إطلاق كتاب الدّليل الموحّد نحو مراكز إصغاء ومرافقة متخصّصة
شارك فيها رئيس أساقفة بيروت ورئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، النّائب البطريركيّ العامّ للشّؤون القانونيّة والقضائيّة والمشرف على المحكمة المارونيّة الابتدائيّة الموحّدة المطران حنّا علوان، منسّق مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الدّائرة البطريركيّة المارونيّة الأباتي سمعان أبو عبدو، المنسّقة ريتا الخوري، ومدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم. وحضرها أمين عامّ جمعيّة الكتاب المقدّس الدكتور مايك باسوس، والأب انطوان عطالله، والخوري إيلي ابراهيم، وأعضاء من مكتب راعويّة الزّواج والعائلة، من مراكز الإصغاء والمرافقة في الأبرشيّات المارونيّة ومن الجماعات العائليّة ولجان العائلة ومن المهتمّين والإعلاميّين.
مطر
بداية رحّب المطران مطر بالحضور وقال:
"لقاؤنا اليوم حول مراكز الإصغاء خدمة للعائلات هو لقاء تهتمّ به الكنيسة اهتمامًا خاصًّا، لأنّه يتعلّق بمصير العائلة، وكما تعلمون العائلة في العالم تمرّ وسط اهتزازات كبيرة، وقداسة البابا فرنسيس يوصينا جميعًا بأن نهتمّ بالعائلة وأن نحافظ عليها، وبالحفاظ على العائلة نحافظ على الإيمان، على نشره من جيل إلى جيل، ونشر قيم المحبّة والصّدق والثّبات على القضايا الأساسيّة، قيم القداسة، قيم الفضيلة من دون العائلة لا مجتمع، علينا أن نحافط عليها محافظتنا على عيوننا، وسيّدنا البطريرك الكلّيّ الطّوبى يوصي الأساقفة والكهنة بالاهتمام بالعائلة اهتمامًا حسيسًا.
هناك عائلات تتفكّك وهذا مؤسف، تمرّ بأزمات صعبة يجب أن نكون حاضرين لخدمتها وعلى كلّ مستوى بدءَا من الرّعيّة، كاهن الرّعيّة له دور كبير في خدمة العائلة وصولاً إلى الأبرشيّة ومطران الأبرشيّة الّذين يعملون بالمصالحات سواء على المستوى الرّاعويّ أو الأبرشيّ، وصولاً إلى المحاكم الرّوحيّة ونحيّي الرّئيس الأعلى لهذه المحاكم المطران خليل علوان حيث أنّ هناك أيضًا خدمة مصالحة. ووصولاً إلى المصالحة رأينا جمعيًا ليس فقط في لبنان بل في الكنيسة كلّها أنّ للإصغاء دور أساسيّ، تمرّ العائلة بمصاعب عندما يتمنّع الرّجل والمرأة عن التّخاطب والتّكالم وعن الإصغاء الواحد للآخر، إذا أعدنا الإصغاء ربّما نتفادى مشاكل عديدة.
هذا الدّليل الموحّد الّذي يساعد العاملين على الإصغاء على خدمة العائلات نقدّمه لكم اليوم بصورة خاصّة ليكون وسيلة عمل للّذين يعملون على المصالحات في العائلات".
علوان
ثمّ تحدّث المطران حنّا علوان حول دور المحكمة في المرافقة والوساطة العائليّة فقال:
"أشكر المسؤولين في مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الدّائرة البطريركيّة ليس فقط لوضع ونشر هذا الكتاب بل لكلّ ما يقومون فيه من نشاط في راعويّة الزّواج والعائلة، وأشكر أيضًا الأبرشيّات المارونيّة الّتي أنشأت مراكز إصغاء ومرافقة لعملها الّذي أنتج السّنة الماضية انخفاضًا ولو يسير في عدد الدّعاوى الّتي وصلت إلى المحكمة.
منذ سبع سنوات وبالتّعاون مع مكتب راعويّة الزّواج والعائلة تقوم المحكمة المارونيّة بأنشطة عدّة منها فتح مركز للمصالحات أثناء السّير بالدّعوى، وهذا عادة أصعب من السّعي للمصالحة قبل الشّروع بالدّعوى، وقد توصّل إلى مصالحات، وإلى الاتّفاق الحبّيّ الرّضائيّ بالمفاعيل المدنيّة للزّواج.
في المحكمة المارونيّة، وبعد خبرة طويلة سنبدأ السّنة المقبلة بمشروع بتّ المفاعيل المدنيّة للزّواج بالوساطة وليس بالقضاء، وهذه المفاعيل هي الحراسة والمشاهدة والنّفقة والتّعويض وما إليها من قضايا مادّيّة لا تتعلّق بصحّة الزّواج أو بطلانه الّتي هي من صلاحيّة القضاة ويجب أن تبقى كذلك.
