لبنان
12 آذار 2024, 13:50

ابراهيم: في الانتظار نتعلّم الصّبر والثّقة في الله

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار جولته على الرّعايا في زمن الصّوم المبارك، شارك رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم أبناء وبنات رعيّة القدّيس جاورجيوس في جب جنّين صلاة النّوم الكبرى، بحضور كاهن الرّعيّة الأب طوني رزق، المجلس الرّعويّ، وكلاء الوقف، الشّبيبة والمؤمنين. وقد ألقى ابراهيم كلمة حول "الانتظار" قال فيها بحسب إعلام الأبرشيّة:

"أنا سعيد جدًّا أن أكون معكم اليوم وأن أصلّي معكم في هذا الزّمن المقدّس الذي فيه ننتظر حلول عيد الفصح المجيد علينا كي تغمرنا أنوار القيامة. ولأنّنا في زمن انتظار مقدّس، سوف أحدّثكم اليوم عن الانتظار الذي ليس بالضّرورة أن يكون مقدّسًا أو مفيدًا في بعض الأحيان.

تقول بعض الدّراسات أنّ الإنسان يضيّع ما لا يقلّ عن عشرين بالمئة من حياته بالانتظار أيّ ما يوازي معدّل خمس سنوات كاملة. دعوة المسيحيّين هي أن يحولوا هذا الانتظار من زمن ضائع إلى زمن مقدّس. إنّ الوقت الثّمين الذي نتحدّث عنه يضيع أحيانًا في أشياء لا سيطرة لنا عليها. نضيّعه في الانتظار. ننتظر موعدًا، ننتظر دورًا، ننتظر، ننتظر فحصًا طبّيًا، ننتظر حدثًا معيّنًا، ننتظر أيّامًا أفضل.

نقف، ننتظر، نتأمّل الأيّام والسّنين، كأوراق الخريف تتساقط، تمرّ اللّحظات بلا عودة. ننتظر الفرح، ننتظر الحبّ، ننتظر الأمل، ننتظر استجابة الصّلاة، وفي كلّ انتظار يمضي الوقت ولا يعود. ننتظر القطار، ننتظر الأصدقاء، ننتظر الأحلام، ننتظر النّجاح، ننتظر السّلام، ننتظر الغد... ننتظر الوصول ونحاول الوصول على جناح السّرعة وعندما نصل لا نعرف ماذا نفعل.

أنواعٌ وأنواع من الانتظار، ولكن، هل فكّرنا يومًا أنّ هذا الانتظار يمكن أن يكون فرصة؟

يمكننا أن نستغل أوقات الانتظار للتّأمّل، للصّلاة للمطالعة، للبحث عن الله، للبحث عن الحقيقة والسّلام والخلاص والنّموّ الرّوحيّ، بدلًا من مجرّد الانتظار وهدر الوقت.

إنّ الانتظار في الكتاب المقدّس هو موقف روحيّ يتطلّب الصّبر والثّقة والامتثال لمشيئة الله. فاللّه لا يتأخّر ولا يسبق، بل يعمل في الوقت المناسب بحسب خطّته الحكيمة والمحبّة.

في العهد القديم، نجد العديد من الأمثلة على الأنبياء والقدّيسين الذين انتظروا وقت الله في حياتهم. مثل إبراهيم الذي انتظر 25 سنة حتّى ولد له ابن الوعد إسحاق (تك 12: 4، 21: 5). ومثل يوسف الذي انتظر 13 سنة حتّى تحقّقت رؤياه وصار وزيرًا في مصر (تك 37: 2، 41: 46). ومثل موسى الذي انتظر 40 سنة في برّية مديان بعدما دعاه الله لتحرير شعبه من مصر (خر 2: 15، 7: 7). ومثل داود الذي انتظر 15 سنة حتّى تولّى مُلك إسرائيل بعد مسحه من قبل صموئيل (1 صم 16: 13، 2 صم 5: 4). ومثل أيوب الذي انتظر حتّى أعاد الله له كلّ ما فقده من أهل ومال وصحّة (أيوب 42: 10-17). ومثل أرملة صرفه التي انتظرت حتّى أحيا الله ابنها بواسطة إيليّا (1 مل 17: 17-24). ومثل حنّة التي انتظرت حتّى رأت الطّفل يسوع في الهيكل (لو 2: 36-38). ومثل سمعان الذي انتظر حتّى حمل الطّفل يسوع في حضنه (لو 2: 25-32). وغيرها من الانتظارات الكثيرة التي أوردها لنا الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد.

ولا ننسى مَثل يوحنّا المعمدان الذي انتظر حتّى ظهر له يسوع وأعلن عنه (يو 1: 29-34). ومثل مريم العذراء التي انتظرت حتّى ولدت يسوع ورأته مخلّصًا للعالم (لو 2: 6-7، 2: 34-35). ومثل الرّسل الذين انتظروا حتّى حلَّ عليهم الرّوح القدس في عيد الخمسين (أع 1: 4-5، 2: 1-4). إلخ...

