إسبانيا تحتفل بتطويب إكليريكيّين
"لقاء يسوع بمتّى العشّار غيّر حياته بكلمة واحدة من فم يسوع: اتبعني. والطّوباويّون الجدد كانوا قد سمعوا بدورهم دعوة يسوع كي يتبعوه وقبلوا هذه الدّعوة الإلهيّة، والتي تطلّبت استعدادًا أكبر وبطوليًّا، ولم يتردّدوا في إعلان حبّهم للمسيح وصولًا إلى أقصى هبة، بذل حياتهم الشّابة. مع العلم، أنّ الطّوباويّين الجدد هم ضحايا عداء للكاثوليكيّة سعى في تلك الفترة إلى القضاء على الكنيسة، وبشكل خاصّ على الإكليروس. وكان كافيًا لقتلة هؤلاء الطّوباويّين أن يعلموا كونهم إكليريكيّين ليُخرجوا ما في نفوسهم من عنف قاتل يحرّكه كره للكنيسة وللمسيحيّة.
ولا بدّ أن أتحدّث في السّياق عينه عن شغف الطّوباويّين التّسعة والتزامهم في مسيرة التّنشئة ليصبحوا خدّامًا للإنجيل، فكرّسوا أنفسهم لحياة الإكليريكيّة المؤلّفة من الصّلاة والدّراسة والمقاسمة الأخويّة والالتزام الرّسوليّ، وأبرزوا دائمًا الإصرار على متابعة دعوتهم، رغم أجواء التّشدُّد السّائدة، مدركين ما قد يتعرّضون إليه من خطر.
وإنّ الطوباويين التّسعة ثابروا حتى اللّحظة الأخيرة بقوّة بدون إنكار هويّتهم ككهنة في مرحلة تنشئة، ما يعني عمليًّا حكمًا بالموت في تلك الفترة. ويعني هذا أنّ كلا من هؤلاء الإكليريكيّين قد قدّم حياته عن وعي من أجل المسيح. والموت لم يُدّمر هؤلاء الطّوباويّين، ففي المسيح وبسرّ المعموديّة بدأت حياتهم الجديدة.
وعن القراءة الثّانية من سفر أشعيا "ويهديك الرّبّ في كلّ حين ويُشبع نفسك في الأرض القاحلة ويقوٍي عظامك فتكون كجنةٍ ريّا وكينبوع مياه لا تنضب" (أش 58، 11)، أؤكّد أنّ الكنيسة وبإعلانها طوباويّة هؤلاء الإكليريكيّين، ترى فيهم النّور الذي يشرق في الظلّمة والذي يتحدّث عنه النّبي أشعيا، نور سيواصل إضاءة درب مؤمني اليوم.
كلّ الشّكر للرّبّ على القوّة التي أظهرها هؤلاء الطوباويّين في حياتهم الفاضلة مسيحيًّا، وفي موتهم البطوليّ. هؤلاء الطوباويّين الشّهداء لم يهربوا أمام الصّعاب، بل اختاروا الأمانة للمسيح. وإنّ رسالتهم هي موجّهة إلى إسبانيا وإلى أوروبا بجذورها المسيحيّة المشتركة، كما ويذكِّرنا الطوباويون بأنّ المحبّة للمسيح تتغلّب على أيّ اختيار، وأنّه لا يمكن القبول بحلول وسط. هذا، ويتحدّث الطّوباويّون الجدد إلى الكنيسة في المقام الأوّل؛ وأشيرُ هنا إلى مشاعر الهول أمام الفضائح التي تشوّه وجه الكنيسة عروس المسيح.
ونحن بحاجة إلى إكليريكيّين وكهنة ومكرّسين ورعاة يتميّزون بالسّخاء مثل هؤلاء الشّهداء، نحن في حاجة ماسّة إلى كهنة أمناء ومسؤولين يحملون النّفوس إلى الله، ولا يسبّبون معاناة للكنيسة أو هولًا لشعب الله.
وفي الختام، أتضرّع كي يساعدنا هؤلاء الإكليريكيّين الشّبّان الطّوباويّين بمثلهم وشفاعتهم على تقوية التصاقنا بيسوع، وكي يساعدوا كلّ شخص معمَّد على السّير على درب القداسة؛ لأنّهم مثالًا يُحتذى به للعطاء بلا حدود أمام دعوة اللّه."