متفرّقات
28 تموز 2021, 10:05

إدراج مواقع ثقافية من أفريقيا والمنطقة العربية وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية في قائمة اليونسكو للتراث العالمي

تيلي لوميار/ نورسات
أدرجت لجنة التراث العالمي اليوم ثلاثة عشر موقعًا ثقافيًّا في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ووسَّعت نطاق موقع ثقافي من المكسيك كان قد سبق إدراجه. وقد أُدرج موقع مشهد المناجم في روشيا مونتانا (رومانيا) على التوازي في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر إلى أن تُزال التهديدات التي تتعرض لسلامته بسبب احتمال قيام أنشطة للتعدين فيه.

وقد أُدرجت هذه المواقع إبّان الدورة الرابعة والأربعين للجنة التراث العالمي المنعقدة عبر الإنترنت والمدارة أعمالها من مدينة فوزهو في الصين، وتنظر هذه الدورة في الترشيحات عن عام 2020 و2021، ومن المقرّر أن يستمر إدراج المواقع في قائمة اليونسكو للتراث العالمي حتى 28 تموز/يوليو.

 

وفيما يلي وصف موجز للمواقع المُدرجة حديثًا:

 

الهند، دولافيرا: مدينة من حضارة وادي السند

تمثل مدينة دولافيرا القديمة المركز الجنوبي لحضارة وادي السند، وتقع في جزيرة "خادير" القاحلة الكائنة في ولاية "غوجارات". وقد كان هذا الموقع الأثري مأهولاً خلال الفترة التي امتدت من عام 3000 قبل الميلاد حتى عام 1500 قبل الميلاد، وهو واحد من أكثر المستوطنات الحضرية التي بقيت محفوظة خلال هذه الحقبة في جنوب شرق آسيا، وهو يتضمن مدينة مسوَّرة ومقبرة. وكانت المدينة المسوَّرة تحصل على المياه من جدولَين موسميَين، فمياه المنطقة شحيحة، وهي تضمُّ قلعة شديدة التحصين وأرضاً لإقامة المراسم، وتحوي بين جنباتها شوارع ومنازل متباينة في جودتها، لتشهد على وجود المجتمع الطبقي. ويدل النظام المعقد لإدارة المياه على براعة سكان دولافيرا في كفاحهم للبقاء على قيد الحياة والازدهار في وسط بيئة قاسية. ويوجد في الموقع مقبرة كبيرة فيها أنصاب تذكارية من ستة أنماط تشهد على النظرة الفريدة لحضارة وادي السند إلى الموت. وقد وجدت التنقيبات الأثرية التي أجريت في الموقع ورشات لشغل الخرز والمشغولات الحرفية المتنوعة مثل النحاس والصدف والحجر والحلي والأحجار شبه الكريمة وطين الآجر والذهب والعاج وغيرها من المواد، وتشهد هذه الاكتشافات على الإنجازات الفنية والتقنية لهذه الثقافة. وكذلك اكتشفت أدلة على وجود تبادل تجاري في المنطقة مع مدن أخرى تنتمي إلى حضارة وادي السند، ومع مدن في بلاد الرافدين وفي شبه جزيرة عُمان.

 

إيران (جمهورية - الإسلامية)، المشهد الثقافي في هورامان/أورامنات

تقف الجبال النائية لهورامان/أورامنات شاهدة على الثقافة التقليدية لسكان هورامان الذين يشكِّلون قبيلة كردية تعتمد على الزراعة والرعي، وقد استوطنت في هذه المنطقة منذ الألف الثالث قبل الميلاد تقريباً. ويوجد هذا الموقع في قلب جبال زاغروس في محافظتَي كردستان وكرمانشاه بمحاذاة الحدود الغربية لإيران، وهو يضمُّ عنصرين: الوادي الأوسط والشرقي (زهافرود وتخت في محافظة كردستان)، والوادي الغربي (لاهون في محافظة كرمانشاه). وقد عدَّل البشر عبر آلاف السنين، مساكنهم في هذين الواديين لكي تتلاءم مع البيئة الجبلية القاسية؛ وتتسم حياة وثقافة سكان هورامان أشباه الرُّحَّل بخصائص مميزة مثل تدريج المنحدرات الحادة والزراعة في مصاطب حجرية وتربية المواشي والارتحال الرأسي الموسمي، إذ ينتقل سكان هذا الموقع للعيش في الوديان والمرتفعات على مدار العام، تبعاً لتغيُّر الفصول. ويدلُّ وجود الأدوات الحجرية والكهوف والمآوي الصخرية والتلال، وبقايا أماكن المستوطنات الدائمة والمؤقتة، والورشات والمقابر والطرقات والقرى والقلاع وغيرها، على وجودهم المستمر في هذا الموقع، الذي يتميَّز أيضاً بتنوعه البيولوجي والتوطن الاستثنائيين. وتشهد القرى الاثنا عشر الموجودة في الموقع على تطور استجابة شعب هورامان لندرة الأراضي الخصبة في بيئتهم الجبلية عبر آلاف السنين.

