الفاتيكان
05 تشرين الأول 2023, 14:00

إرشاد رسوليّ يكمل الرّسالة العامّة "كن مسبّحًا" وفي فصولها صرخة بابويّة

تيلي لوميار/ نورسات
تزامنًا مع عيد مار فرنسيس الأسيزيّ، نُشر الإرشاد الرّسوليّ للبابا فرنسيس الّذي يحدّد ويكمل الرّسالة العامّة "كن مسبّحًا" الصّادرة عام 2015. يتألّف الإرشاد الرّسوليّ من 6 فصول و73 فقرة، يريد من خلالها خليفة بطرس "أن يحدّد ويكمِّل ما أكّده في النّصّ السّابق حول الإيكولوجيا المتكاملة، وفي الوقت عينه أن يُطلق إنذارًا ودعوةً إلى المسؤوليّة المشتركة إزاء حالة الطّوارئ المتعلّقة بالتّغيّر المناخيّ، قبل فوات الأوان"، وهو "ينظر بشكل خاصّ إلى مؤتمر الأطراف في اتّفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ (COP28) الّذي سيعقد في دُبي بين نهاية تشرين الثّاني نوفمبر وبداية كانون الأوّل ديسمبر".

وبحسب "فاتيكان نيوز"، يكتب الحبر الأعظم: "مع مرور الوقت، أدرك أنّنا لا نتفاعل بشكل كافٍ، لأنّ العالم الّذي يستقبلنا بدأ يتداعى وربّما يقترب من نقطة الانهيار" و"ليس هناك شكّ في أن تأثير تغيّر المناخ سيضرّ بشكل أكبر حياة العديد من الأشخاص والعائلات". إنّها إحدى "التّحدّيات الرّئيسيّة الّتي يجب على المجتمع والجماعة العالميّ أن يواجهاها" و"آثار التّغيّر المناخيّ يعاني منها الأشخاص الأكثر هشاشة، سواء في أوطاننا أو في جميع أنحاء العالم".

يُخصّص الفصل الأوّل للأزمة المناخيّة العالميّة. ويوضح البابا: "مهما حاولنا أن ننكرها أو نخفيها أو نجعلها نسبيّة، إلّا أنَّ علامات التّغيّر المناخيّ هي حاضرة وأكثر وضوحًا"، ويلاحظ الأب الأقدس كيف "شهدنا في السّنوات الأخيرة على ظواهر متطرّفة، فترات متكرّرة من الحرارة غير الطّبيعيّة والجفاف وغيرها من تذمّرات الأرض"، "مرض صامت يؤثّر علينا جميعًا". كذلك، يؤكّد البابا فرنسيس: "من الممكن أن نتحقّق من أنّ بعض التّغيّرات المناخيّة الّتي يسبّبها الإنسان تزيد بشكل كبير من احتمال حدوث أحداث متطرّفة أكثر تواترًا وأكثر شدّة". وإذ ذكّر أنّه إذا تمَّ تجاوز زيادة درجة الحرارة بدرجتين مئويّتين "سوف تذوب القمم الجليديّة في غرينلاند وجزء كبير من القارّة القطبيّة الجنوبيّة، مع عواقب هائلة وخطيرة على الجميع"، يجيب الحبر الأعظم على الّذين يقلّلون من تأثير التّغيّر المناخيّ "ما نشهده الآن هو تسارع غير عاديّ في ظاهرة الاحتباس الحراريّ، بسرعة كبيرة لدرجة أنّه لا يستغرق الأمر سوى جيل واحد- وليس قرون أو آلاف السّنين لكي نتنبّه لذلك". وبالتّالي "من المحتمل في غضون سنوات قليلة أن يضطرّ العديد من السّكّان إلى نقل منازلهم بسبب هذه الأحداث". كذلك درجات الحرارة القصوى هي "تعبيرات بديلة للسّبب عينه".

