لبنان
04 حزيران 2021, 11:15

الأب الياس كرم: ليس المهمّ أن ننجب أولادًا المهمّ أن نربّي

تيلي لوميار/ نورسات
لأنّ التّربية لا تقتصر على تلقين الأطفال التّربية الحسنة أو تزويدهم بالثّقافة المناسبة، "بل تتعدّاها إلى سكب الرّبّ في حياتهم"، رأى الأب الياس كرم من المهمّ الإضاءة على هذا الموضوع متوجّهًا على السّواء إلى الأهل والأولاد، فكتب:

"في خدمة سرّ الزّواج الّتي تقام في الكنيسة الأرثوذكسيّة، ومن ضمن الطّلبة السّلاميّة يقول الكاهن: "من أجل أن يمنحكما (أيّ للعروسين) ثمر البطن وحسن التّوليد..".

ليس المهمّ أن نُنجب أولادًا، المهمّ أن نربّي. فالحيوانات تتكاثر والأزهار تثمر، أمّا نحن البشر فنسكب الرّبّ في ثمر زواجنا. لذلك كلمة التّربية من الرّبّ مستقاة.

يسعى مجمل الأهل إلى تلقين أولادهم تربية صالحة ومبنيّة على أساس سليم، طمعًا في نشء صالح وجيّد، وأن يكونوا مهذّبين ومتعلّمين ومثقّفين وناجحين في حياتهم، هذا جلَّ ما يشتهيه الأهل في أبنائهم وبناتهم. إنّما التّربية لا تُقتصر على هذه الأمور، السّالفة الذّكر، بل تتعدّاها إلى سكب الرّبّ في حياتهم، من خلال مواكبتهم من صغرهم بالصّلوات والأصوام وأعمال الرّحمة، وتوجيههم نحو الكنيسة، أو نحو الالتزام بمبادئ ديانتهم لأيّ طائفة أو مذهب انتموا، من دون تعصّب، بل بانفتاح كامل على الآخر، وعليه نبني مجتمع يُقتدى به.

قد ينصدم الأهل مرّات كثيرة في نتائج تربيتهم لأولادهم، كم بالأحرى إذا كان الأولاد ملتزمين كنسيًّا، ومنتمين إلى جمعيّات دينيّة، فتجري الرّياح عكس ما يشتهون، خصوصًا عندما يبلغ الأولاد مطلع الشّباب، فيعصون أهلهم ويتمرّدون عليهم ويستفزّونهم، ويصل بهم الأمر إلى الكراهيّة، وينظرون إلى أهلهم نظرة عدائيّة، ظانّين أنّ أهلهم لا يحبّونهم ولا يريدون الخير لهم، لأسباب بمعظمها مادّيّة، وقد أعطى الرّبّ في الإنجيل مَثل الإبن الشّاطر كنموذج لرحمة الله وانتظار عودة الإبن الضّالّ أو الإبن الشّاطر.

على الأهل أن لا يستسلموا لأيّ نزاع مع أولادهم، ولا ييأسوا من الحوار مع أولادهم الشّباب، فلكلّ عمرٍ تجاربه وضعفاته وسقطاته، لكن بالصّلاة والتّواصل والحوار الدّائم والنّصح والتّوجيه والعطف حينًا، والقساوة إذا لزم الأمر، تعبر هذه المحنة بأقلّ ضررٍ ممكن، سيّما إذا كان الأهل قد زرعوا في أولادهم، ومن صغرهم، خميرة الرّبّ، والرّبّ قادرٌ أن يصيّرهم أبناء له ويروّض عنفوانهم ويعيدهم إلى حضن أهلهم، كما عاد الإبن الضّالّ إلى أبيه.

فيا شباب بلادي، لا تدعوا أفكار السّوء وعنفوان الشّباب ومحبّة المال والشّعور بالاستقلاليّة وإغراءات الجسد والحواس ومعاشرة الرّفاق والزّملاء الخطأ، أن تؤثّر على العلاقة العائليّة. فأهلكم أكثر الأشخاص غيرة على صحّتكم ومصالحكم ونجاحكم، وتذكّروا عند أيّ سقطة تسقطونها، لا أحد يتعرّف عليكم، أو يساندكم ويقدّم لكم العون والمحبّة والعطف والاهتمام، إلّا أهلكم الّذين أنجبوكم، وسهروا اللّيالي في سبيل تربيتكم. فلا يُكافئ الأهل بالتّمرّد والنّكران من قبل الأولاد.

أنا لا أنكر وجود أهل أهملوا تربية أولادهم وتركوهم للمجهول، ورغم ذلك أشهد على أولاد علّمتهم الحياة الرّحمة والشّفقة، رغم قساوتها، وبالتالي لم يتركوا أهلهم وأعتنوا بهم، رغم الإهمال والإجحاف الذي لقوه منهم. فكم بالأحرى الأهل الذين نذروا أنفسهم وما بخلوا بشيء في سبيل أبنائهم، ألا يستحقّ هؤلاء المحبّة والاحترام والتّقدير والتّكريم، وقد ورد في الكتاب المقدّس: "أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ." (خر 20: 12)."