 

اليابان، مواقع جومون من حقبة ما قبل التاريخ في شمال اليابان

يتألَّف هذا الموقع من 17 موقعاً أثرياً، ويقع في الجزء الجنوبي من جزيرة هوكايدو وشمال منطقة توهوكو، ضمن مشهد جغرافي يتنوع بين الجبال والتلال والسهول والأراضي المنخفضة، والخلجان الداخلية والبحيرات والأنهار. وتعتبر هذه المواقع شاهدة فريدة على التطور الذي طرأ عبر 10 آلاف عام على ثقافة شعب جومون الذين كانوا مستقرين في المنطقة على الرغم من أنَّهم كانوا يعيشون مرحلة ما قبل الزراعة، وعلى منظومة معتقداتهم وطقوسهم الروحية المعقدة. كما أنَّها تشهد على نشأة مجتمع مستقر يعتمد على الصيد البري وصيد الأسماك وجمع الثمار في الألف الثالث عشر قبل الميلاد، وعلى تطور هذا المجتمع ونضجه وتكيُّفه مع التغيرات البيئية. وكان شعب جومون يعبرعن روحانيته من خلال أغراض يصنعها مثل الأواني المطلية والألواح الطينية التي تحمل طبعة أقدام، ودمية "دوغو" المشهورة ذات العينين الجاحظتين، وكذلك كان يعبر عنها من خلال حفر الأرض وإنشاء دوائر كبيرة من الأحجار يتجاوز قطرها الخمسين متراً. وتشهد هذه الممتلكات المتسلسلة على التطور النادر والضارب في القدم للاستقرار خلال فترة ما قبل الزراعة، وذلك منذ نشأته حتى وصوله إلى مرحلة النضج.

 

رومانيا، مشهد المناجم في روشيا مونتانا        

يقع موقع روشيا مونتانا ضمن جبال "أبوسيني" في سلسلة جبال "ميتاليفيري" في غرب رومانيا، ويمثِّل هذا الموقع، حتى تاريخ إدراجه في القائمة، أهم مجمَّع معروف في رومانيا لاستخراج الذهب من باطن الأرض، والأوسع نطاقاً والأكثر تنوعاً من الناحية التقنية. وقد عرف هذا الموقع في عهد الإمبراطورية الرومانية باسم "ألبورنوس مايور"، وكان منجماً كبيراً لاستخراج الذهب، فقد استخرج الرومان خلال 166 عاماً، اعتباراً من عام 106 ميلادي، زهاء 500 طن من الذهب من هذا الموقع، حيث عملوا على تطوير وسائل تقنية رفيعة المستوى، كحفر عدة أنواع من الممرات التي يصل طولها مجتمعة إلى 7 كيلومترات، وإنشاء عدد من النواعير، وذلك في أربعة مواقع تحت الأرض كانت قد اختيرت للكثافة المرتفعة للخامات فيها. وقد قدَّمت ألواح كتابة خشبية مطلية بالشمع معلومات مفصلة قانونية واجتماعية واقتصادية وسكانية ولغوية عن أنشطة التعدين الرومانية، وهي لا تخصُّ موقع "ألبورنوس مايور" بمفرده، وإنما تتعلق أيضاً بكل إقليم داشه. ويبيِّن هذا الموقع الدمج بين تكنولجيا التعدين الرومانية المستوردة والتقنيات التي طُورت محلياً والتي كانت مجهولة في أماكن أخرى خلال هذه الحقبة المبكرة. واستمر نشاط التعدين في الموقع بين العصور الوسطى والعصر الحديث، ولكنه كان أضعف من قبل. وقد قامت أنشطة التعدين الأخيرة حول الممرات الرومانية أو ضمنها، ويأتي هذا الموقع ضمن مشهد زراعي رعوي يبيِّن إلى حدٍّ كبير بنية المجتمعات المحلية التي دعمت أنشطة التعدين بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين.