"في محاولة لتبسيط الواقع- يكتب البابا فرنسيس- لا يغيب الّذين يلومون الفقراء على إنجاب عدد كبير من الأبناء ويحاولون حلّ المشكلة عن طريق تشويه النّساء في البلدان الأقلّ نموًّا. كالعادة، يبدو أنّ الذنب هو ذنب الفقراء. ولكن الواقع هو أنّ نسبة صغيرة وأكثر ثراء من سكّان العالم تلوّث بنسبة خمسين في المائة أكثر من نسبة السّكّان الأشدَّ فقرًا، وأنّ انبعاثات الفرد في الدّول الأغنى تفوق بكثير تلك الخاصّة بالفقراء. كيف ننسى أنّ أفريقيا، الّتي تستضيف أكثر من نصف السّكّان الأكثر فقرًا في العالم، هي مسؤولة فقط عن جزء ضئيل من الانبعاثات التّاريخيّة؟". ويسلّط البابا الضّوء أيضًا على موقف الّذين يقولون إنّ الجهود للتّخفيف من التّغيّر المناخيّ عن طريق تقليل استخدام الوقود الأحفوريّ "ستؤدي إلى تقليل وظائف العمل". إنَّ ما يحدث في الواقع، "هو أنّ الملايين من الأشخاص يفقدون وظائفهم بسبب مختلف نتائج التّغيّر المناخيّ: ارتفاع منسوب سطح البحر، والجفاف، والعديد من الظّواهر الأخرى الّتي يتعرّض لها الكوكب تركت الكثير من النّاس في حالة يرثى لها". فيما أنَّ "الانتقال إلى أشكال الطّاقة المتجدّدة، عندما تتمّ إدارتها بشكل جيّد "هو قادر على "توليد وظائف عديدة في مجموعة متنوّعة من القطاعات. لذلك من الضّروريّ أن يهتمّ السّياسيّون ورجال الأعمال بهذا الأمر على الفور".

ويؤكّد البابا فرنسيس أنّ العامل البشريّ للتّغيّر المناخيّ هو أمر لا يمكننا أن نشكّ فيه". "إذ أنّ تركيز غازات الاحتباس الحراريّ في الغلاف الجوّيّ... قد بقي ثابتًا حتّى القرن التّاسع عشر... ولكنّه زاد بشكل متسارع في السّنوات الخمسين الأخيرة". في الوقت عينه، "زادت درجة الحرارة بسرعة غير مسبوقة، خلال الألفي سنة الماضية. وخلال هذه الفترة، كانت الاتّجاهات تشير إلى ارتفاع بمعدل ٠٫١٥ درجة مئويّة في العقد الواحد، أيّ الضّعف نسبة للسّنوات المائة والخمسين الماضية... بهذه الوتيرة، سنصل خلال عشر سنوات فقط إلى الحدّ العالميّ الأقصى لـ ١٫٥ درجة مئويّة". وسينتج عن ذلك تحمُّض المحيطات وذوبان الجليد. إنَّ الرّابط بين هذه الأحداث وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ "لا يمكن إخفاؤه. والغالبيّة العظمى من علماء المناخ يدعمون هذا الارتباط فيما تحاول نسبة ضئيلة جدًّا منهم إنكار هذه الأدلّة". للأسف، يلاحظ البابا بحزن: "إنّ الأزمة المناخيّة ليست قضيّة تهمّ القوى الاقتصاديّة الكبرى، الّتي تسعى لتحقيق أقصى ربح بأقلّ تكلفة وفي أقلّ وقت ممكن".