على ضوء كلّ ذلك، نسأل أنفسنا: ماذا ننتظر نحنُ في الحياة ومنها؟ هل ننتظر الأشياء المؤقّتة والزّائلة فقط، أم أنّنا ننتظر الأشياء الأبديّة والرّوحيّة؟

منذ دخولي الاكليريكية في دير المخلّص ونحن نرنّم دومًا: انتظار الرّقباء للصّبح والحرّاس للفجر فلينتظر إسرائيل الرّبّ: مزمور 130: 6، ". هذا المزمور هو من المزامير التي تسمّى "مزامير التّرحال" أو "مزامير الصّعود"، وهي المزامير من 120 إلى 134، التي كان يردّدها اليهود عندما يصعدون إلى القدس للعبادة في الأعياد الكبرى. هذا المزمور يعبّر عن الثّقة في الله والرّجاء في رحمته وغفرانه، ويدعو إلى الصّبر وانتظار الله في زمن الضّيق والخطيئة. كانت تشدّني تلك المقارنة بين انتظار لله بانتظار الرّقباء والحرّاس للصّبح والفجر، وهما علامتان على نهاية اللّيل وبداية النّهار، ورمزان للنّجاة والفرج. هذه العبارة تعلّمنا أن ننتظر الله بشوق وحنين وتوق، وأن نتطلع إلى مشاهدة مجده ونعمته في حياتنا، وأن نثق بأنّه سيأتي إلينا في الوقت المناسب وسيحل مشاكلنا وسيمحو ذنوبنا.

آية أخرى من المزامير تقول: من أجل اسمك انتظرتك يا ربّ انتظرت نفسي كلمتك انتظرت نفسي الرّبّ: هذه العبارة مأخوذة من مزمور 25: 21، حيث نقرأ أيضا: "لِيَكُنِ الْبَرُّ وَالاِسْتِقَامَةُ تَحْفَظَانِي لأَنِّي انْتَظَرْتُكَ يَا رَبُّ". المؤمن ينتظر الله من أجل اسمه، وهذا يعني أنه ينتظر الله لأنّه يحبّه ويمجّده ويثق بوعوده وخلاصه، وليس لأنّه يريد شيئًا منه أو يخاف منه. هذه العبارة تعلّمنا أن ننتظر الله بإخلاص وولاء وتفاني، وأن نحبّه من أجل ذاته واسمه، وأن نمجّده بأفعالنا وأقوالنا ونيّاتنا.

في الانتظار، نتذكّر، نتأمّل، نتعلّم، نتعلّم الصّبر والثّقة في الله. ففي كلّ انتظار، نتعلّم أنّ الله يعمل بطرقه الخاصّة وبتوقيته الخاصّ. قد يكون الانتظار صعبًا، ولكنّه يعلّمنا أيضًا أنّ الأشياء الجيّدة تأتي لأولئك الذين ينتظرون. من يصبر إلى المُنتهى فذاك يخلُص. نتعلّم أنّ الله لا يتركنا أبدًا وأنّه دائمًا معنا، حتّى في أوقات الانتظار الصّعبة. ففي كلّ انتظار، ينمو الوقت، كالزّهرة في الرّبيع الذي على الأبواب.

أيّها الإخوة والأخوات، يمكننا أن نقضي الوقت في انتظار ما لا يدوم، فباطل الأباطيل وكلّ شيء باطل. كما يمكننا أن نقضي الوقت في انتظار ما هو دائم وأبديّ، أيّ ما يوصلنا إلى ملكوت الله. دعونا نكون مثل العذارى الحكيمات، اللّواتي صمدن في انتظار العريس فاستحققن العرس الأبديّ. بينما العذارى الجاهلات وقعن ضحيّة جهلهن لأنّهن انتظرن ما لا يستحق.

في الختام أدعوكم إلى أن نصلّي معًا صلاةً قصيرة تُعتبرُ من أجمل صلوات الأسبوع العظيم المقدّس وهي تُعلِّمنا حكمة الانتظار: 

هوذا العروسُ يأتي في نصفِ اللّيل. فطوبى للعبدِ الذي يجدُهُ ساهرًا. أمّا الذي يجدُهُ غافلاً، فانهُ غيرُ مستحق. فاحذري يا نفسي أن تستغرقي في النّوم، لئلا تُسلمي إلى الموت، فيُغلقَ عليكِ خارجَ الملكوت. بل استيقظي صارخة: قدوسٌ، قدوسٌ، قدوسٌ أنتَ يا الله، من أجل والدة الإله ارحمنا. آمين".