إليكم ما أوصى به البابا فرنسيس حركة الفوكولاري!
"بعد إثني عشر عامًا على مغادرة كيارا لوبيتش إلى السّماء، أنتم مدعوّون لكي تتخطّوا الضّياع الطّبيعيّ وكذلك التّدهور العدديّ، لكي تبقوا تعبيرًا حيًّا لموهبة التّأسيس. هذا الأمر يتطلّب أمانة ديناميكيّة قادرة على تفسير علامات واحتياجات العصر والاستجابة للمتطلّبات الجديدة الّتي تطرحها البشريّة. يتعلّق الأمر بالبقاء أمناء للمصدر الأصليّ من خلال السّعي لإعادة التّفكير فيه والتّعبير عنه في حوار مع المواقف الاجتماعيّة والثّقافيّة الجديدة. إنّ عمل التّحديث هذا سيكون مثمرًا بقدر ما يتمّ تحقيقه من خلال تنسيق الإبداع والحكمة والحساسيّة تجاه الجميع والأمانة للكنيسة. كذلك يمكن لروحانيّاتكم، الّتي تتميّز بالحوار والانفتاح على مختلف السّياقات الثّقافيّة والاجتماعيّة والدّينيّة، أن تعزّز هذه العمليّة بالتّأكيد. وبالتّالي علينا أن ننمِّي الانفتاح على الآخرين، أيًّا كانوا: إنَّ الإنجيل موجّه للجميع، إنّه خميرة بشريّة الجديدة في كلّ مكان وزمان.
إنَّ موقف الانفتاح والحوار هذا سيساعدكم على تجنّب أيّة مرجعيّة ذاتيّة لا تأتي أبدًا من الرّوح الصّالح. هذا ما نرجوه للكنيسة جمعاء: أن تتنبّه من الانغلاق على الذّات، الأمر الّذي يؤدّي دائمًا إلى الدّفاع عن المؤسّسة على حساب الأشخاص، ويمكنه أن يؤدّي أيضًا إلى تبرير أشكال الإساءة والاستغلال أو التّستّر عليها. إنَّ المرجعيّة الذّاتيّة تمنعنا من رؤية الأخطاء والعيوب، وتُبطِئ المسيرة، وتعيق التّحقّق المفتوح من الإجراءات المؤسّساتيّة وأنماط الإدارة. بينما، من الأفضل أن نتحلّى بالشّجاعة وأن نواجه المشاكل بالجرأة والحقيقة، ونتبع على الدّوام إرشادات الكنيسة، الّتي هي أمّ حقيقيّة، ونستجيب لمتطلِّبات العدالة والمحبّة.
إنَّ الموضوع الثّاني الّذي أريد أن أقترحه عليكم هو أهمّيّة الأزمات. كلّ أزمة هي دعوة إلى نضج جديد؛ إنّها زمن الرّوح، الّذي يولِّد الحاجة إلى التّحديث، دون أن نيأس إزاء التّعقيدات البشريّة وتناقضاتها. يتمّ اليوم تسليط الضّوء بشكل كبير على أهمّيّة المرونة في مواجهة الصّعوبات، أيّ القدرة على مواجهتها بشكل إيجابيّ مستخلصين منها الفرص. إنّها مهمّة الأشخاص الّذين يشغلون مناصب إداريّة على جميع المستويات والعمل من أجل مواجهة الأزمات الجماعيّة والتّنظيميّة بأفضل الطّرق وأكثرها إيجابيّة؛ أمّا الأزمات الرّوحيّة للأشخاص، والّتي تنطوي على حميميّة الفرد ومجال الضّمير، تتطلّب أن تتمَّ مواجهتها بحكمة من قبل الّذين لا يشغلون مناصب إداريّة، على جميع المستويات، داخل الحركة. وهذه قاعدة جيّدة لا تنطبق فقط على زمن الأزمات، بل تنطبق بشكل عامّ على مرافقتهم في المسيرة الرّوحيّة. إنّها ذلك التّمييز الحكيم بين البعد الخارجيّ والبعد الدّاخليّ الّذي تعلّمنا خبرة الكنيسة وتقليدها أنّه لا غنى عنه.
النّقطة الثّالثة أخيرًا: عيش الرّوحانيّة بصدق وواقعيّة. إنَّ الهدف النّهائيّ لموهبتكم يتطابق مع النّيّة الّتي قدّمها يسوع للآب في صلاته الأخيرة العظيمة: "ليكونوا بِأَجمَعِهم واحِدًا" عالمين تمامًا أنّ هذا هو عمل نعمة الله الواحد والثّالوث: " كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضًا فينا". تتطلّب هذه النّيّة التزامًا من منظور مزدوج: خارج الحركة وداخلها. بالنّسبة للعمل في الخارج، أشجّعكم على أن تكونوا شهودًا للقرب بواسطة المحبّة الأخويّة الّتي تتخطّى جميع الحواجز وتصل إلى جميع الظّروف البشريّة. إنّها درب القرب الأخويّ الّذي ينقل حضور القائم من بين الأموات إلى رجال ونساء عصرنا، بدءًا من الفقراء والأخيرين والمهمّشين؛ من خلال العمل مع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة من أجل تعزيز العدالة والسّلام. أمّا فيما يتعلّق بالالتزام داخل الحركة، أحثّكم على تعزيز السّينودسيّة بشكل أكبر، لكي يكون جميع الأعضاء، بصفتهم حرّاسًا للموهبة عينها، مشاركين في المسؤوليّة وفي حياة حركة الفوكولاري وأهدافها المحدّدة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، على مثال كيارا لوبيتش، إصغوا على الدّوام إلى صرخة المسيح المتروك على الصليب، والّتي تظهر أسمى معايير الحبّ. إنّ النّعمة الّتي تأتي منها هي قادرة على تولّد فينا نحن الضّعفاء والخطأة أجوبة سخيّة وبطوليّة أحيانًا؛ وهي قادرة على أن تحوِّل المعاناة وحتّى المآسي إلى مصدر نور ورجاء للبشريّة."