"أنا مجبر – يتابع البابا فرنسيس– على تقديم هذه التّوضيحات، الّتي قد تبدو بديهيّة، بسبب بعض الآراء المُزدرية وغير المعقولة الّتي أجدها حتّى داخل الكنيسة الكاثوليكيّة. ولكن لم يعد بوسعنا أن نشكّ في أنّ السّبب وراء السّرعة غير العاديّة لمثل هذه التّغيّرات الخطيرة هو حقيقة لا يمكن إنكارها: التّطوّرات الهائلة المرتبطة بالتّدخّل البشريّ الجامح في الطّبيعة". ولكن لسوء الحظّ، فإنّ بعض مظاهر هذه الأزمة المناخيّة لا يمكن عكسها لمئات السّنين على الأقلّ، في حين أنّه "لا يمكن عكس ذوبان القطبين لمئات أو آلاف السّنين". ولذلك، نحن في الوقت المناسب لكي نتجنّب المزيد من الأضرار الجسيمة. ويكتب البابا أنّ "بعض التّشخيصات المروّعة تبدو في كثير من الأحيان غير معقولة أو غير مبنيّة على أسس كافية"، ولكن "لا يمكننا أن نقول على وجه اليقين" ما سيحدث. ولذلك، من الملحِّ أن نتحلّى برؤية أوسع... إذ لا يُطلب منّا أكثر من مسؤوليّة معيّنة إزاء الإرث الّذي سنتركه وراءنا بعد عبورنا من هذا العالم". وإذ يُذكّر بخبرة جائحة فيروس الكورونا، يكرّر البابا فرنسيس: "جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض ولا أحد يخلص بمفرده".

في الفصل الثّاني يتحدّث الأب الأقدس عن النّموذج التّكنوقراطيّ الّذي "يقوم على التّفكير كما لو أنّ الواقع والخير والحقيقة يولدون تلقائيًّا من قوّة التّكنولوجيا والاقتصاد نفسها" و"يتغذّى من نفسه بشكل وحشيّ، "استنادًا إلى فكرة الإنسان الّذي لا حدود له. "لم يسبق للبشريّة أن امتلكت هذا القدر من السّلطة على نفسها، ولا شيء يضمن أنّها ستستخدمها بشكل جيّد، لاسيّما إذا نظرنا إلى الطّريقة الّتي تستخدمها بها...". ولسوء الحظ، كما تعلّمنا القنبلة الذّرّيّة أيضًا، فإنّ "النّموّ التّكنولوجيّ الهائل لم يرافقه تطوّر للكائن البشريّ على مستوى المسؤوليّة والقيم والضّمير". وفي هذا السّياق يعيد البابا التّأكيد على أنّ "العالم من حولنا ليس موضوعًا للاستغلال، أو الاستخدام غير المقيّد، أو الطّموح غير المحدود". ويذكّر أيضًا أنّنا مندمجون في الطّبيعة، و"هذا الأمر يستبعد فكرة أنّ الكائن البشريّ هو غريب، عامل خارجيّ لا يمكنه إلّا أن يسبّب الضّرر للبيئة. ويجب اعتباره جزءًا من الطّبيعة"؛ "إنّ المجموعات البشريّة غالبًا ما "خلقت" البيئة".

لقد أحرزنا "تقدّمًا تكنولوجيًّا مثيرًا ومدهشًا، ولكنّنا لم نتنبّه أنّنا في الوقت عينه قد أصبحنا خطرين جدًّا، قادرين على تعريض حياة كائنات كثيرة وحياتنا للخطر". "يتمّ تمويه الانحطاط الأخلاقيّ للسّلطة الحقيقيّة من خلال التّسويق والمعلومات الزّائفة، آليّات مفيدة في يد الّذين يملكون موارد أكبر لكي يؤثِّروا على الرّأي العامّ من خلالهما". من خلال هذه الآليّات، يتمّ إقناع سكّان المناطق الّتي يريدون أن ينفِّذوا فيها مشاريع ملوِّثة بأنّهم يمكنهم خلق فرص اقتصاديّة ووظائف، لكن "لا يُقال لهم بوضوح أنّه نتيجة لهذا المشروع" ستصبح "أرضًا مدمّرة" مع ظروف حياة غير مستقرّة. "إنَّ منطق الرّبح الأقصى بالتّكلفة الدّنيا، المموّه بالعقلانيّة والتّقدّم والوعود الوهميّة، يجعل مستحيلاً أيّ قلق صادق إزاء بيتنا المشترك وأيّ اهتمام بتعزيز الأشخاص الّذين يهمّشهم المجتمع... وإذ ينسحرون أمام وعود الكثير من الأنبياء الزّائفين، يقع الفقراء أحيانًا في خداع عالم لا يُبنَ من أجلهم". هناك "هيمنة الّذين وُلِدوا بظروف تنموية أفضل". وبالتّالي يدعوهم البابا فرنسيس لكي يسألوا أنفسهم، "أمام الأبناء الّذين سيدفعون ثمن أفعالهم"، عن معنى حياتهم.

