقرار عظيم ويسلّم حرّيّته لآخر ويعطي القرار لآخر، وهو خاضع صامت بفرح وسكينة.

الطّاعة هي القرار الأصعب في الحياة الّذي يقوم به الرّاهب حين يسلّم إرادته وحرّيّته لآخر.

لكن البعد اللّاهوتيّ لهذا العمل هو الأهمّ والأساس، إذ يكرّس الرّاهب كامل إرادته الذّاتيّة لله وكأنّه يقدّم نفسه ذبيحة لله تعالى، ويتّحد بإرادته الخلاصيّة بأمانة خالصة. إنّهم يقتدون بمثالهم الكبير يسوع المسيح الّذي أتى ليتمّم إرادة الله آخذًا صورة عبد. بالطّاعة يخدم الرّاهب إخوته ويبذل نفسه فداء عن كثيرين إلى مقدار قامة ملء المسيح. الطّاعة تكون مقرونة بروح الإيمان ولاهوت الالتزام بالمحبّة نحو إرادة الله. فيخضع الرّاهب بطواعيّة واحترام وتواضع، فيضع الرّاهب قواه العقليّة والإراديّة ومواهبه الشّخصيّة لبنيان جسد المسيح.

فلا تحطّ الطّاعة من كرامة الشّخص أو تنتصر، بل تتوّجها ببعد لاهوتيّ قربانيّ يقود إلى النّضج بإنماء حرّيّة أبناء الله.

أمّا الرّؤساء المسؤولون عن النّفوس الّتي أوكلت إليهم أمرها، فعليهم أن ينقادوا لإرادة الله وأن يستخدموا السّلطة بمحبّة واحترام ووداعة فيرعوا مرؤوسيهم كأبناء الله. ويراعوا فيهم حرّيّتهم الشّخصيّة ومواهبهم وحرّيّة كيانهم الوجوديّ الإنسانيّ ويساند الرّهبان بعضهم بعضًا بالمحبّة والتّراحم والتّفاهم والصّلاة لأجل بعضهم بعضًا.

(قرار مجمعّي في تجديد الحياة الرّهبانيّة 14).

العفّة

هي الموهبة الكبرى للذّات للحبّ الإلهيّ، عطاء كامل للقلب والجسد والحياة للمطلق الحبيب الأزليّ الّذي هو الله الوحيد الأزليّ. تقدمة قربانيّة للذّات كمحرقة حبّ للحبّ الإلهيّ، حتّى للفنا. والموت فكما مات يسوع حبًّا لنا نموت نحن حبًّا لأجله. إنّها فعل تكرّس كامل للذّات للحبّ الإلهيّ ولخدمة أعمال الرّسالة.

وهي الشّهادة الصّارخة بأنّ للمكرّس عروسًا واحدًا هو المسيح، وعلى الرّاهب النّادر للعفّة أن يعيش في الصّحّة كاملة للعقل والجسد فلن يغطّى بها بعد ذلك للنّظريّات المقلوبة الّتي تشير إلى أنّه من المستحيل الحفاظ على العفّة الكاملة، وأنّ هذه العفة تضرّ بالتفتّح الإنسانيّ... إنّ العفّة تكون في مأمن أكبر عندما تسود بين الأعضاء في حياتهم المشتركة محبّة أخويّة صادقة (قرار مجمعيّ في تجديد الحياة الرّهبانيّة 12).

"وبما أنّ المحافظة على العفّة الكاملة تقال في الطّبيعة البشريّة أعمق ما فيها من الأميال، فعلى من يطلب الدّخول في الحياة الرّهبانيّة ألّا يتقدّم وألّا يقبل إلى نذر العفّة إلّا بعد أن يمتحن امتحانًا كافيًا حقًّا وينضج نضوجًا نفسانيًّا وعاطفيًّاً واجبًا. ويحذّروا ليس فقط من الأخطار الّتي تعترض العفّة، ولكن ليعملوا كيف أنّ التّبتّل المكرّس لله يؤول أيضًا إلى خير الشّخصيّة الكاملة. (قرار مجمعيّ في تجديد الحياة الرّهبانيّة 12).

الفقر

إنّه العلاقة الظّاهرة الحقيقيّة السّير وراء المسيح وعلى مثال المسيح الّذي ليس له مكان يسند إليه رأسه. إنّه اشتراك حقيقيّ وواقعيّ وحياتيّ للاشتراك بفقر يسوع المسيح الّذي أخلى ذاته من ذاته الأزليّة حاسبًا كلّ شيء كالذّبل آخذًا صورة عبد هو الّذي في صورة الله وهو ابن الله الوحيد الحبيب على الرّاهب أن يفتقر عمليًّا ويكنز له كنزًا في السّماء.

ويكون كطيور السّماء الّتي يقتها الله أو الدّودة في حجر والله يرسل لها رزقها. لكن على الرّاهب أن يعمل ليحصل ويكسب ما هو ضروريّ لإعاشته لأعماله. الاتّكال على العناية الإلهيّة واجب أساسيّ من دون الإفراط بالاهتمام بأمور الدّنيا.

وعلى المؤسّسات الرّهبانيّة أن تعيل الفقراء وعلى الأديار أن تشترك بعضها مع بعض في الخيرات الماليّة والرّوحيّة. وتساعد الميسورة منها تلك الّتي تشكو من عوز (قرار مجمعيّ في تجديد الحياة الرّهبانيّة 13) وليتجنّبوا مظاهر البذخ والرّبح المفرط وتكديس الأموال واقتناء فقط ما هو ضروريّ لحياتها وأعمالها.

 

خاتمة

هذه هي الرّكائز اللّاهوتيّة والرّوحيّة والتّشكيلة لعيش الحياة المكرّسة في جذريّتها وسرّ المحبّة الإلهيّة والوجوديّة، بالرّغم من ضعفنا البشريّ ويعطوا بيتنا الكيانيّة الّتي يساندها: الصّلاة والتّأمّل والعمل والخدمة والشّهادة على عيش نهويّة الحياة الرّهبانيّة".