الأب جاني: لا يمكن للرّسالة أن تستثني الشّركة الأخويّة
تابع بحسب "فاتيكان نيوز" "مستشهدًا بقانون القدّيس بندكتس الّذي يبدأ بمنظار الرّغبة ويخبرنا أنَّ رغبة الله هي أن يكون مرغوبًا ويشرح أنَّ هذه الرّغبة هي الّتي تدفع الله إلى حركة النّزول من السّماء ليرى – كما يقول قانون القدّيس بندكتس – إن كان هناك أحد يرغب في عيش أيّام سعيدة. وهذا الأمر، أضاف الأب جاني يقول يضعنا في حالة إعادة اكتشاف أنّ الرّبّ يبحث عنّا ويريدنا. خبرة لا يعيشها الرّهبان وحسب وإنّما البشريّة بأسرها بقدر ما نكون شهودًا صادقين لرغبة الله تجاه قلب كلِّ رجل وامرأة في زمننا وهي رغبة أن يكتشفوا أنّ الله يحبّهم ويرغب بهم.
أضاف الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني يقول إنّه نوع من الجنون، يحمل الله لكي يخلي ذاته بحثًا عن رغبة الإنسان. فالرّبّ قادر على فعل أيّ شيء لكي يبحث عن الإنسان الضّائع وهذا ما تقوله لنا أيضًا صورة الرّاعي الصّالح وما يكرّره لنا القدّيس يوحنّا في رسالته الأولى: "إنَّ ما تَقومُ عَلَيه المَحَبَّة هو أَنَّه لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله بل هو أَحَبَّنا فأَرسَلَ ابنَه كَفَّارةً لِخَطايانا". لكن ما ينتشر اليوم هو ذلك الشّعور الّذي يجعلنا نقول: "أنا لا أحتاج لشيء". من هنا وجّه الأب جاني الأنظار إلى العالم الحاليّ ولاسيّما إلى الوضع الاجتماعيّ الإيطاليّ ولاسيّما إلى الشّباب الّذين يعيشون خبرة فقدان معنى الرّغبة، والرّغبة بالأمور الثّابتة والمهمّة.
تابع رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه يقول يشير غياب الرّغبة إلى حالة روحيّة تظهر في نوع من السّلام والسّكينة ولكنّها ليست إلّا ثمرة لفردانيّتنا الّتي فقدت قوّة المحبّة والمخاطرة ولذلك من الأهمّيّة بمكان أن نستعيد القدرة على الرّغبة. ولذلك نحن مدعوّون لنولد في خبرة شعب الله المختار الّذي يعترف بأنّ الله قد أعدّه لكي ينظر إلى العالم بحقيقته وألّا يسمح للصّعوبات بأن تهزمه، وبالتّالي فالتّحدّي الّذي دعينا إليه هو أن نكون رجالاً ونساء نورًا.
وبالإشارة إلى الشّباب مرّة أخرى استشهد الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني بما كتبه الأب لويجي جوساني أنّ غياب هذه الرّغبة في الشّباب تجعلهم يشعرون بأنّه غير مرغوب بهم ولذلك هناك حاجة ضروريّة لتربية تقوم على ديماميكيّة المحبّة والثّقة والصّبر تختلف تمامًا عن التّربية الّتي يتلقّاها شباب اليوم والّتي تشبع حاجاتهم فورًا بدون أن تفتح لهم باب الرّغبة الضّيّق وإنّما المحرّر أيضًا.
هذا وذكّر الأب جاني بما نقرؤه في الدّستور الرّاعويّ فرح ورجاء: "يحقُّ لنا أن نفكر أنّ المستقبل هو بين أيدي اولئك الّذين يعرفون أن يقدّموا، لأجيال الغد، مبرّرات الحياة والأمل". وبالتّالي هذه الدّعوة هي لكي نكون كنيسة الرّغبات المتّقدة في مدينة الرّغبات المتّقدة في عالم الرّغبات المتّقدة لكي نوقظ الرّغبة في الله في جميع الّذين نلتقي بهم ونذكّرهم بنعمة وسرِّ أنّهم محبوبين بالرّغم من الآلام والصّعوبات الّتي يواجهونها. بعدها ذكّر بمقطع من الإرشاد الرّسوليّ فرح الإنجيل الذذي يكتب فيه البابا فرنسيس: يملك الجميع الحق بنوال الإنجيل وعلى المسيحيين واجب أن يعلنوه بدون استثناء أحد، لا كمن يفرض واجبًا معيّنًا وإنّما كمن يشارك فرحًا، ويشير إلى أفق جميل ويقدّم مأدبة رائعة. فالكنيسة لا تنمو بالاقتناص وإنّما بالجاذبيّة".
