لبنان
18 آب 2021, 09:30

الأب الياس كرم: للشّعور بحاجات الآخر

تيلي لوميار/ نورسات
دعا الأب الياس كرم إلى الشّعور بحاجات الآخر وحاجات الكنيسة وخدّامها، وذلك في مقال جديد كتبه على ضوء الأوضاع الرّاهنة، وجاء فيه:

"الأزمة الماليّة والاقتصاديّة الّتي نعيشها، كشفت للكثيرين وجوه النّاس على حقيقتها، كشفت المستور، سواء من النّاحية المادّيّة أو الاجتماعيّة أو النّفسيّة. وكشفت الّذين كانوا بالأمس القريب، يتباكون على وضعهم الماليّ ومدخولهم البسيط، وإذ تتفاجئ بكمّيّة الأموال، الّتي نهبتها المصارف منهم، وقد باحوا بها علانيّة.  

"اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!" (مت 7: 15). هذه آية من الكتاب المقدّس، وصف فيها الرّبّ يسوع، دور الأنبياء الكذبة والهراطقة. هذا التّوصيف، يصحّ اليوم في أشخاص وتجّار يدّعون التّعفّف الماليّ، والخسارة في فرق الأسعار، والرّبح القليل، في حين أنّهم مراؤون طمّاعون، ولم تعد القناعة تعنيهم بمكان.

زيادة في التّوصيف، لا في سبيل الإدانة، باتت شهوة اقتناء المال أمرًا لا يصدّق، وبات الحديث عن هذا الإله، الّذي حذّرنا الله من عبادته، هو الخبز اليوميّ. أتعحّب من الّذين يصلّون يوميًّا الصّلاة الرّبّانيّة، ويذكرون فيها المقطع القائل: خبزنا الجوهريّ أعطنا اليوم، أم أعطنا خبزنا كفاف يومنا، أو من الّذين يعبدون الله بكتاب آخر، وهم في الباطن يلهثون وراء المال بطريقة لا يمكن وصفها، والله براء منهم.  

أهذا ناتجً عن الخوف من الغد؟ أم نتيجة الطّمع؟ أو عدم القناعة بالرّبح المعقول؟ أم هو نتيجة حجز المصارف لأموال النّاس وسرقة مدّخراتهم؟ أم لأنّنا نعيش في دولة مهترئة؟ أم لأنّها أفلستنا؟ أم لأسباب وأسباب! ولكن من المؤكّد أنّ عبادة المال أصل كلّ الشّرور.  

يقول بولس الرّسول "أَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ، ٱلَّذِي إِذِ ٱبْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ ٱلْإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ" (تِيمُوثَاوُسَ ٱلْأُولَى 6: 10). كما قال في موضع آخر: "لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ ٱلْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لِأَنَّهُ قَالَ: "لَا أُهْمِلُكَ وَلَا أَتْرُكُكَ". (ٱلْعِبْرَانِيِّينَ 13: 5).

يبدو أنّنا للأسف دخلنا عصر عبادة المال بقوّة، ولم يعد هناك من شيء مجّانيّ. حتّى النّاس باتت تقتصد كثيرًا، نتيجة الأزمة الّتي نعيشها، على نفسها وعلى الآخرين، ولم يعد هناك من شيء مجّانيّ. وبالأمس القريب، حضرت أمامي سيّدة تطلب شهادة معيّنة لابنتها، فبعد أن خَتمت الشّهادة، توجّهت بالسّؤال حول الكلفة، فقلت لها ببساطة: لا يتوجّب عليك شيء. فبادرت بالقول: (منيح بعد في شي ببلاش بهالبلد).  

في موقع آخر، هناك أحبّة يبادرون تلقائيًّا لدعم الكنائس، عبر مناسبات اجتماعيّة، سواء أفراح أو أتراح، ليترجموا محبّتهم عطاءً للكنيسة، لتقوم بدورها بالمشاريع الخيريّة، واستمرار مدّ يد المساعدة للمحتاجين.  

فالكنيسة في مفهوم هؤلاء الأحبّة، هي البشر، الّذين يمدّونها بالمساعدات، المادّيّة منها والعينيّة، في حين أنّ أشخاصًا يتغافلون عن واجباتهم، في هذا الإطار.  

لا أنفي قدرة بعض الأوقاف من القيام بواجبها تجاه أبنائها، وخصوصًا المعوزين، لكن الاستمراريّة، في ظلّ هذه الأوضاع المزرية، وحجز الأموال، والغلاء الفاحش، تتوجّب التّعاون من كافّة المؤمنين، لتبقى الكنيسة قادرة على إتمام رسالتها المقدّسة.  

كلّنا مدعوّون أن نتصرّف مع بعضنا البعض بلياقة وترتيب، وأن نُحسن إدارة ما تبقّى من الأموال في هذه الظّروف الصّعبة، وبالتّالي لا بدّ من الشّعور بحاجات الآخر وحاجات الكنيسة وخدّامها، لكي نكون معًا: "كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ." (أف 5: 27)."