لبنان
01 تشرين الأول 2020, 05:45

إطلاق الطّابع التّذكاريّ لبطريرك لبنان الكبير مار الياس بطرس الحويّك

تيلي لوميار/ نورسات
رعى البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، وبدعوة من جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، لقاء إطلاق الطّابع التّذكاريّ لبطريرك لبنان الكبير مار الياس بطرس الحويّك في قاعة البطريرك الحويّك في دير العائلة المقدّسة في عبرين- قضاء البترون في حضور ممثّل رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون المدير العامّ الدّكتور نبيل شديد، ممثّل رئيس حكومة تصريف الأعمال الدّكتور حسّان دياب الدّكتور أسعد عيد، السّفير البابويّ في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتري، ممثّلي رؤساء الطّوائف، النّائب الدّكتور فادي سعد، راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله والمطارنة حنّا علوان وبولس مطر وسمير مظلوم، ممثّلين عن قائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العامّ للأمن العامّ اللّواء عباس ابراهيم، والمدير العامّ لأمن الدّولة اللّواء أنطوان صليبا، وفد من الرّابطة المارونيّة برئاسة النّائب السّابق نعمةالله أبي نصر، نوّاب سابقين، فاعليّات رسميّة، سياسيّة، بلديّة، وعسكريّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة وتربويّة، كهنة، الرّئيسة العامّة لجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات الأخت ماري أنطوانيت سعاده وجمهور الرّاهبات، أنسباء البطريرك الحويّك وعدد من المدعوّين.

قدّم للحفل الإعلاميّ ماجد بو هدير ثمّ ألقت الأخت سعاده كلمة قالت فيها: "نلتقي في حفل إطلاق طابع تذكاريّ لرجل طبع تاريخ الوطن، وانطبعت صفاته وإنجازاته في ذاكرة أبناء الوطن ووجدانهم، حتّى قيل فيه: "كانت فضيلته محبوبة جذابة. يراه المارونيّ ويراه المسلم، الدّرزيّ والشّيعيّ، الرّفيع والوضيع، الحاكم والمحكوم، ويقف أمامه مأخوذًا بجلاله ووقاره مقتنعًا في نفسه أنّه أمام "رجل الله".

إرتبط اسم البطريرك الياس الحويّك بلبنان الكبير. أحبّه وناضل من أجله وفاخر باسمه يوم كان النّاس ينادونه: "بطريرك لبنان". كبير هو لبنان في نظر البطريرك الياس الحويّك. كبير بهويّته وكبير برسالته. هكذا رآه وفهمه وناضل من أجل جغرافيا تتوافق مع الهوّيّة والرّسالة والتّاريخ. على الطّابع التّذكاريّ، لوحة رسمها الفنّان الإيطاليّ سنغوداني في روما سنة 1899، السّنة التي انتخب فيها الحويّك بطريركًا. وأجمل ما في هذه اللّوحة أنّها تعبّر عن شخصيّة الحويّك التي تجمع اللّطف بالصّلابة، انفتاح سهول لبنان، وعظمة جباله وصلابة أرزه".

وأضافت: "البطريرك الياس الحويّك صاحب العينين المتّقدتين. عيناه نوافذ قلبه المحبّ وروحه اليقظة. بعين أمّ رقيقة نظر إلى حاجات شعبه وعطف عليه وتفانى في خدمته. وبعين أب مدبّر ومسؤول حكيم حازم، تدبّر أمور رعيّته ووطنه.

البطريرك الحويّك صاحب الجبين العريض، عالم ومعلّم. رجل حوار، عمل من أجل السّلام والتّفاهم والانفتاح على الآخر. عرف كيف يجمع اللّبنانيّين حول قضيّة واحدة وحمل صوت الجميع دونما تفرقة. بقي طيلة حياته الشّخص المرجع المعروف بحكمته وتميّيزه وواقعيّته في تقييم المواقف ومجابهة الصّعاب والمحن وفي إيجاد الحلول للخروج من الأزمات المفصليّة على كافّة المستويات السّياسيّة والاجتماعيّة والكنسيّة."