تابع رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه يقول يكتب غيورغ سيميل: "الإنسان هو حدٌّ لا حدود له" أيّ أنّه محدود ولكنّه يملك في داخله توقًا يحمله، عندما تنتعش فيه ديناميكيّة الرّغبة والرّجاء، لتخطّي الحدود. وإذ ذكّر بكلمات رومانو غوارديني وصف فردانيّة الكائن البشريّ بالنّسبة للخلائق الأخرى. وحول البعد الدّيناميكيّ للإنسان استشهد الأب جاني بكلمات البابا بندكتس السّادس عشر الّذي قال "كما أنّ الرّغبة هي خبرة للمحبّة الّتي هي نشوة وخروج من الـ "أنا" المغلقة نحو تحرّرها في بذل الذّات، هكذا أيضًا هو اكتشاف الذّات إزاء اكتشاف الله". لكنّنا اليوم نعيش تجربة تحويل الإنسان إلى آلة تعمل طالما لا تزال تنتج ولا تزال مصدر ربح. لكن كم هو مهمٌّ أن نقول إنَّ الإنسان يتخطّى الإنسان، وإنّ الإنسان قد خُلق ليكتشف أنّه خلف الأصنام الّتي يوّلدها عطشنا للاستهلاك لكي يشبع قلبنا هو يملك حاجة متجذّرة وحده التّواضع يجعله يكتشفها ووحده الرّوح القدس يرويها. وفي ختام تأمّله توقّف الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني عند واقع الإفخارستيّا، جوهر الثّمرة الفصحيّة الّتي نجد فيها الرّغبة الأعمق والأكثر اتّقادًا لقلوبنا والّتي يكشفها لنا يقيننا ومن جهة أخرى الرّغبة بالرّبّ الّذي يريد أن يصنع الفصح معنا.
أمّا في تأمّله السّابع فقد توقّف الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني عند معنى الاستقبال الحقيقيّ الّذي يجب أن ينطلق من أخوّة حقيقيّة تعاش في المدينة والكنيسة. وقال عندما تهدف ممارسة السّلطة السّياسيّة إلى حماية مصالح بعض الأفراد المحظوظين وحسب، يتعرّض المستقبل للخطر، وقد يميل الشّبّان إلى فقدان الثّقة، لأنّهم يضطرون للبقاء على هامش المجتمع، من دون إمكانيّة المشاركة في مشروعٍ للمستقبل. فالسّياسة تكون لصالح السّلام فقط إن تمَّ التّعبير عنها من خلال الاعتراف بمواهب وقدرات كلِّ إنسان.
تابع الأب جاني يقول يمكن للكنيسة والمدينة أن تكونا خبرات استقبال حقيقيّ إن عاشتا في داخلهما أخوّة حقيقيّة. وحول موضوع الأخوّة والأيدي الّتي يجب أن تلتقي لكي تصبح أدوات حوار ولكي تعطي وتنال وتنمّي حسّ الانتماء بدون استثناء أحد علينا أن نصغي إلى الأجيال الشّابّة لكي يكون لها أيضًا إمكانيّة تحقيق الذّات وبالتّالي علينا عندها أن نتحدّث عن خبرة حازمة لحياة الكنيسة وهي حياة الجماعة. إنّ كلمة "جماعة" تعيدنا مباشرة إلى بداية زمننا. وبالتّالي ففي هذه الرّياضة الرّوحيّة الّتي تتمحور حول شهادة متجذّرة مستوحاة من إنجيل يسوع في قلب العالم وفي قلب المدينة من المهمِّ أن نأخذ على محمل الجدِّ كلمة "جماعة" لكي نتوقّف معًا عند دور ورسالة الكنيسة في إمكانيّتها في المساهمة في بناء أخوّة حقيقيّة ومتضامنة تقوم على المحبّة القويّة والثّابتة كتلك الّتي علّمنا يسوع إيّاها.
