لبنان
11 آذار 2024, 15:00

ابراهيم من دير القدّيس انطونيوس في زحلة : لا تستسلموا للخداع فأنتم تملكون كلّ شيء بالمسيح يسوع

تيلي لوميار/ نورسات
لبّى رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم دعوة رئيس دير القدّيس انطونيوس الكبير التّابع للرّهبانيّة اللّبنانية المارونيّة، الأب جوزف شربل للمشاركة في رتبة درب الصّليب بحضور المدبّر العام للرّهبانيّة الأب ميشال ابو طقة، الأب طوني الفحل وجمهور الدير بحسب ما أورد إعلام الأبرشيّة.

وقد رحّب الأب شربل بالمطران ابراهيم بكلمة جاء فيها :

"يقول المثل الجار قبل الدّار، فكيف إذا كان هذا الجار هامة وشخصيّة روحيّة ومرجعيّة وطنيّة وإنسانيّة واجتماعيّة عظيمة، عنيت به سيادة المطران ابراهيم ابراهيم راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الكاثوليك السّامي الإحترام. وهذه الجيرة لا تقاس بالمسافات الجغرافيّة لأنّها تعبّر عن مدى القرب والمحبّة والتّقدير والإحترام من رهبان هذا الدّير ومن الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة نحوكم يا صاحب السّيادة. ونحن على ثقة أيضًا بما في قلبكم من المحبّة والتّقدير لهذه الرّهبانيّة التي تحبّكم.

بإسم جمهور هذا الدّير، وبإسم الرّهبانيّة الممثّلة اليوم بشخص المدبر العام الأب ميشال ابو طقة المحترم الحاضر معنا نرحّب بكم يا سيّدنا في بيتكم، ولكم الكلمة يا صاحب الكلمة." 

وألقى المطران ابراهيم كلمة روحيّة تطرّق فيها إلى موضوع الكذب والخداع، وجاء فيها :

"قدس الأب المدبّر الأب ميشال ابو طقة المحبوب،

قدس الأب الرّئيس جوزيف شربل المحترم،

حضرات الآباء الأحبّاء بالمسيح يسوع،

الأخوات والإخوة الأحباء

من دير الصّدق والشّفافيّة، دير مار مطانوس – زحلة، بيتُ رهبنة القدّيسين اللّبنانيين، أريد أن أحدّثكم، في هذا المساء المبارك، عن ضرورة عدم الوقوع في شرك الكذب وضرورة عدم تصديق الأكاذيب التي يبثّها الشّرير في أذهاننا.

نحن نعيش في زمن يتخطّى فيه الكذب والخداع كلّ مقياس، أكثر من أيّ وقت مضى. فعلى سبيل المثال فقد الأميركيّون حوالي 30 مليار دولار في سنة واحدة من جرّاء الاحتيالات على الهواتف، والبريد الإلكترونيّ، ووسائل التّواصل الاجتماعيّ وغيرها. سرقة معلوماتنا الشّخصيّة هي سرقة العصر. وفي لبنان تمّت أكبر عملية نصب وكذب واحتيال في التّاريخ، أطاحت بأموال المودعين وجنى أعمارهم. هؤلاء النّصّابون ماهرون ومحترفون. إنّهم يعرفون طبيعة الإنسان الهشّة ويستغلّونها دون رحمة.

لقد تعرّضنا جميعًا للنّصب في يوم من الأيّام. النّاصبون كُثُر. ومقنعون جدًا وأذكياء جدًّا. يلبسون ثياب الحملان، ينمّقون الكلام، صوتُهم يمنحك الأمان، هادئون، مخطّطون، صيّادون مهرة، ممثّلون مبدعون في السّيطرة على عضلات وجوههم، مصلّون وراكعون، متّشحون بالقداسة المزيّفة، ينتحلون الشّخصيّات المُحبَّبة، يصادقونك، يمارسون الكذب كذاك الذي أسماه يسوع: أبو الكذب. باختصار هم ليسوا ممن يلبسون المسيح، بل هم ممن يَلبَسون الشّيطان. إنّهم من قال لهم السّيّد المسيح في انجيل يوحنا "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّبِ." (يو 8: 44). ليس للشّيطان لغةٌ غيرُ لُغةِ الكذب. لغةٌ لها حروفها الخاصّة ومفرداتِها الخاصّة وقواعدُها وبلاغتها. نعم، إنها لُغَةٌ مُبدعة. عندما ينصب علينا النّاس، قد يكلِفُّنا ذلك المال والوقت والجهد. ولكن إذا بادر الشّيطان إلى خِداعنا، فقد يكلفنا ذلك مصيرَنا وحياتَنا.