وتابعت: "على صدر الحويّك أوسمة نالها من دول عظمى، تدلّ على عظمة شخصه وشموليّة علاقاته. خلال حياته الطّويلة، تلقّى البطريرك الحويّك تقدير كبار الشّخصيّات له في لبنان وخارجه. أمّا الوسام الأحب على قلبه فكان "رضى الله" "ومجد الله". كان يردّد دومًا لنفسه وأمام الآخرين هذه الآية من المزمور 115: "لا لنا يا ربّ لا لنا لكن لإسمك أعط المجد، لأجل رحمتك وحقّك" (مزمور 115، 1). أمام ربوبيّة الله، لم تكن سيادات العالم وأمجاده تعني له شيئًا.

بشهادة معاصريه، كان الحويّك دومًا محطّ اتّفاق وإجماع كلّ اللّبنانيّين الذين كانوا يثقون به ثقة كاملة. كان مخلصًا صادقًا في كلّ علاقاته الشّخصيّة والرّسميّة. يعرف كيف يوفق بين مختلف القيادات الطّائفيّة والسّياسيّة من أجل نجاح الخير العامّ للأمّة اللّبنانيّة. سنة 1919، ترأّس الوفد اللّبنانيّ إلى مؤتمر الصّلح في فرساي مطالبًا باستقلال لبنان وباسترجاع أراضيه المسلوخة عنه. سنة 1920، تلبية لمطالبه وبحضوره، أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير في الأوّل من أيلول. يومها، قال الجنرال: "فلنشكر جميعًا هذا البطريرك الكبير الذي ذهب لا يعبأ بثقل الأيّام وأخطار السّفر وراء خيركم. أجل إنّ غبطة البطريرك الحويّك الذي كان سفيركم في معارك سياسيّة عقبت المعارك الحربيّة فاز منتصرًا، وكانت ثمرة انتصاره حكم لبنان بنفسه".

وإختتمت: "إحتفالنا اليوم بإطلاق الطّابع التّذكاريّ هو تكريم لوطن في شخص بطريرك لبنان الكبير، البطريرك الياس الحويّك. إحتفالنا فعل رجاء بمستقبل لبنان الكبير، لبنان الرّسالة، لبنان الحوار والأخوّة الشّاملة. نحتفل بالطّابع التّذكاريّ، لنتذكّر وتنطبع صورة "الكبيرين"، لبنان والبطريرك الحويّك في وجداننا الوطنيّ."

ثم تسلّمت الأخت سعاده الطّابع التّذكاريّ من ممثّلي شركة LIBANPOST خليل شبير وروني ريشا.

وكانت كلمة للدّكتور أنطوان صفير قال فيها: "أوّل الشّكر لله على هذا اللّقاء الفارح في رحاب جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة اللّواتي يحملن بأمانة كلّيّة رسالة البطريرك المكرّم السّائر على طرق القداسة... وتقديسه قريب بنعمة الله وسعي جمعيّة الرّاهبات.

وقد كلفتني جمعيّتكم الجليلة مشكورة بتقديم طلب رسميّ إلى الدّولة اللّبنانيّة للاستحصال على طابع تذكاريّ يحفظ ذكرى بطريرك لبنان الكبير... وهذا شرف لي.

وهي المرّة الثّانية التي أشعر فيها الشّعور عينه بعدما استحصلت على طابع تذكاريّ لكبيرنا بطريرك الاستقلال الثّاني مار نصرالله صفير، وذلك قبيل رحيله بأشهر معدودة. وذلك ببركتكم يا صاحب الغبطة وكلماتكم المدوّنة دليل صدق وحقّ. أنتم الرّاعي، الذي وكما سار سلفكم على هدي السّلفين بولس مسعد من عشقوت ويوحنا الحاج من دلبتا، تسيرون. وقد ورد في عظة توليتكم بطريركًا في 25 آذار 2011:

المجد يعطى للبنان وشعبه إذا كنّا كلنا للوطن، كما ننشد. فالوطن ليس لطائفة أو حزب أو فئة.

ولن يحتكره أحد لأنّ في احتكار فئة له احتقارًا لنا جميعًا، وفقدانا لهذا المجد، الذي عظمته في تنوّع عائلاته الرّوحيّة وغناها، ولا أقول في تنوّع طوائفه لأنّها صبغت بألوان سياسيّة وحزبيّة ضيقة انتزعت من هذه الطّوائف قدسيّتها وأصالة إيمانها وروحانيّة دينها."