المفاعيل ترهق الجميع من (محكمة ومتقاضين وأولاد)، وبتّ المفاعيل قضائيًّا هو الّذي يطيل مدّة التّقاضي ويخلق المشاكل بين المتقاضين ويدفعهم إلى فتح دعاوى مدنيّة وجزائيّة مختلفة. وهذه المفاعيل في العديد من البلدان المتحضّرة تبتّ بالوساطة وليس بالقضاء.
بتّ كلّ القضايا المدنيّة بالتّراضي والوساطة، والبدء تدريجيًّا بوسيطين وببعض القضايا ثمّ تكثيف العمل حتّى التّوصّل إلى فرض الطّريقة على جميع الدّعاوى. والاستعانة بوسطاء اختصاصيّين يحملون شهادات اختصاص بالوساطة الزّواجيّة القضائيّة ولهم خبرة طويلة في هذا المجال. والتّواصل يصير بين الطّرفين من دون محامين وبحضور ومساندة الوسيط. ولدى التّوصّل إلى اتّفاق رضائيّ يرفع الاتّفاق إلى القاضي الّذي يبتّ الدّعوى الأساسيّة ليتبنّاه أو يشرّعه بقرار منه بعد الاستماع إلى الطّرفين، بهذه الطّريقة تسرّع الدعاوى وتوفّر أموالاً على المتقاضين من رسوم وأتعاب محامين وجلب مستندات وغيرها.
الدّور الأهمّ والأَفْعَل هو بتّ المفاعيل المدنيّة في مراكز المصالحة والمرافقة والإصغاء في الأبرشيّات قبل إرسال الدّعوى إلى المحكمة وهذا ما توصي به الإرادة الرّسوليّة "يسوع العطوف الرّحوم". ويجب العمل على ترتيب المفاعيل في الأبرشيّة بالطّرق الرّضائيّة لدى فشل المصالحة، ويرسل نصّ الاتّفاق مع عريضة الدّعوى إلى المحكمة، بهذه الطّريقة تبتّ الدّعاوى الأساسيّة بطريقة أسرع وبكلفة أقلّ. من هنا ضرورة وجود اختصاصيّين في الوساطة في كلّ الأبرشيّات، ولهذا يقوم مكتب راعويّة الزّواج والعائلة بدروس للوساطة بالتّعاون مع جامعة القدّيس يوسف، ومن هنا ضرورة هذا الكتاب الّذي نقدّمه اليوم".
وفي الختام دعا علوان "كلّ المتقاضين الّذين يودّون حلّ المفاعيل المدنيّة لزواجهم بالتّراضي والوساطة أن يطلبوا ذلك من القاضي الّذي ينظر في الدّعوة أو من المطران المشرف لأنّ جهاز الوساطة أصبح جاهزًا في المحكمة".
أبو عبدو
كلمة الأباتي سمعان أبو عبدو عن "الهدف من هذا الدّليل" فقال:
"أمام المتغيّرات الجذريّة العديدة الّتي طرأت على حياة العائلة اليوم، وجعلتها تواجه تحدّيات كثيرة: إقتصاديّة وعلاقاتيّة ونفسيّة واجتماعيّة وروحيّة، تعرّض وحدة الأُسَر لخطر حقيقيّ، بات على الكنيسة أن تنظر عن كثب، وبعين الأمّ والمعلّمة، إلى العائلات في مراحل تأسيسها ونموّها، وصعوباتها، باذلةً قصارى جهدها كي تبقى العائلة موحَّدة وتقوم بدورها ورسالتها الرّياديّين في بناء الإنسان والمجتمع والكنيسة.
لمّا كان مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الدّائرة البطريركيّة المارونيّة وعملاً بتوجيهات وتوصيات غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، يُتابع مهامه في خدمة العائلة والعمل على وحدتها وديمومتها، ويعمل منذ أربع سنوات على موضوع الإصغاء والمرافقة والوساطة العائليّة وذلك بالتّعاون مع جامعة الحكمة والمحكمة المارونيّة الكنسيّة وجامعة القدّيس يوسف، ومع مراكز الإصغاء الموجودة حاليًّا في بعض الأبرشيّات المارونيّة؛ وبعد إجراء عدّة خلوات، منها في بكركي واجتماعات متتالية في مركز الدّائرة ودراسة الأرض جيّدًا.