في الفصل التّالي من الإرشاد الرّسوليّ، يتناول البابا موضوع ضعف السّياسة الدّوليّة، ويصرّ على ضرورة تعزيز "الاتّفاقيّات المتعدّدة الأطراف بين الدّول". ويشرح أنّه عندما يتعلّق الأمر بإمكانيّة وجود أيّ شكل من أشكال السّلطة العالميّة الّتي تحكمها القوانين، "لا يجب بالضّرورة أن نفكّر في سلطة شخصيّة" وإنّما في "منظّمات عالميّة أكثر فعاليّة، مزوّدة بسلطة لضمان الخير العامّ العالميّ، والقضاء على الجوع والفقر والدّفاع عن حقوق الإنسان الأساسيّة بشكل أكيد". ويجب أن "تكون مزوّدة بسلطة حقيقيّة لـضمان تحقيق بعض الأهداف الأساسيّة الّتي لا يمكن التّخلّي عنها". ويستنكر البابا فرنسيس أن "تُضيَّع الأزمات العالميّة فيما يمكنها أن تكون فرصة لإحداث تغييرات إيجابيّة. هذا ما حدث في الأزمة الماليّة لعام ٢٠٠٧-٢٠٠٨ وتكرّر في أزمة فيروس الكورونا"، واللّتان أدّتا إلى "زيادة الفردانيّة وإدماج أقلّ وحرّيّة أكبر للأقوياء الحقيقيّين، الّذين يجدون دائمًا وسيلة للخروج سالمين". "يبدو أنّ التّحدّي اليوم ليس فقط إنقاذ النّظام العالميّ المتعدّد الأطراف القديم، وإنّما إعادة تشكيله وإعادة إنشائه في ضوء الوضع العالميّ الجديد" مع الاعتراف بأنّ العديد من تجمّعات ومنظّمات المجتمع المدنيّ تساعد في تعويض ضعف المجتمع الدّوليّ. ويستشهد البابا في هذا السّياق بعمليّة أوتاوا حول الألغام المضادّة للأفراد الّتي تُظهر كيف أنّ المجتمع المدنيّ يخلق ديناميكيّات فعّالة لا تحقّقها الأمم المتّحدة.

إنَّ ما يقترحه البابا فرنسيس هو "تعدّديّة أطراف من الأسفل" وليس مجرّد قرارات تتّخذها النّخب الحاكمة... من المتوقّع أن يحدث ذلك فيما يتعلّق بالأزمة المناخيّة. لذا أكرّر أنّه إذا لم يسيطر المواطنون على السّلطة السّياسيّة- سواء على الصّعيد الوطنيّ أو الإقليميّ أو البلديّ– فلن يكون ممكنًا مقاومة الأضرار البيئيّة". وبعد أن أعاد التّأكيد على أولويّة الشّخص البشريّ والدّفاع عن كرامته مهما كانت الظّروف، يشرح الأب الأقدس أنّ "الأمر لا يتعلّق باستبدال السّياسة، لأنّ... القوى النّاشئة بدأت تصبح أكثر أهمّيّة". "وحقيقة أنّ الأجوبة على المشاكل يمكنها أن تأتي من أيّ بلد، مهما كان صغيرًا، تؤدّي إلى الاعتراف بأنّ تعدّديّة الأطراف هي درب لا مفرّ منه". لذا هناك حاجة لـ"إطار مختلف لتعاون فعّال. لا يكفي أن نفكّر في توازنات القوى، وإنّما أيضًا في ضرورة الرّدّ على التّحدّيات الجديدة والتّفاعل معها باستخدام آليّات عالميّة". نحتاج إلى "قواعد عالميّة وفعّالة". "هذا كلّه يفترض أن يتمَّ تنفيذ إجراء جديد لعمليّة اتّخاذ القرارات"؛ نحتاج إلى "أماكن للحوار والاستشارات والتّحكيم وحلّ النّزاعات والرّقابة، وباختصار، لنوع من "ديمقراطيّة" أكبر في السّاحة العالميّة، للتّعبير عن الأوضاع المختلفة وإدماجها. لن يكون مفيدًا بعد الآن دعم المؤسّسات الّتي تحافظ على حقوق الأقوياء دون الاهتمام بحقوق الجميع".