نعم يا صاحب الغبطة، عهد إليكم مجد لبنان، وبمواقفكم، تعيدونه اليوم مجدًا للبنان وصيانة لمستقبل لبنان.

والسّؤال السّؤال في لقائنا هذا: هل يحتاج الحويّك الكبير في عليائه إلى طابع تذكاريّ؟

حتمًا لا... ولكن لبنان الكبير في مئويّته الأولى، وهو مضرج بالمآسي يحتاج إلى أن يتطبّع بأمثولاته الرّائدة، علّكم تستفيقون يا أصحاب الضّمائر الدّاكنة... فالأصوات أضحت مخنوقة والكرامات مهانة والمؤسّسات على طرق الأفلاس... والخطابات التّافهة مستمرة...!!!!

لا يحتاج الحويّك الى طابع يستذكره... فهو قد طبع التّاريخ، إذ لا يمكن أن يدوّن تاريخ مجيد للبنان إلّا وفيه صفحة مشرقة يحتلّها الحويّك في ضمير الحاضر والمستقبل.

وصورة الطّابع المعتمدة تشير إلى صفات الحسم والحزم مقرونة بطيبة البسطاء بعظمتهم، في عيون ما إرتاحت إلّا يوم أعلن لبنان كبيرًا... كما أراده البطريرك الكبير.

كيف لا، وهو الذي بعيد عودته إلى لبنان حاملًا شهادة الملفنة في اللّاهوت، دون على لائحة الشّرف إلى جانب اسمه باللّغة اللّاتينيّة: "وفتى ولد للعظائم".

وهل أعظم من الجهاد في سبيل حرّيّة لبنان وتحرير الإنسان؟

وهل أجرء من العين التي تقاوم المخرز في عزّ أيّامه. والمثل، الخلاف الشّديد بين المتصرّف واصا باشا وبين الحويّك المعارض الشّرس للسّياسة الظّالمة في جمع الضّرائب؟ وهكذا بكركي عبر تاريخها تواجه الظّلم والهوان من أن أتى حتّى بزوغ فجر آخر.

وهل أعظم من تأسيس جمعيّة راهبات تتكرّس للصّلاة والتّربية والصّحّة ، وهي على مثال لبنان الكبير منتشرة الأطياف في أصقاع لبنان والعالم؟ فكل الاحترام والشّكر حضرة الرّئيسة العامّة والمجلس الموقّر لما تقومون به ولجمع الرّاهبات، ولي بينهن راهبة عزيزة هي لي بمثابة أمّ ثانية. وتحيّة عطرة لذكرى الرّاهبات الغائبات ولاسيّما المؤسّسة الشّهيدة الأم روزالي نصر سليلة العائلة الكسروانيّة المعروفة وتحيّة وفاء إلى المثلّث الرّحمات المطران يوسف مرعي الذي احتفظ له بمحبّة عائليّة وبنيويّة. كما أحيّي الجمعيّة الأحبّ جمعيّة المرسلين اللّبنانيّين.

وهل أعظم من تشييد معبد سيّدة لبنان في حريصا حامية الوطن، مزارًا دوليًّا يؤمّه المسلمون كالمسيحيّين طلبًا لشفاعة أمّ حنون خصوصًا في هذا الزّمن الرّديء.

كيف لا نستذكر من ذكراه تدوم بطابع تذكاريّ، وقد ورد في تأبين المطران الفغالي في يوم وداعه:

"أمعن الفكرة في ماضي لبنان، فإذا هو في عراك متواصل، ما طاطأ قط للغزاة راسا، ولا أحنى لهم ظهرا، يغلب ولا يقهر، يفوز ولا يتجبر، ولم يرض دون الاستقلال منالا".

وفي احتفالنا بإطلاق الطّابع التّذكاريّ، نسترجع ذلك الحلم الذي من أجله،

ناضل مع من ناضل من الأولين… 

ولبنان الكبير في فلسفة الحويّك ليس مساحة في الجغرافيا السّياسيّة، أو نظام حكم من الأنظمة الدّستوريّة، بل إنّه وعن حقّ مساحة رساليّة - رسوليّة للعالم ولدنيا العرب.

