الأب الياس كرم: العطاء مغبوط والطّمع مرفوض
إستفقنا منذ سنة ونيّف على حقيقة مؤلمة أدخلتنا في نفق لا أمل في المدى القريب الخروج منه. إستفقنا على مجزرة بحقّ معظم الشّعب اللّبنانيّ الّذي أُغرِق في الفقر بسبب من السّياسات الرّعناء. والحقّ يُقال إنّ المواطن يتحمّل بمكان ما مسؤوليّة ما وصلنا إليه نتيجة خيارات وتبعيّات خاطئة وعمياء.
إستفقنا على إذلال من كلّ حدبٍ وصوب أجبرنا أن ندخل في متاهات لا تصدّق. بتنا في لبنان تحت مستوى الفقر حتّمت علينا تسوّل لقمة العيش وأن نشحد الأموال من المصارف الّتي نهبت وحجزت أموال المودعين. كلّ هذا التّوصيف ألزم جهات كثيرة السّعي الدّؤوب واليوميّ لتأمين مساعدات للمحتاجين لتغطية تقصير الدّولة والمسؤولين دون استثناء. إلّا أنّه من حسنات هذه الأزمة أنّنا لمسنا حبّ العطاء عند كثر من المعطاءين الّذين فهموا أنّ العطاء مغبوطٌ أكثر من الأخذ. هذه الأزمة الإقتصاديّة الّتي تتراكم علينا ككرة الثّلج، إلى جانب الوباء الفتّاك، أدخلتنا في متاهات بين الجهات المانحة والمحتاجين الّذين أحيانًا ظلموا هذه الجهات، واتّهموها بعدم الإنصاف، العطاء مغبوط إنّما الطّمع مرفوض. نعم قست الأيّام واشتدّ الخناق ولم يعد أحد يعرف الحقّ من الباطل، إلّا أنّ كلمة الله أقوى من كلّ الأزمات، كلمة الله تحيي وتعزّي وتعضد وتمنح القوّة لمواجهة المصائب الّتي حلّت علينا بين ليلة وضحاها.
السّؤال الكبير الّذي يُطرح اليوم: إلى متى الجهات المانحة والأفراد يستطيعون الصّمود؟ وهنا اسمح لنفسي بالإضاءة على دور الكنيسة والرّعاة الّذين يسهرون على خدمة الرّعيّة. لا أخفي سرًّا إن بحت به ضمن هذه السّطور، حيث كُثر من الأخوة الكهنة لا يذوقون طعم النّوم واستنزفوا كلّ طاقاتهم في خدمة المعوزين سواء من خلال تأمين سلل غذائيّة أو مساعدات مادّيّة وأجهزة تنفّس وأدوية و... ، هذا بالإضافة إلى إصابة عدد كبير منهم بوباء الكورونا، دون أن نغفل الضّغط النّفسيّ الّذي يعانوه نتيجة التّقيّد بقرارات الدّولة والمرجعيّات الرّوحيّة بالالتزام بالتّدابير الّتي طالت الكنائس والخِدم الكنسيّة الأمر الّذي أثّر في الرّعاية، هذا فضلاً عن تأثّرهم وحزنهم العميق على فقدان الأحبّة من أبنائهم وأبناء هذا الوطن، لكن تبقى كلمة الله سِترٌ وعَضدٌ لهم في تحمّل الصّعاب لأنّ رسالتهم فيها مصلوبيّة ووجع وحزن وألم، لكنّها ستؤول إلى فرح القيامة. علينا بتنظيم المساعدات والثّقة المطلقة بالمنظّمين فليس كلّهم سماسرة ومرتشين وفاسدين، لذا مطلوبٌ من المحتاجين الصّلاة لأجل الّذين يسهرون على مساعدتهم بعدلٍ وإنصاف، وضرورة الصّبر لأنّ طريق الجلجلة طويل في وطننا، وعلينا جميعًا بالإيمان والرّجاء بالله القادر على كلّ شيء، وهو القائل: "أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا يُعْطِيهِ حَجَرًا. وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً يُعْطِيهِ حَيَّةً" (مت 7: 9، 10)".