نطلق معكم اليوم مولودنا الجديد، "الدّليلِ المُوحَّدِ، نحو مراكزِ إصغاء ومرافقة متخصِّصَة"؛ هو عصارةُ ساعاتٍ طويلةٍ من التّفكيرِ والحوارِ وتبادلِ الخُبُرات، بين مجموعةٍ كبيرةٍ من العاملينَ والعاملاتِ في مراكزِ الإصغاء، والاختصاصيّين والمُعالجينَ النّفسيّينَ والكهنة.
أمّا هدفُه المنشود فهو وضعُ تصوّرٍ شاملٍ لمركزِ إصغاءٍ ومرافقة عائليّة نموذجيّ يُواكبُ عن كَثَب، التّحدّياتِ الزّوجيّةِ والعائليّة في عالمِنا المعاصِر، ويُساهمُ في مُرافقةٍ مُتخصّصةٍ جدّيّةٍ وواعيةٍ لشؤونِ وشجونِ العائلاتِ عامّةً، ولهمومِ العائلات المُتعثّرةِ، سعيًا إلى ترميمِ ما قد تشوَّهَ علائقيّاً وإلى بلسمةِ الجراحِ المصابةِ بها الشّراكةُ الزّوجيّة.
من شأن هذا الدّليل أن ينير الطّريق للوصول إلى الهدف المنشود من خلال تأسيس مركز إصغاء ومرافقة ووساطة زوجيّة ذات مقاربة شاملة تجمع ما بين البعد الرّوحيّ والرّاعويّ والعلميّ والاجتماعيّ. كما يسعى هذا الدّليل إلى توضيح آليّة بناء هيكليّة متخصِّصة ومتطوِّرة ذات معايير ومواصفات نموذجيّة، توفّر الاستشارات الزّوجيّة والعائليّة والمرافقة للعائلات في وقت الأزمات ومعالجة المشاكل، واستعادة الرّوابط العائليّة ما بين أفراد العائلة الواحدة.
حُلمُنا؛ أن يكون في كلِّ أبرشيّة وفي كلّ رعيّة كبيرة أو مجموعة رعايا متجاورة جغرافيًّا أو في القطاع secteurs مركز إصغاء ومرافقة عائلية متخصّصة. ومن الممكن أن تشكّل الرّعية "النّواة الأولى" للإصغاء والمرافقة، قبل أن تُنقل الحالة لمركز متخصّص في الأبرشيّة فتشعر العائلة أنّها محتضنة في بيتها. ولا ريب أنّ هذه المرافقة المتخصّصة سوف تساهم في حماية الأولاد من الارتدادات السّلبيّة الّتي تطالهم.
نأمل أن يساعد هذا الدّليل في كيفيّة تأسيس مراكز إصغاء ومرافقة وإدارتها. إنّنا نضعه بين أيدي أصحاب السّيادة أساقفة الأبرشيّات والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين ولجان العائلة والجماعات العائليّة وأصحاب الاختصاص، للانطلاق بهذا المشروع التّأسيسيّ، ووضعه حيّز التّنفيذ في سبيل خدمة الأزواج والعائلات الّتي تواجه التّحدّيات، ولتجسيد راعويّة عائليّة جديدة، تتَّصف بالاستقبال والتّقارب. هذا هو حلم الله لخليقته المحبوبة.
عسى أن تكون مراكز الإصغاء والمرافقة مساحةً للاستماع والحوار والصّلاة والمواساة والتّفاهم والغفران المتبادل والمصالحة، فتُجسِّد الرّجاء الإنجيليّ، على الصّعيدَين العائليّ والاجتماعيّ، من أجل مستقبل أفضل زاخر بالحبّ والحنان بين أفراد العائلة الواحدة والموحَّدة باسم يسوع المسيح الّذي جاء ليجمع لا ليفرِّق".
الخوري
ثم تحدّثت ريتا الخوري عن دور مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في مؤازرة ومساندة مركز الإصغاء والمرافقة فقالت:
"في إطار مُواكبة هذا الدّليل وتفعيله قام المكتب بالمبادرات التّالية:
1) نظرًا للحاجة إلى تأهيل أفراد وأزواج يعملون من خلال الإصغاء والمرافقة في إطار النّزاعات الزّوجيّة والعائليّة تمّ الاتّفاق منذ العام 2013 على دبلوم مشترك في "الإصغاء والمرافقة العائليّة" بين معهد العائلة في جامعة الحكمة ومكتب راعويّة الزّواج والعائلة وما زالت المُحاضرات تُتابع في مركز المكتب في الزّوق وقد تمّ حتّى الآن توزيع 130 شهادة دبلوم على مُستحقّيها.