آمن الحويّك بالفكرة المميّزة وكان من السّائرين على القول المقدّس :

"وأما أنت فأثبت على ما تعلّمت وأيقنت عارفًا ممن تعلّمت".

فرأينا الولادة معه، وبعد الولادة، كان مخاض الاستقلال محققًا مع ميثاق وطنيّ- منطلق، لم نعرف أن نحوّله إلى ميثاق وطنيّ - هدف، فأضحى غير مرتكز على أرض صلبة، وشهد هو من عليائه على حروب الكبار والصّغار على أرضنا وأجسادنا وأحلامنا.

ورأى أبناءه يقتلون ويقتلون ويتقاتلون.

وأدمت فؤاده ولا شكّ، حروب الإخوة وهجرة الشّباب والأدمغة.

ولكنّنا مرّة بعد مرّة... رأينا المسؤولين من بيننا رسلًا ولكن ليس على قدر الرّسالة… وأكثر.

نطلق طابعًا للبطريرك الحويك، فنكرّم وجوه من غابوا وحفروا الأمثولات والإنجازات، كما نستذكر الشّهود والشّهداء، كالإمام موسى الصّدر، والمفتي حسن خالد، من فتحت سجلات بكركي للتّعازي به… في تجلّ رائع للبنان الكبير.

حصلتم لبنان الكبير من دون ركون إلى لعبة الأعداد، وتبنّيتم مع كلّ مسيحيّ ومسلم رفع يد كلّ غريب.

ثبّتم هويّة لبنان عبر تأكيد الشّرعيّة الوطنيّة والتّعلّق بضمانة الشّرعيّة الدّوليّة وترسيم الحدود. ومن بعدكم استكملت المسيرة، مع البطريرك عريضة أبو الفقراء وصاحب الرّؤية الاقتصاديّة، إلى تاج الغائبين مار نصرالله صفير الذي "قال ما قاله"، وغاب ليصبح الأكثر حضورًا في وجداننا والكيان. وها هو السّابع والسّبعون، مار بشاره بطرس الرّاعي ينادي بتحرير الشّرعيّة، واستعادة الثّقة، وتحييد الوطن عن الصّراعات التي لا طائل منها.

وإختتم صفير: "في السّياسة كانت الفكرة المركزيّة عند الحويك أنّ "طائفته لبنان" بما تعني. وفي القانون، استحصل في 10/11/1919 على تعهّد خطّيّ من رئيس مؤتمر الصلح كليمنصو، يعد فيه اللّبنانيّين بالاستقلال، والجبل اللّبنانيّ بالسّهول والمرافئ البحريّة الضّروريّة لازدهاره. وإعتبر هذا التّعهد بمثابة وثيقة الاستقلال. وقد سعى إلى حسن تطبيق الانتداب وعدم تحويله شكلًا من أشكال الاستعمار، واحترام الخصوصيّة اللّبنانيّة، وإلى وضع دستور حديث يواكب المقتضيات، وهو الدّستور المدنيّ الوحيد في المنطقة كلّها، وهو حتّى اليوم ورغم النّواقص التّقنيّة من أكثر النّصوص الدّستوريّة انفتاحًا ونوعيّة وفق المعايير الدّوليّة."

ثم ألقى البطريرك الرّاعي كلمة قال فيها: "نودّ أوّلًا أن نشكر المكرّم البطريرك الكبير الياس الحويّك الذي لولاه لما كنّا هنا اليوم، كما نشكر الدّولة اللّبنانيّة وتحديدًا وزارة الاتّصالات على إصدار الطّابع التّذكاريّ ونشكر أيضًا بنات البطريرك الياس الحويّك اللّواتي يواصلن مسيرته ورسالته وحياته بيننا ويحملن الرّسالة بكلّ جوارحهنّ وقلوبهنّ."

