الأب الصّغبينيّ: لنحوّل الإقامة في البيت إلى لقاء شخصّي وعائليّ مع يسوع
"أيّها الإخوة، أينما كنتم تشاهدوننا الآن عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، أو تسمعوننا، عبر أثير إذاعة صوت السّما، أودّ أن أتشارك وإيّاكم تأمّلًا روحيًّا انطلاقًا من نصّ إنجيل اليوم (يوحنّا 1/35 وما يتبع)، حيث أوائل التّلاميذ يلتقون بيسوع ويتعرّفون إليه. وإنطلاقًا أيضًا من واقع حياتنا المعيشيّ اليوم، حيث لنا فرصةٌ ذهبيّةٌ متاحةٌ للتّعرّف إلى يسوع أكثر وأكثر... وسط شدّة مخاوفنا، وعمق معاناتنا الحياتيّة واضطراب أهوائنا، في زمن الكورونا هذا.
"هلمّا وانظرا": كان جواب يسوع للتّلميذين اللّذين تبعاه وسألاه: "يا معلّم، أين تقيم؟" (1/38)
رغبةٌ صادقة من ناحية التّلميذين لمعرفة إقامة يسوع والالتقاء به... ودعوة واضحة لهما من يسوع ليأتيا ويتحقّقا بنفسيهيما أين يقيم... وفعلاً،" أتيا وعرفا أين يقيم، ومكثا عنده ذلك اليوم" (1/39)
التّلميذان عرفا يسوع واختبراه وعاشا معه طيلة اليوم في الصّمت والهدوء... في المنزل حيث يقيم... في مكان إقامته... وليس في خضمّ عجقة الحياة وضجيجها...
نحن اليوم أيّها الإخوة، ولظروف الكورونا وتداعياتها، ملزمون الحجر المنزليّ، والإقامة في البيت... فلنحوّل هذه الإقامة إلى لقاء شخصّي وعائليّ مع يسوع.. ندعوه ليأتي وينظر بيتنا وعائلتنا، فيتعرّف علينا أكثر (وهو الّذي يعرف كلّ واحد منّا قبل أن يولد)، ونتعرّف عليه أكثر وأكثر.. ونُمضي معه بعض الوقت، ولنذقْ طعم حضوره اللّذيذ، كما ذاقته يومًا مريم العذراء في الهيكل حيث تربّت، واستلذّت به.
فلتُمضِ العائلة بعض الوقت في الصّلاة والتّأمّل، والمشاركة بالقداديس عبر الوسائل المتاحة، والمناولة الرّوحيّة، والتّوبة وتقاسم كلمة الله... وكذلك في الطّعام والشّراب والتّسلية... الخ. وفي ذلك كلّه، فلتدعُ يسوع ليكون الحاضر معهم وبينهم... وهكذا تتحوّل "الإقامة الجبريّة" في المنزل، إلى واحة لقاء حرّ وممتع مع يسوع الحبيب...
أيّها الإخوة، في إنجيل اليوم، نرى أندراوس، بعد اختباره الحياة مع يسوع طيلة اليوم، واكتشافه لحقيقته، ذهب والتقى أخاه بطرس، ودعاه ليأتي بدوره فينظر يسوع ويلمسه...
وبالفعل، فقد لبّى بطرس دعوة أخيه أندراوس، وأتى للقاء يسوع.. وفور الالتقاء به، "حدّق إليه وعرفه... ولكنّه غيّر له شخصيّته فورًا، إذ دعاه "بطرس" أيّ "الصّخرة"، الّتي سيبني عليها في المستقبل كنيسته.
ونحن أيّها الإخوة، وبعد أن تكون العائلة مجموعة، قد عاشت مع يسوع واختبرته، سينطلق كلّ واحد منها فيما بعد إلى عمله، إلى مدرسته، وإلى وظيفته... فيدعو كلَّ من يلتقي بهم، ليأتوا بدورهم إلى يسوع، الّذي هو كفيل بتغيير شخصيّتهم، ليكونوا "صخرة" يبني عليها عالم محبّته، وعالم ملكوت الله.
أيّها الإخوة، ونحن نحتفل بأجواء عيد الفصح المجيد، فليعبر كلّ واحد منّا، من ظلمات الكبرياء والبغض والكراهيّة والحسد واليأس والخطيئة، إلى أنوار القيامة والسّرور والفرح والمصالحة والتّسامح والرّجاء، وليكن كلّ واحد رسولًا للبشارة البهيجة. آمين.
المسيح قام... حقًّا قام!".