2) تأهيل اختصاصيّين في الوساطة العائليّة يعملون على إدارة النّزاع الزّوجيّ أو العائليّ والمُساعدة للوصول إلى حلول رِضائيّة وذلك بعد نيلهم شهادة في الوساطة والمصالحة من جامعة القدّيس يوسف- ألمركز المهنيّ للوساطة- بالاشتراك مع مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في مركز المكتب– في الزّوق.
3) تأمين تدريب للوسطاء في المرحلة الأولى بعد تخرّجهم من خلال مركز الوساطة والإصغاء التّابع لمكتب راعويّة الزّواج والعائلة وبإشراف من الجهة المتخصّصة.
4) يتمّ التّواصل مع المحاكم الرّوحيّة المارونيّة وذلك من خلال عقد لقاءات دوريّة لمسؤولي مراكز الإصغاء والمرافقة وعامليها مع المُشرف والمسؤولين على المحكمة الرّوحيّة المارونيّة.
5) لا بدّ من أخذ إرشادات رأس الكنيسة الأنطاكيّة المارونيّة من خلال تنظيم لقاءات مع غبطة أبينا البطريرك يتمّ خلالها إطلاعه على النّشاطات والعمل بتوجيهاته القيّمة.
6) العمل على تأمين مؤقّت أو جزئيّ لمساندة تقنيّة أو استشاريّة لمراكز الإصغاء وذلك بالتّعاون مع متخصّصين موجودين في مكتب المصالحة والوساطة التّابع لمكتب راعويّة الزّواج والعائلة في مركزه– ذوق مصبح.
7) تأمين الإطار التّعليميّ الموحّد المتعلّق بلاهوت الزّواج والعائلة وأخلاقيّات الحياة لجميع العاملين والمتخصّصين في مراكز الإصغاء من أجل توحيد الالتزام بالرّؤية المسيحيّة من خلال تنشئة مستدامة ضمن ورشات عمل وتزويد المراكز بنصوص ومراجع تعليميّة كنسيّة مناسبة.
8) تنظيم لقاءات لأعضاء ومسؤولي مراكز الإصغاء في سبيل تبادل الخبرات والتّنسيق والتّعاون فيما بينهم.
9) يتمّ الحرص على تنشئة مستدامة للاطّلاع الدّائم على المعطيات المستجدّة في ما يخصّ تقنيّات العمل والتّدخّل من خلال مؤتمرات ودورات ومحاضرات في لبنان والخارج".
وختمت بالقول "نجدّد شكرنا لكلّ العاملين في مراكز الإصغاء ولكلّ من يُساهم في إعادة اللُّحمة إلى العائلات المُفكّكة. وفّقنا الله لنكون معًا في خدمة العائلة والعمل على وحدتها وديمومتها".
أبو كسم
واختتمت النّدوة بكلمة الخوري عبده أبو كسم جاء فيها:
"نلتقي اليوم حول العائلة ومن يمثّلها في كنيستنا المارونيّة عنيت مكتب راعويّة الزّواج والعائلة، هذا المركز الّذي يدفع قدمًا في إيجاد آليّة موّحدة لإنشاء مراكز الإصغاء والمرافقة في مختلف الأبرشيّات في لبنان، وما هذا الدّليل الّذي إطلق اليوم إلّا علامة رجاء في مآسي العائلات الّتي تعيش في جحيم التّشرذم والتّفكّك، فتأتي مراكر الإصغاء لتحضن الأزواج المتعثّرين وتجري المصالحات أو تنظّم الخلافات فيما لو لم تنجج في محاولاتها الإصلاحيّة. أنتم الجنود المجهولون، وحرّاس العائلة، على مثال القدّيس يوسف".
وتوجّه إلى أرباب العائلات قائلاً "أنتم شركاء الرّبّ في مشروع الخليقة، لا تدعوا المادّة ولا الإغراءات ولا المال ولا الشّهوات تتسلّل إلى بيوتكم، حافظوا عليها، حافظوا على أولادكم من خلال شهادتكم الطّيّبة في حياتكم المشتركة. فالأولاد يتأثّرون بآبائهم وأمّهاتهم، كونوا المثل الصّالح ولا تدعوا المشاكل تتراكم بينكم، ولا تغرب الشّمس على خلافاتكم وغضبكم، فلكلّ مشكلة حلّ، هذا إن عرفتم أن تعزّزوا حبّكم كلّ يوم، وأن تتسامحوا مع بعضكم، وتجدّدوا كلّ يوم عهدكم الأبويّ الّذي تعهّدتموه أمام الله".
وختم بالقول: "في زمن الميلاد نسأل العائلة المقدّسة عائلة النّاصرة أن تحفظ عائلاتنا وتنشر سلامها في قلوبنا آمين".