وأضاف: "عندما نتكلّم عن طابع تذكاريّ نتناول كلمتين أساسيّتين: التّذكار والدّعوة، تذكار الشّخصيّة التي يحملها الطّابع وهذا التّذكار هو تذكار لشخصيّته ولمآثره التي سمعنا عنها في كلمات الإعلاميّ ماجد بو هدير والدّكتور أنطوان صفير والأم ماري أنطوانيت سعاده الرّئيسة العامّة وأخذنا بما يكفي نقطة من بحر البطريرك الحويّك بما يختصّ بشخصيّته. وهنا لا بدّ من أن أتوقّف عن النّقطة الثّانية والتي من أجلها كان الطّابع التّذكاريّ الذي هو بمثابة دعوة موجّهة في كلّ مرّة يرى فيها أحد منّا طابعًا على رسالة تصله. فالطّابع هو التزام والبطريرك الياس الحويّك يقول لنا "في سبيل لبنان علينا أن نصبر ونتألّم ونسهر ونصلّي" وهكذا هو عاش حياته ولم يصل إلى ما وصل إليه إلّا من خلال صراع كبير، مرّة كانت الدّول بجانبه ومرة أخرى كانت ضدّه، حينًا في العلن معه وحينًا آخر في السّرّ ضدّه، وهو كان يعرف كلّ هذه الأمور ولكنّه بقي متشبّثًا بالصبر والاحتمال وطول البال حتّى وصل إلى غايته، إعلان دولة لبنان الكبير".

وتابع البطريرك الرّاعي: "الأوطان تبنى بالتّضحيات، وتبنى بالصّبر والصّلاة هذا ما علّمنا إيّاه الحويّك ويعلّمنا أيضًا في كلمته الشّهيرة "الدّولة المدينة" التي يتحدّثون عنها وهو تحدّث عنها بجملة واحدة بسيطة جدًّا عندما قال: "الدّولة المدنيّة تعني أنّ المواطنة بدلًا من الانتماء الّطائفيّ" ونحن عندما نكون كما نعيش اليوم بتطويف كلّ شيء وتمذهب كلّ شيء، الوزارة ممذهبة، الموظّفون ممذهبون وكلّ شيء ممذهب، كلّ هذا ينتفي انتفاء كاملًا مع الّدولة المدنيّة. ليس هناك دولة مدنيّة مذهبيّة أو دولة مدنيّة طائفيّة بل هناك دولة مدنيّة عندما يصبح هناك انتماء لوطن قبل الانتماء لطائفة أو لمذهب أو لحزب أو لزعيم. ولكي نصل للدّولة المدنيّة، يقول لنا البطريرك الحويّك علينا تنقية الذّات والتّجرّد والتّضحية وخروج من الذّات أمّا الواقع الذي نعيشه اليوم فيتنافى كليًّا مع إمكانيّة إعادة بناء الدّولة المدنيّة ولبنان من أساسه دولة مدنيّة ولكن تمّ تشويهها بالممارسة."

وقال: "يعلّمنا البطريرك الحويّك أنّ لبنان أمانته تستمرّ دائمًا ونظامه جميل ودستوره من أجمل دساتير الدّول بشهادة كلّ علماء الدّستور، دستور روعة من الرّوائع واستكمل بالميثاق الوطنيّ في العام 1943 وتجدّد باتفاقيّة الوفاق الوطنيّ في الطّائف. وهذه المسيرة هي من روح الحويّك ويتمّ تفكيكها اليوم. نسمع كثيرًا عن أنّ النّظام سيّىء ولكن ما هو السّيّىء؟ أهو الدّستور الذي هو روعة من الرّوائع؟ أمّ النّظام وميثاق العيش معًا مسلمين ومسيحيّين بالتّعدديّة والاحترام المتبادل والتّكامل في وجه الأحاديّة في كلّ دول المنطقة؟ أن نعيش معًا هو سيّىء؟ أن نحترم بعضنا ونقدّم فسيفساء الوطن والعائلة اللّبنانيّة هو سيّىء؟ لا يجوز أن نشوّه الدّستور ونخالفه ونقول النّظام سيّىء، وليس عندما نرفض الاستمرار بالعيش معًا وأصبح كلّ طرف يبحث عن وسيلة عيش تناسبه ويعمد على "تشليح" غيره، نقول الميثاق الوطنيّ سيّىء؟ وماذا أقول عن اتّفاق الطّائف الذي لم ينفّذ لا روحًا ولا نصًّا وتتمّ مخالفته ونقول النّظام سيّئ. لا، كلّ شيء جميل في نظامنا وهذا من مخلّفات البطريرك العظيم والتي تلخصّها عبارتان للحويّك "طائفتي لبنان وكلّ الطّوائف هي نسيجه الاجتماعيّ" والكلمة الثّانية التي علينا أن نحفرها في ضميرنا هي "المواطنة لا الولاء الدّينيّ أو الطّائفيّ" وعلى هذا الأساس بني الدّستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطنيّ في اتّفاق الطّائف."