أضاف رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه يقول يتوجّه فكري إلى تحديد جميل لمعنى رسالة شعب الله في قلب العالم، كما نقرأ في الدّستور العقائديّ نور الأمم: إنّ الآب الأزليّ، بتدبير حكمته وجودته الحرّ الخفيّ، قد أبدع الكون بأسره، وقضى بأن يرفع النّاس إلى مستوى الشّركة في حياته الإلهيّة، وجعلهم شعبًا يعرفه في الحقيقة ويخدمه في القداسة. وشرح هكذا أهمّيّة أنّ التّغلّب على تجربة الفردانيّة لكي نعيش في الشّركة ومن الشّركة فاتحين قلوبنا على الوحدة والوفاق.
تابع الأب جاني يقول إنَّ سرَّ زمن الصّوم هو العودة إلى الرّبّ، واستعادة الشّركة معه. وبالتّالي فإنّ الأفق الفصحيّ لارتداد زمن الصّوم ليس إلّا انعكاسًا لصورة جماعة الرّسل الأولى وللخبرة الّتي عاشها التّلاميذ الاثني عشر مع يسوع. لذلك لا يمكن لأيّ عمل رسوليّ أن يستثني هذا الطّابع الجماعيّ والأخويّ الّذي تفرضه الشّركة الثّالوثيّة، وإلّا فسيكون مصيره الفشل لأنّه سيتناقض مع جوهره وطبيعته. يذكّرنا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني كيف يمكن للمشاركة في هذه الشّركة الثّالوثيّة أن تغيّر العلاقات البشرية وتخلق نوعًا من التّضامن وتشير إلى البشر إلى جمال الشّركة الأخويّة والدّروب الّتي تقود إليها. لأنّ الحياة الأخويّة ليست أداة – كما يقول البابا فويتيوا – بل هي عطيّة وسرّ حضور الرّبّ القائم من الموت في وسطنا من خلال محبّة تتغذّى من الكلمة والإفخارستيّا وتتطهّر من خلال سرِّ المصالحة ويعضدها طلب الوحدة عطيّة الرّوح القدس للّذين يضعون أنفسهم في الإصغاء المطيع للإنجيل.
من هنا تأتي الدّعوة للاقتراب من سرِّ المناولة مدركين قوّته والشّركة الحقيقة الّتي يخلقها مع بعضنا البعض ومع الرّبّ إذ يجعلنا جسدًا واحدًا وهو ما نطلبه بالصلاة أيضًا إذ نسأل من الله أن يجعلنا شركاء في الجسد الواحد وفي الكأس الواحد لأننا إذ نتّحد بالمسيح نثمر بفرح ثمار حياة أبديّة من أجل خلاص العالم. في الإرشاد الرّسوليّ فرح الإنجيل يتحدّث البابا فرنسيس عن تجربة الابتعاد عن جراح الرّبّ، ولكنّه يذكّر أن يسوع يريدنا أن نلمس البؤس البشريّ وأن نلمس جسد الآخرين الّذين يتألّمون. وإمكانيّة لمس جراح الآخرين تأتينا من الاستقاء يومًا بعد يوم من السّرِّ الفصحيّ، إفخارستيّا الرّبّ يسوع؛ ومن سماحه لتلاميذه بأن يلمسوه عندما زارهم في تلك العلّيّة، الّتي انغلقوا فيها، لكي يمنحهم السّلام ويرسلهم إلى العالم.
علينا أن نعيد النّور لكلّ إنسان تخنقه ظلمة الخطيئة واليأس ونعيد إليه جمال الدّعوة المسيحيّة الّتي تفتدي حياتنا وتعطيها نفسًا جديدًا. من هنا وجّه الأب جاني دعوة لشجاعة العيش والعمل في المدينة حيث غالبًا ما نجد أنفسنا مجبرين على لقاء أشخاص يريدون التّوقّف عن العيش ويكتفون بمجرّد البقاء على قيد الحياة ويرفضون القيام بأيّ شي ما خلا الضّروريّ للمضي قدمًا ولا شيء أكثر. لأنّ كلّ مدينة – كما يقول جورجيو لابيرا – تحمل في ذاتها دعوة وسرّ وعلى المواطنين أن يمسكوا بأيدي بعضهم البعض. ومن هذا التّمسّك بأيدي بعضنا البعض خلص الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني إلى القول علينا ككنيسة أن نستوحي لنكون شهودًا صادقين ومنفتحين لا يخافون، ويصغون إلى الإنجيل. أن نتخيّل أنفسنا كجماعة هو بالتّأكيد تحدٍّ كبير ولكنّه أيضًا رجاء رائع!".