دينيّة
10 نيسان 2020, 05:00

"إغفروا يُغفر لكم!"

ريتا كرم
"أحبّوا أعداءكم، أحسنوا معاملة الّذين يبغضونكم، باركوا لاعنيكم، صلّوا لأجل الّذين يسيئون إليكم"، هي وصيّة صعبة في ظاهرها، وإن فنّدنا باطنها لَشعرنا ربّما باستحالتها. فمن منّا ليس لديه مشكلة مع قريب أو بعيد؟ من منّا إذا أساء إليه أحد أخذه في الأحضان وغفر له على الفور؟ من منّا أدار خدّه الأيسر لمّا ضربه أخوه على خدّه الأيمن؟ باختصار من منّا ليس له عدوّ؟

 

ففي طبيعتنا البشريّة، إن أساء أحد إلينا نطلق فورًا الأحكام ونأخذ قرارًا بمقاطعته، وإن تدخّل أحدهم لأجل الصّلحة نصدّه ونمنع أن يحلّ الخير بيننا ونفتح للشّرّ والكراهيّة الأبواب على مصراعيها، ونقتل الرّحمة الّتي فينا وندين الآخر وكأنّ لنا السّلطان والحقّ في ذلك، وننسى كلام الله: "أغفروا يُغفر لكم" (لوقا 3/37) و"كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضًا في المسيح" (أفسس 4/32)، "محتملين بعضكم بعضًا ومسامحين بعضكم بعضًا إن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا". (كولوسي 3/13)

وبالمقابل، نتابع حياتنا وكأنّ شيئًا لم يكن، وأكثر من ذلك نمارس طقوسنا المسيحيّة غير مبالين لأخينا الّذي جافيناه، ونتقدّم من سرّ الإفخارستيّا من دون أن تتمّ المصالحة، متناسين ما يقوله الإنجيليّ متّى في الفصل 5/23: "إذا ذهبت إلى الكنيسة لتقدّم قربانك وتذكّرت أنّ لأخيك شيء عليك، فاترك هناك قربانك قدّام المذبح واذهب أوّلًا وصالح أخاك ثمّ عد وقدّم قربانك".

فكيف لنا أن نواجه الله وفي قلبنا بغض وحقد؟ كيف لنا أن نتناول جسده ودمه النّقيّين في حين أنّ أفكارنا لا تزال تشوّهها نوايانا السّيّئة وكبرياؤنا الرّافض النّزول عن عرشه؟ فإن كنّا نحبّ المسيح بحقّ، وَجُب علينا التّمثّل به ونسامح ونغفر لمن أساء إلينا. فمن يحبّ الله عليه أن يملك قلب الله ويتّخذ إنجيله المقدّس دستورًا لحياته ويسامح لا مرّة واحدة فقط بل سبعة وسبعين مرّة؛ وإن أردنا أن نحكم على أحد فلنتبع نصيحة القدّيس شربل ولنحكم على أنفسنا أوّلًا ولنسلك الطّريق الّتي تقودنا إلى السّماء قبل أن ينتقل من وصفناه بـ"العدوّ" إلى تلك السّماء ويغيب عن هذه الدّنيا ونبقى نحن نادمين مردّدين "يا ليته يعود فنتصالح".