الأب الياس كرم: معنا هو الله فاعلموا أيّها الأمم وانهزموا لأنّ الله معنا
وكتب الأب كرم في هذا السّياق مقالاً جديدًا، جاء فيه: "دخل المسيحيّون الأرثوذكس اليوم زمن الصّوم الأربعينيّ المبارك، إنّها رحلة مطيّبة بالصّلوات والتّضرّعات والسّعي لعيش التّوبة الصّادقة الحقيقيّة والّتي لا يستطيع المؤمن ملامسة حقيقتها الصّافية إلّا من خلال الأخ الصّغير الّذي ساوى الرّبّ يسوع نفسه به، وهو القائل "أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا عَمِلْتُمُوهُ لأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاءِ الصِّغَار، فَلِي عَمِلْتُمُوه... لأنّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وكُنْتُ غَريبًا فَآوَيْتُمُوني، وعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُوني، ومَريضًا فَزُرْتُمُونِي، ومَحْبُوسًا فَأَتَيْتُم إِليّ".
الممرّ الإلزاميّ للصّوم المقبول هو المحتاج والمريض والمنكوب والمشرّد والمهجّر والمنبوذ واليتامى والأرامل والثّكالى وذوي الإرادة الصّلبة وكلّ مُستضعفٍ في الأرض.
علّمنا المطران جورج خضر أنّ الفقراء سادتنا ولذلك هم بوصلة وجهتنا في زمن الصّوم وكلّ يوم من أيّام حياتنا، لذا مساعدة المحتاجين تتماهى مع الصّلوات الّتي رتّبتها الكنيسة لنا في هذا الزّمن، ولذلك علينا أن لا نهمل صلواتنا الّتي هي معراجٌ لنا إلى الباري ومنها نستقي الفضائل السّماويّة الّتي تجعلنا عشراء القدّيسين ونتآلف وإيّاهم، فهذا بالنّتيجة مقياس حياتنا الأرضيّة والفضائل هي السّلَّم السّماويّة.
الإنسان الّذي تعلّق قلبه بالرّبّ يصلّي ولا يملّ لكن لا يكفي أن تكون صلاته كلامًا ليسبّح الله فحسب، بل أعمالاً يمجّده الله بها... وقد دعا بولس المسيحيّين إلى الصّلاة في كلّ وقت فقال: "صَلُّوا بِلَا انْقِطَاعٍ".
علّمتنا الكنيسة أنّنا في زمن الصّوم طعامنا الصّلاة الّتي تحصّننا من السّقوط في الخطايا وتنعش النّفوس العطشى إلى كلمة الله، سيّما وأنّنا نردّد في يوميّات هذا الزّمن: معنا هو الله فاعلموا أيّها الأمم وانهزموا لأنّ الله معنا. هذه الصّلاة وغيرها تُدخل الرّجاء والفرح في قلوبنا لمواجهة كلّ ما يُحيط بنا من أزمات يستدرجنا إليها الشّرّير لكي تبقى رؤوسنا منحنية له، في حين أنّ إيماننا ورجاءنا يجعلنا نرفع قلوبنا إلى فوق. كيف يستطيع المؤمن أن يَضعف وينهار أمام التّحدّيات والأمراض والآوبئة والشّدائد والضّيقات وهو يردّد في صلواته الصّياميّة: يا ربّ القوّات كن معنا فإنّه ليس لنا في الأحزان معينٌ سواك يا ربّ القوّات ارحمنا، أيعقل أن نردّد الصّلوات ولا نؤمن أنّ الله يسمع لتضرّعاتنا، وهو القائل: إسْأَلُوا تُعْطَوْا، أطْلُبُوا تَجِدُوا، إقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ." (لو 11: 9). أرجو الله أن يقبل صيام وصلوات المتواضعين ولا يرذل طلبتهم، ولنردّد يوميًّا في صومنا مع القدّيس أفرام السّريانيّ صلاة التّوبة:
"أيّها الرّبّ وسيّد حياتي، أعتقني من روح البطالة، والفضول، وحبّ الرّئاسة، والكلام البطّال. وأنعم عليّ أنا عبدك الخاطئ بروح العفّة، واتّضاع الفكر، والصّبر، والمحبّة. نعم يا ملكي وإلهي، هبني أن أعرف ذنوبي وعيوبي، وأن لا أدين إخوتي، فإنّك المبارك إلى الأبد. آمين."