لبنان
08 آذار 2021, 11:20

الأب الياس كرم: لنجعل وسائل التّواصل الاجتماعيّ منارة مشرقة في إحياء البشريّة

تيلي لوميار/ نورسات
مع الحيّز الكبير الّذي تأخذه وسائل التّواصل الاجتماعيّ مؤخّرًا من حياة الإنسان في العالم، حذّر الأب الياس كرم من استغلالها لإشعال الفتن ودسّ السّموم ونشر البدع وضرب المفهوم الإيمانيّ المستقيم والتّضليل، فكتب:

"سمعت مرّة أحد الأخوة الكهنة يقول لي: "يا أبونا استطعنا بسبب وباء الكورونا أن نعمّد وسائل التّواصل الاجتماعيّ". في كلّ مرّة تتصدّر هذه الوسائل المرتبة الأولى في خلق أجواء من البلبلة أعود إلى هذه العبارة الّتي سمعتها من ذاك الكاهن الحبيب، علمًا أنّها ليست مصدرًا للسّلبيّات بالمطلق إنّما وسيلة مهمّة لتلقّي المعلومات المفيدة إذا نظّمنا وأحسنّا استعمالها. مخاطر كثيرة تحيط بنا من جرّاء التّداول بأمور لا تمتّ للحقائق المطلقة بِصلة. مخاطرها كإيجابيّاتها وخصوصًا على الأولاد الّذين بات  online من يوميّاتهم ومعظم الأهل يتركونهم دون رقيب أو حسيب. ندائي إلى الأهل لكي يسهروا على أولادهم ويراقبوا المواقع الّتي يدخلونها لتصويب مسارهم بالحدّ الأدنى وزرع الأفكار الخلّاقة في أفكارهم والمناقبيّة البنّاءة في عقولهم وكيانهم. "لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ" (رسالة يوحنّا الرّسول الثّالثة1: 4).

نحن نواجه أزمات عديدة في العالم أجمع وفي وطننا خصوصًا، من الأزمة السّياسيّة إلى الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ناهيكم عن هذا الوباء الفتّاك الّذي أفقد ما تبقّى لنا من منطقٍ عقليّ وقدرة على الإدراك وإدارة الأزمات، فعلاً لم يعد العقل اللّبنانيّ يستوعب المصائب الّتي انهمرت عليه من كلّ حدب وصوب. من هنا باتت وسائل التّواصل الاجتماعيّ متنفّسًا للتّعبير عن سخطنا دون حدود ودون مراقبة ذاتيّة أو عامّة. للأسف بات لكلّ شخصٍ شاشته الّتي يفجّر من خلالها ما يختلج في صدره من كراهيّة وحقدٍ تجاه الآخر. كما باتت هذه الشّاشات وسيلة لدسّ السّموم السّياسيّة والأمنيّة والماليّة واللّاأخلاقيّة، الأمر الّذي ينعكس سلبًا على حياة المواطن الرّازح تحت نير المصائب المتراكمة. من هنا على كلّ واحدٍ يستعمل وسائل التّواصل الاجتماعيّ تعميدها وتطهيرها من كلّ ما يتربّص فيها من أعمال ومضامين شيطانيّة، على غرار ما انتهجته الكنيسة في الآونة الأخيرة واستثمرتها في نقل الكلمة الطّيّبة والبشرى السّارّة. علينا باستعمال هذه الوسائل بشكلٍ بنّاء ولا نستغلّها لغايات تُشعل الفتن النّقّالة بين النّاس وتقضي بالمطلق على مقوّمات الحياة النّظيفة. وهذا أمرٌ مطلوب أوّلاً من الإعلاميّين المخضرمين وأصحاب الأقلام العريقة، أيضًا مطلوب من الشّباب المثقّف الّذي لا ينقاض إلى غرائزه ويُستدرج من قبل زعماء الطّوائف والقبائل والعشائر في هذا البلد، وما هو مُتّفق على تسميته بالطّبقة السّياسيّة.

من هنا أناشد كلّ مواطن أصيل ولم يفقد آخر ذرّة من حبّه وتعلّقه بهذا الوطن، أناشده أن يكون خفيرًا ومراقبًا لدحض كلّ الإشاعات الكاذبة والأضاليل الّتي تخترق عقول النّاس. كما لكلّ مؤمن ملتزم أن يرفض كلّ أنواع البدع الّتي تبثّها مواقع متعدّدة لضرب المفهوم الإيمانيّ المستقيم لأجل تضليل النّاس عن إيمانهم وجرّهم إلى السّقوط، وتنبيه المؤمنين وتوعيتهم من أضاليلها الهدّامة ومخاطرها على الحياة الرّوحيّة. هناك مواقع عديدة تبث الأضاليل لضرب القيم والأخلاق الإنسانيّة والدّينيّة والتّربويّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة وحتّى البيولوجيّة، من هنا علينا السّهر على مصلحة أبنائنا ومجتمعاتنا ووطننا، فليس من شدّة إلّا وتنتهي وعندها لا يعد من قيمة للمحرِّضين "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ»." (مت 15: 11) ، ومهما طالت الأزمات لكلّ شيء نهايته إلّا كلمة الله وهو القائل: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ." (لو 21: 33). دعونا إذًا نعمّد وسائل التّواصل الاجتماعيّ ونجعلها منارة مشرقة في إحياء البشريّة لا في دفنها "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (رسالة بطرس الرّسول الأولى 5: 8)."