 

أيّها الأحبّاء، إنّ سرقة الهويّة مشكلة كبيرة. أكبر سارق للهويّة هو أبو الكذب. إنه يعرف من أنت، يعرف أنك ابنٌ لله، مخلوقٌ على صورته ومثاله. يعرف قيمتك الحقيقيّة التي منحك الله إياها، يعلمُ أنك صِنعُ يديه. إنه يرى تاجك المتوهّج، وثوبك البار والدّم النّبيل الذي يجري في شرايينك. الشّرير سيعمل جاهدًا على إقناعك بالإيمان بأكاذيبه. يهمس لك في صميم وجدانك: أنت لا تستحق القيمة. أنت غير جذّاب. لا أحد يهتم بك. فاشل، خاسر، عاق، فاسد، ومرتكب للكثير من الأخطاء. أنظر إلى كلّ عيوبك وضعفاتك. هذا ما يحاول الشّرير أن يزرعه في فكرك. إذا صَّدقتَ تلك الأكاذيب، فسيسرق هويّتك. سيقنعك بأنّك لست من تظن نفسك عليه، وأنك ستخسر الحرب وأنّك مهزوم لا محالة. يُدخِلُكَ في صراع حقيقيّ مع الخير. هنا عليك أن تتذكّر أن السّلطة الوحيدة التي لديه عليك هي السّلطة التي تعطيه إيّاها بتصديق أكاذيبه. قوتهُ هو أنه لا يُظهِر أبدًا إلى أين يقودك، إلى أين ستنتهي محطمًا، وحيدًا، مدمنًا. إنه محتال. عروضهُ مغريةٌ.

إذا استطعت أن تصبح ماهرًا في التّعرّف على أكاذيبه وصار لديك قوّة التّمييز الحقيقيّة لن تقع بعدها ضحيةً لأكاذيبه، بل ستنقذ نفسك، وتُجنب ذاتك الكثير من الألم والحزن، وستتقدم أكثر فأكثر في حياتك. كان آدم وحوّاء لديهما حياة مثالية في الفردوس. كانوا في هذه الحديقة الرّائعة، الجميلة، الهادئة للغاية، مع تدفق الأنهار، وأنواع مختلفة من الطّعام الشّهيّ لتناوله، فواكه وثمار. كانوا يتحدّثون مع الله كلّ يوم. لم يكن هناك مرض، ولا صراع، ولا خصومة، ولا ألم. كان لهم كلَّ شيء يمكن أن يحلموا به. كان هناك شجرة واحدة من بين الآلاف أمرهم الله بعدم تناول ثمرها. لم يكن طلب الله صعبًا. كانت هناك أشجار لا تُحصى أخرى. ولكن ها هي الحيّة تأتي. قالت لحواء: لما لا تأكلين من تلك الشّجرة؟ تبدو الفاكهة جيّدة جدًّا. إنّه من الطّبيعيّ جدًا للعدوّ محاولة خداعك للتّركيز على شيء واحد لا تمتلكه بينما تتجاهل كلّ الأشياء العظيمة التي تمتلكها. حتّى عندما يُكرِّهُك بالنّاس، بأقرب النّاس إليك، يركز لك على عيب واحدٍ ويُنسيكَ كُلَّ حسناته. إنّه الزّارع الماهر للفرقة والانقسام بين البشر.

أجابت حوّاء الحيَّةَ وشرحت لها كيف أنّ الله قال: "إذا فعلنا ذلك، سنموت بالتّأكيد." ردّت الحيّة قائلة: "لن تموتوا بالتّأكيد. الله يعلم أنّه عندما تأكلون تلك الثمرة، تصبحون مثله." الخطأ الذي ارتكبته حوّاء هو أنّه بدلاً من تجاهل الحيّة، وعدم إعطائها فرصة، بدأت في التّفكير بكلامها، والتّمعّن به حتّى اقتنعت به. الكذب قد يكون مُقنعًا. إذا صدّقت تلك الفِكرة، إذا سمحت لهذا الشّعور بالانتشار، فأنت تمنح العدوّ إذنًا للدّخول والتّلاعب والخداع، تمامًا كما تفتح الباب. لهذا السّبب يحثّنا الكتاب المقدّس على حراسة عقلنا. لا تسمح لأيّ فكرة بالدّخول، عليك أن تكون انتقائيًا. اعرف مخطّطات العدوّ. فأحد أساليبه الرّئيسيّة هو التّناقض مع ما وعدك الله به."

لا تقع في الخداع. الشّرير لا يستطيع أن يقول الحقيقة. إنّه يحاول زرع الشّكّ وإثارة الإحباط حتّى تتوقّف عن الإيمان: "أقنعت حوّاء بأنّ الثّمرة تبدو لذيذة لدرجة أنّها كانت على يقين بأنّها ستجعلها أكثر ذكاء. فأكلت الثّمرة وأعطتها لزوجها، آدم. على الفور، انفتحت أعينهما. علمًا أنهما عُريانان، شعرا بالخجل. خرجا وأخذا خطوات كبيرة واختبئا في الجنّة. ماذا حدث؟ قبل دقائق قليلة فقط، قالت الحيّة: "عندما تأكلان الثّمرة، ستكونان أكثر سعادة وحكمة ونجاحًا." ولكن كان كلّ ذلك كذبًا. كانا خائفين، خجولين، مُحبطين. فالإغراء دائمًا مثير. 