وطلب "من كلّ السّياسيّين التّوقف عن تجريحنا وفي كلّ مرّة يخالفون الدّستور ينتقدون النّظام ويصفونه بالسّيّىء ونحن نفاخر بهذا النّظام لأنّ ليس هناك أروع منه وهذا النّظام هو الذي سمّاه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني "نموذج ورسالة للشّرق كما للغرب" في كلماته وهذا الكلام لم يقله البابا عن أيّ بلد وعلينا أن نحفظ هذا الكلام في رسالتنا ونحافظ عليها. فالبطريرك العظيم مار الياس بطرس الحويّك يعلّمنا الأمانة للوطن، الأمانة للدّستور، الأمانة للميثاق، الأمانة لوثيقة الوفاق الوطنيّ، الأمانة لبعضنا البعض وبذلك نرى الطّابع التّذكاريّ الجميل ومن ثمّ ندرك من خلال يقظة ضميرنا ما دورنا وما هي رسالتنا فلا نتلفّظ بكلمة واحدة كما يقول أجيالنا "ما هو النّفع من هذا الوطن؟" هذا كلام لا يجوز وليس بهذا التّفكير تبنى الأوطان."

وإختتم: "لبنان ولد من بعد الحرب الكونيّة الأولى ومن بعد المجاعة في جبل لبنان والتي قتلت ثلث الشّعب اللبنانيّ وبنتيجتها ولد لبنان واليوم الحالة التي نعيشها، حالة الموت السّياسيّ والاقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ والاجتماعيّ من هذه الحالة سيولد لبنان الجديد. يا ربّ، نحن نصلّي مع الكنيسة لكي ترفع إلى مراتب الطّوباويّين في السّماء المكرّم البطريرك الكبير مار الياس بطرس الحويّك وأن يكون شفيعًا لنا في السّماء ونسير نحن على خطاه في محبّة هذا الوطن ومحبّة بعضنا بعضًا."

بعد ذلك، سلمّت الرّئيسة العامة دروعًا تذكاريّة تحتوي على الطّابع التّذكاريّ للبطريرك الرّاعي ولممثّلي شركة LIBANPOST وللدّكتور صفير والزّميل بو هدير. كما جرى توزيع الطّابع التّذكاريّ على الحضور.

وتخلّل اللّقاء محطّات مع وثائقيّ عن سيرة البطريرك الحويّك وإنجازاته من إعداد وكتابة الدّكتور ناصيف قزّي ومّما جاء فيه: "واليوم، إذ نحتفي بمئويّة هذا الإعلان... نرانا في عود على بدء، أمام علامات تشي وكأنّ الزّمن الذي نعيش، زمن الوباء والتّفلّت والانهيار والدّمار، هو الزّمن الأخير...!؟ حسبنا، نحن الموارنة، ومعنا باقي المسيحيّين والمسلمين، أن نستلهم هذه الذّكرى، راجين من الله تعالى أن يخرج شعبنا المنكوب من ظلم السّياسات التي أوقعته في اليأس.

أن نستولد من جديد لبناننا الكبير برسالته ورسوليّته... تلك هي غايتنا... ليبقى الوطن، وكما أراده البطريرك الحويّك، متلألئا وساطعًا في وحدته وتمايزه... كما وجه المسيح في هذا المشرق الجريح.... وتبقى المحبّة طريقنا والإيمان مدرستنا والرّجاء خلاصنا... إلى أبد الآبدين... آمين.

كما جرى عرض لنشيد يعود إلى العام 1926 وتم تقديمه للبطريرك الحويّك.