في الفصل التّالي، يصف البابا فرنسيس المؤتمرات المختلفة حول المناخ الّتي عُقدت حتّى الآن. ويشير إلى مؤتمر باريس، الّذي دخلت اتّفاقيّته حيّز التّنفيذ في تشرين الثّاني نوفمبر ٢٠١٦، ولكن "على الرّغم من أنّها مُلزمة، إلّا أنّ متطلّباتها ليست جميعها إلزاميّة بالمعنى الدّقيق، وبعضها يترك مجالًا لتقدير واسع"، كذلك لا توجد عقوبات محدّدة للالتزامات الّتي لم يتمّ الامتثال لها، ولا توجد أدوات فعّالة لضمان الامتثال. و"ما زلنا نعمل على وضع إجراءات مراقبة ملموسة وتوفير معايير عامّة لمقارنة أهداف الدّول المختلفة". يشير البابا إلى خيبة الأمل بسبب مؤتمر الأطراف في اتّفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ الّذي عقد في مدريد ويذكر بأنّ مؤتمر غلاسكو أعاد إطلاق أهداف مؤتمر باريس، مع العديد من "التّحذيرات"، ولكن "لم تتقدّم الاقتراحات الموجّهة نحو ضمان انتقال سريع وفعّال نحو أشكال طاقة بديلة وأقلّ تلوّثًا". كما شكّل مؤتمر COP27 في مصر عام ٢٠٢٢ "مثالًا إضافيًّا على صعوبة المفاوضات" وعلى الرّغم من أنّه أحدث "تقدّمًا على الأقلّ في تعزيز نظام التّمويل لـ"الخسائر والأضرار" في الدّول الأكثر تضرّرًا من الكوارث المناخيّة"، إلّا أنَّ العديد من النّقاط حول هذا الموضوع قد بقيت "غامضة". "إنَّ المفاوضات الدّوليّة لا يمكنها أن تحقّق تقدّمًا كبيرًا بسبب مواقف الدّول الّتي تفضّل مصالحها الوطنيّة على الخير العامّ العالميّ. وبالتّالي فالّذين سيتعرّضون للعواقب الّتي نحاول إخفاءها سيتذكّرون هذا النّقص في الوعي والمسؤوليّة".

وبالنّظر إلى مؤتمر الأطراف في اتّفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ (COP28) يكتب البابا فرنسيس أنَّ "القول إنّه لا يجب أن نتوقّع شيئًا سيكون إيذاء نفس متعمّد، لأنّه سيعني تعريض البشريّة بأسرها، ولاسيّما الفقراء، لأسوأ تأثيرات التّغيّر المناخيّ". ويضيف "لا يمكننا أن نتخلّى عن حلم أن يقود الـ COP28 إلى تسارع حاسم في الانتقال إلى الطّاقة المستدامة، مع التزامات فعّالة يمكن مراقبتها بشكل دائم. يمكن لهذا المؤتمر أن يكون نقطة تحوّل". ويلاحظ البابا أنّ "الانتقال الضّروريّ نحو الطّاقة النّظيفة... والابتعاد عن الوقود الأحفوريّ، لا يسير بسرعة كافية. وبالتّالي، ما يجري يمكن أن يُفسّر فقط على أنّه لعبة للتّشتيت". لا يمكننا أن نبحث فقط عن حلٍّ تقنيّ للمشاكل، "نحن نخاطر بأن نبقى عالقين في منطق التّسوية والإصلاح... فيما تسير قدمًا في العمق عمليّة تدهور نستمرّ في تغذيتها".