لا يجوز أن نقع في الفخّ. لكن علينا أن نتمسّك بالحقّ كما قال السّيّد: "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ»." (يو 8: 32). الحقّ في ذاته المجرّدة لن يحررنا. إنّه الحقّ الذي نعرفه هو القادرُ أن يحرّرنا. معرفةُ الحق هي شرط أساسيّ للتّحرّر. عندما يحاول العدوّ زرع الشّكّ، أو الخوف، أو المساومة، عليك العودة إلى الحقّ الذي وجدته في الإنجيل. أجب على الشّكّ بالإيمان. أجب على الكذب بما يقوله الله. لديك روح الله في داخلك. لديك فِكرُ المسيح. أنت ممتلئ بالحكمة والتّمييز.

المسيحيّون المدركون مخاطر الشّرير يُصلّون كل يوم شاكرين الله على نعمة التّمييز النّابعة من الرّوح القدس، روحُ الحكمة والتّمييز، وعمله فينا الذي يمنحنا معرفة مخططات العدوّ والقدرة على تجاهل كلّ فِكرة تعارض إرادة الله. هذه الصّلاة تحرس الفِكر وتجعلنا نأخذ القرارات الصّائبة، القرارات التي تُكَرِمُ الله وتنبهنا بصوت هادئ من الأمور الخداعة، وتحملنا من مجد إلى مجد.

لا تستسلموا لإطراءِ ومديح الشّرير، لئلاّ تخسروا المعركة معه. في الأساطير اليونانيّة كان هناك حرب مستمرة لمدّة 10 سنوات بين طروادة واليونان. كانت طروادة مدينة محصّنة، آمنة للغاية. كانت تمتلك محاربين أشدّاء في القتال مُجهَّزين بأحدث المعدّات. لم يتمكّن اليونانيون من اختراقها. لم يكن لديهم القوة البشريّة الكافية. لذلك جاءوا بخطة، مكيدة.

قام اليونانيّون ببناء تمثال حصان ضخم مفتوح البطن ومصنوع من الخشب. وفي الدّاخل، أخفوا عددًا من الجنود. ثم قاموا بتقديم التّمثال كهديّة للطّرواديّين وانسحبوا بسفنهم. باعتقاد الطّرواديّين أنّ التمثال هو عربون سلام، قاموا بسحبه داخل أسوار المدينة. وأثناء اللّيل، خرج الجنود اليونانيّون من داخل التّمثال المفتوح وفتحوا أبواب المدينة للجيش اليونانيّ الذي كان ينتظر خارج الأسوار. وهاجم الجيش ودمّر المدينة. إنّ هذه الخِدعة تذكّرني دائمًا بقبلة يهوذا للمسيح. إنّها القبلة الخِدعة التي تذكّرنا بالحكمة المعروفة أنّ الغاية لا تبرر الوسيلة. هنا كانت ردَةُ فِعل المسيح الذي قال ليهوذا: أبقبلةٍ تسلّم ابن الإنسان؟ القبلة هنا أحزنت السّيّد أكثر من الخيانة.

إنّ نفس المبدأ ينطبق علينا. فنحن لا نُقهر، في داخلنا روحُ الله. لا يمكن للعدوّ أن يهزمنا. لا يمكنه إيقاف أهدافنا. ولكن إذا سمحنا له بخداعنا، إذا فتحنا أبوابنا وسمحنا له بالدّخول إلى فِكرنا، وصدّقنا الأكاذيب، سنخسر حربنا الرّوحيّة معه. لا يمكن هزيمتنا من الخارج. يجب عليه أن يتسلّل إلى عيوبنا ونقاط ضعفنا. لذا لا تفتحوا أبوابكم للشّرير. حتّى المسيح تعرّض لمثل هذه الحرب. فبعد أن اعتمد في نهر الأردن، أُخذ إلى البرّيّة ليُغرى من قِبَل العدو. أخذه الشّيطان إلى مكان أعلى. قال: إذا انحنيت أمامي، سأعطيك كلّ هذه الممالك، كلّ هذه القوّة. كأنه كان يقدّم للمسيح هذه الهدية الكبيرة. بدا أمرًا عظيمًا، ولكن كان فخاً. المسيح كان بالفعل يمتلك كلّ القوة. كان بالفعل يحكم كلّ الممالك. قال المسيح بمعنى آخر. لن أنحني لك. أنا أعرف من أنا.

أيّها الأحبّاء، إذا أتاكم أبو الكذب ليقنعكم بأنّكم فاشلون، لا كرامة لكم ولا قوّة، لا نجاح فيكم ولا استحقاق. أو إذا أتاكم بوعود كاذبة ومكائد مدمّرة وأوهمكم أنه قادرٌ أن يعطيكم مقابل السّجود له، ممالك الأرض كلّها، لا تنسوا على الإطلاق أنّكم تملكون كلّ شيء بالمسيح يسوع. تصرّفوا مثله قائلين للشّرير: إذهب عنّي يا أبو الكذب. لن أنحني أمامك، فأنا أعرف مَن أنا. آمين."