الأب الياس كرم: أسرع يا الله في نجاة عبيدك!
"منذ بداية السّبعينات ولبنان يرزح تحت نير الحرب، تعدّدت الوجوه والجيوش والفصائل والأحزاب، والنّتيجة واحدة: قتل، وتدمير، وتهجير، وتنكيل، وخطف، وأسر، وسرقات، وجرحى، وإعاقات، واضطرابات نفسيّة، وتدمير للبنى التّحتيّة الّتي تدعم الصّحّة العامّة للمجتمع مثل: قطاعات الأنظمة الغذائيّة، والرّعاية الطّبّيّة، والنّظافة، والنّقل، والاتّصالات، والطّاقة الكهربائيّة.
حربٌ ضربت القطاع السّياحيّ والاستشفائيّ والتّربويّ والصّناعيّ والاقتصاديّ والزّراعيّ والتّجاريّ، وأنهكت المواطنين الّذين هاجر منهم أعداد هائلة، وتغرّب عددٌ لا بأس به يفتّش عن الأمن والآمان، ساعيًا وراء لقمة العيش الّتي غمّستها الحرب اللّبنانيّة بالدّمّ.
منذ مدّة كنت أتسامر مع وحيدي، الّذي بدأ يقدّم أوراق اعتماده للسّفارات ليحجّ إلى دول الاغتراب بغية التّحصيل العلميّ العالي، شأنه شأن شريحة كبيرة من الشّباب، عدّدت له ما عشناه من ويلات الحرب منذ العام 1975، والظّروف الّتي مررنا بها وصمدنا، علّي أثنيه عن قراره، لقناعتي أنّ طلب العلم سيستدرجه إلى هجرة مقنّعة.
إستنتج ابني الوحيد، بعد نقاشنا، أنّ ما عشناه منذ ذلك التّاريخ وليومنا هذا ليس نقطة في بحر الأزمة الّتي نعيشها حاليًّا، باستثناء المتاريس وخطوط التماس والقتل على الهويّة و... بصريح العبارة قال لي إبني (حاجي تقولولنا شو شفتو قدّام يلي شفناه ما بقا تجربوا تقنعونا).
نعم لم يعد لدينا حجّة لنبرّر لأولادنا البقاء في هذا البلد التّعيس والمنكوب والمنهوب بسبب حفنة من الفاسدين الّذين أغرقونا في الدّيون وقضوا على مقوّمات الدّولة، وما زالوا للأسف يتحكّمون بالبلاد والعباد، ويعيثون فسادًا في وطننا.
إنّ ما نعيشه يؤكّد أنّ درب الجلجلة طويل ولا أمل بالنّجاة من الغرق. إنّنا على هذا المنوال متّجهون إلى إفلاسٍ جماعيّ، الدّولة والشّعب. وخوفي أن تعود الحرب الأهلّيّة كما يبشّرنا كثر من المحلّلين وذوي الاختصاص.
لقد سها عن بال هؤلاء أنّنا نعيش نتائج الحرب الأهلّيّة دون استعمال السّلاح. فالحروب الأهلّيّة تُعدّ واحدة من أكثر الأمور الّتي تشكّل خطرًا على أيّ دولة، فهذا النّوع من الحروب يُعدّ عاملاً أساسيًّا في تدمير الاقتصاد، لما تشهده البلدان خلالها من تراجع في الاستثمار على الصّعيدين المحلّيّ والأجنبيّ، أليس هذا ما نعيشه اليوم!
إنّ ما يقوم به المسؤولون في وطننا يهيّء لحرب بكلّ ما للكلمة من معنى، خصوصًا إذا توفّر المال والسّلاح مجدّدًا.
فتجويع النّاس وتفقيرهم، وتجييش الرّأي العامّ وإثارة النّعرات الطّائفيّة، وعدم الثّقة بين المسؤولين، والسّرقة وانعدام المحاسبة واكتساب المغانم من فئة معيّنة، والشّعور بالغبن والحرمان من فئات أخرى، وتسييس القضاء، والاحتماء بعباءات رجال الدّين خوفًا ومنعًا من المساءلة، سيخلق توتّرات مجدّدًا ستؤدّي حتمًا إلى تفجير الشّارع، والّذي يشعر بالخوف والغبن سيستنجد بالغريب مجدّدًا.
لا لوم على شبيبة هذا البلد الواعين منهم والمثقّفين وأصحاب الشّهادات من طلب الهجرة، ومَن سيبقى إمّا سيكون ذليلاً أو في تبعيّة زعماء الطّوائف. هذه المشكلة المستعصية الّتي حار ودار المشرّعون ليجدوا لها حلّاً، لكن الشّعب انحلّ ولم يجدوا حلولاً حتّى يبقوا متربّعين على عرش الطّوائف والمذاهب دفاعًا عن الإيمان بالله الّذي منهم براء.
نحن نرتّل في السّبت العظيم المقدّس، والمعروف بسبت النّور، قائلين: " قم يا الله واحكم في الأرض لأنّك ترث جميع الأمم". فأرجوك يا الله لا تتأخّر علينا ولا تغرب عينك عن وطننا وعن أولادنا، لا تتركنا يتامى. أناشدك في عيد القيامة الّذي سيعيّده الأخوة الّذين يتبعون التّقويم الغربيّ، أن تشملنا بعطفك وتُنهض هذا البلد من الموت الّذي سببّه لنا أمثال يهوذا، وهم كثر.
أسرع يا الله في نجاة عبيدك من متاريس الحرب والبغض والكراهيّة والاستكبار والجوع والعوز. خلّصنا يا ربّ من حكم الموت الّذي تآمر عليه كثر من أتباع قيافا في هذا البلد، وزاد الوباء علينا شرًّا. مدَّ يدك وانتشلنا من الجحيم، علّنا نصرخ مع ذكرى قيامتك: لبنان قام حقًّا قام".