وبالتّالي يطالب البابا فرنسيس بوقف "السّخرية غير المسؤولة الّتي تقدّم القضيّة كقضيّة بيئيّة فقط، "خضراء"، رومانسيّة، وغالبًا ما يتمُّ الاستهزاء بها لمصالح اقتصاديّة. لنعترف أخيرًا أنّها مشكلة إنسانيّة واجتماعيّة بمعنى شامل وعلى مستويات متعدّدة. لهذا هناك حاجة لالتزام الجميع". أمّا بخصوص احتجاجات الجماعات المتطرّفة، يقول البابا إنّها "تملأ فراغًا في المجتمع بأسره، الّذي يجب أن يمارس ضغطًا سليمًا، لأنّه من واجب كلّ عائلة أن تفكّر في أنّ مستقبل أبنائها هو على المحكّ". يتمنّى البابا أن تنبثق من الـ COP28 "أشكال ملزمة للانتقال إلى الطّاقي" تكون فعّالة، "ملزمة وسهلة المراقبة". كما "نأمل أن يكون المشاركون خبراء قادرين على التّفكير في الخير العامّ ومستقبل أبنائهم، بدلاً من المصالح المؤقّتة لبلد ما أو شركة ما. فيظهر هكذا نبل السّياسة وليس خزيها... وأجرؤ تكرار هذا السّؤال على الأقوياء: "لماذا تريدون اليوم أن تحافظوا على سلطة سيتمُّ تذكّرها لعجزها عن التّدخّل عندما كان من المُلحِّ والضّروريّ القيام بذلك؟".

في الختام، يذكِّر البابا أنّ دوافع هذا الالتزام تنبعث من الإيمان المسيحيّ ويشجّع "الإخوة والأخوات من الدّيانات الأخرى على القيام بالشّيء نفسه". "إنَّ الرّؤية اليهوديّة المسيحيّة للعالم تدعم القيمة الفريدة والمركزيّة للإنسان في وسط الحفل الرّائع لجميع الكائنات". "ونحن جميعنا ككائنات في الكون مرتبطون بروابط غير مرئيّة ونشكّل عائلة عالميّة، وشركة رائعة تدفعنا إلى احترام مقدّس محبّ ومتواضع". "وهذا الأمر ليس ثمرة إرادتنا، وإنّما له أصل آخر نجده في جذور كياننا، لأنّ الله قد وحّدنا بشكل وثيق جدًّا بالعالم الّذي يحيط بنا". ويكتب البابا فرنسيس أنّ ما يهمُّ هو أن نتذكّر أنّه "لا توجد تغييرات دائمة بدون تغييرات ثقافيّة، وبدون نضج في أسلوب العيش والقناعات الاجتماعيّة، ولا توجد تغييرات ثقافيّة بدون تغييرات في الأفراد". لأنَّ "جهود العائلات لتقليل التّلوّث، والحدّ من الهدر، واستهلاك الموارد بحذر، تخلق ثقافة جديدة. والواقع البسيط لتغيير العادات الشّخصيّة والعائليّة والجماعيّة" يساهم "في تحقيق عمليّات تحوّل كبيرة تعمل من أعماق المجتمع". وختم الحبر الأعظم الإرشاد الرّسوليّ مُذكّرًا أنّ "انبعاثات الكربون للفرد في الولايات المتّحدة هي تقريبًا ضعف انبعاثات فرد في الصّين وحوالي سبع مرّات أكثر من متوسّط الدّول الأكثر فقرًا". ويؤكّد أنّ "تغيير نمط الحياة اللّا مسؤول المرتبط بالنّموذج الغربيّ سيكون له تأثير طويل الأمد. وهكذا، مع القرارات السّياسيّة الضّروريّة، سنكون على درب العناية المتبادلة"."