لبنان
15 حزيران 2021, 11:15

الأب الياس كرم: الحياة معاملة

تيلي لوميار/ نورسات
شدّد الأب الياس كرم، في مقال جديد، على أهمّيّة إكرام الوالدين كنموذج لإكرام الله، مقتبسًا عن خبر تناقلته وسائل الإعلام عن وصيّة تركتها سيّدة إسبانيّة، فكتب:

"أصبحت سيّدة من إسبانيا، تدعى ماريا باز فوينتيس فرنانديز، حديث روّاد الإنترنت بعد وفاتها في حزيران، إذ كتبت وصيّة منعت من خلالها أقاربها من حضور جنازتها".

خبر تناقلته وسائل الإعلام مؤخرًا، لفت انتباهي وحشريّتي لأقرأ تفاصيله، وقد دوّنت هذه السّيّدة وصيّتها، وحدّدت الأشخاص الّتي ترغب بمشاركتهم في مراسم دفنها، وعلّلت الوصيّة بالقول:

"إلى أيّ شخص آخر لم يهتمّ بي أبدًا في حياتي، أريدك أن تستمرّ في العيش بعيدًا عنّي، تمامًا كما كنت من قبل".

أتفهّم هذه السّيّدة، وأتفهّم وصيّتها، وقد علّق الكثير من مستخدمي الإنترنت على الوصيّة عبر تويتر، ووصف البعض المرأة بأنّها "شجاعة" لأنّها كانت صادقة للغاية في لحظات حياتها الأخيرة.

الحياة معاملة، وقد ورد في إنجيل يوحنّا "ولنا هذه الوصيّة منه: أنّ من يحبّ الله يحبّ أخاه أيضًا" (يوحنّا الأولى 4: 21).  

ويبدو أنّ هذه السّيّدة قد عرفت المحبّة من أشخاص، لا من لحم ودم، بل من أناسٍ عرفوا الله فأحبّوها وخدموها وأحسنوا إليها. هذا الخبر الّتي جسّدته هذه الواقعة ليس مُبالغ فيه. فكم من أبناء أهملوا أهلهم وتركوهم للمجهول، وقد امتلأت بهم مراكز ودور الرّاحة. أضف إلى ذلك أشخاصًا تقوم لجان اجتماعيّة تابعة لطوائف وجمعيّات خيريّة، بالاهتمام بهم والاعتناء بصحّتهم وتزويدهم بالمأكل والدّواء والرّعاية، عبر أشخاصٍ متطوّعين، نذروا أنفسهم في هذا العمل التّطوّعيّ.

أحيانًا كثيرة تصادفنا حالات استثناء لأسماء وعائلات عند تدوين ورقة النّعوة لشخص متوفّي، بحيث يستغرب الكاهن عدم ورودها في متن النّعوة، فيأتيه الجواب: "كانو يسألو عنو بحياتو". حاولت مرّات ثني بعض الأشخاص عن تصرّف كهذا، لكن كان يأتي الجواب بمعظم الوقت سلبيًّا.  

إكرام الوالدين عمل مبارك، وقد ورد في الكتاب المقدّس آيات عن هذه النّعمة، ففي سفر الخروج قال الرّبّ: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (سفر الخروج 20: 12). وفي رسالته إلى أهل أفسس أشار الرّسول بولس إلى هذه الوصيّة بالقول: "أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ" (رسالة بولس الرّسول إلى أهل أفسس 6: 2)، أعطى الله قديمًا الوصايا العشر. وكانت الأربع وصايا الأولى غير مقترنة بوعد ولكن الوصيّة الخامسة الخاصّة بإكرام الوالدين هي أوّل وصية بوعد "لكي تطول أيّامك على الأرض". إنّ من لا يستطيع أن يكرّم أباه وأمّه اللّذين ربّياه وسهرا عليه، فهو لن يستطيع أن يكرّم الله الّذي لم يره. فإكرام الوالدين هو نموذج لإكرام الله.  

هذه القصّة الواقعيّة الّتي أوردتها وتناقلتها وسائل الإعلام، هي نموذج بسيط على أنّ المعاملة هي الأساس في حياة البشر، "رُبَّ أخٍ لك لم تلدهُ أُمّك" هذا واقع نلمسه عند كثيرين من محبّي العطاء، الّذين يقصدون كهنة الرّعايا لإيصال مساعدات مادّيّة وعينيّة لمعوزين، يسمّونهم بالإسم، وكم من أشخاص يساهمون في مصاريف لمرضى ومحتاجين غدرت بهم الأيّام، على مثال ما نعيشه اليوم، وأقرب المقرّبين لا يبالون بهم. هذه أمور يلمسها الرّعاة يوميًّا في رسالتهم الرّعائيّة، فيتعزّون بالمعطائين ويغبّطونهم.  

علّنا بتصرّف، هذه السّيّدة الإسبانيّة، أن نتّعظ، عندها سنفكّر مرّتين قبل مشاركتنا في وداع فقيدٍ، لا من باب اللّياقة والعادات والتّقاليد الاجتماعيّة البالية، بل من باب المحبّة والمعاملة الّتي كانت تربط النّاس، بعضها ببعض."