(كان هذا الموقع مسجلاً أيضاً في قائمة التراث العالمي المعرَّض للخطر بسبب التهديدات الناجمة عن مشاريع استئناف أنشطة التعدين التي من الممكن أن تضرَّ بقسم كبير من مشهد المناجم المدرج في القائمة).

 

الأردن، السلط – مدينة التسامح وأصول الضيافة الحضرية

أُنشئت مدينة السلط على ثلاثة تلال متقاربة في مرتفعات البلقاء الكائنة في غرب وسط الأردن، وكانت صلة وصل تجارية لها أهميتها بين الصحراء الشرقية والغرب. وقد ازدهرت المنطقة خلال السنوات الستين الأخيرة من الفترة العثمانية، نتيجة وصول التجار القادمين من نابلس وسورية ولبنان واستقرارهم فيها، حيث أسسوا ثرواتهم من العمل في التجارة والمصارف والزراعة وتربية الحيوانات. وقد استقطب هذا الازدهار الحرفيين المهرة من عدة أجزاء من المنطقة، حيث عملوا على تحويل المستوطنة الريفية المتواضعة إلى مدينة مزدهرة ذات تخطيط وعمارة مميزَين، وهي تتسم بأبنيتها العامة الكبيرة والمساكن العائلية المبنية من الحجارة الجيرية الصفراء المحلية. ويضمُّ القلب الحضري للمدينة زهاء 650 مبناً تاريخياً بارزاً، هي مزيج بين نمط  الفن الحديث الأوروبي والطراز الاستعماري الجديد في العمارة اللذين يتداخلان مع التقاليد المحلية. ويعكس التطور الذي طرأ على المدينة بعيداً عن ممارسة الفصل فيها، التسامح القائم بين المسلمين والمسيحيين الذي وضعوا تقاليد للضيافة يدلُّ عليها وجود المضافات التي تعرف باسم "الدواوين" ونظام التكافل الاجتماعي. وقد برزت هذه الجوانب المادية وغير المادية من انصهار التقاليد الريفية مع ممارسات التجار والبائعين البرجوازيين خلال العصر الذهبي لنمو مدينة السلط بين عامي 1860 و1920.

 

كوت ديفوار، جوامع ذات طراز معماري سوداني في شمال كوت ديفوار

تتميّز الجوامع الثمانية الصغيرة المبنيّة من الطوب في تنغريلا وكوتو وسوروبانجو وساماتيغيلا ومبنغوي وكونغ وكاوارا، بما تكتنزه من إطارات خشبية بارزة، ودعامات عمودية يعلوها الفخار أو بيض النعام، ومآذن مستدقة الأطراف. وتُجسّد هذه المساجد طرازاً معمارياً يُعتقد أنّه نشأ في القرن الرابع عشر، وتحديداً في مدينة جينيه التي كانت آنذاك جزءاً من إمبراطورية مالي، والتي ذاقت طعم الازدهار بفضل قوافل تجّار الذهب والملح العابرين الذين اعتادوا عبور الصحراء متجهين نحو شمال أفريقيا.

وسرعان ما انتشر هذا الطراز المعماري جنوباً، امتداداً من المناطق الصحراوية ووصولاً إلى منطقة السافانا السودانية، وذلك اعتباراً من القرن السادس عشر بالتحديد. وأضحى يعتمد استخدام هياكل أقل ارتفاعاً ودعامات أكثر سمكاً وصلابةً كي تصمد في وجه المناخ الأكثر رطوبة في تلك المناطق. وتُعتبر هذه المساجد من الصروح التي حوفظ عليها على أفضل وجه من بين الصروح العشرين الأخرى في كوت ديفوار بعد أن كان عددها بالمئات في مطلع القرن الماضي. وتبلور الطراز السوداني المميّز للمساجد، الخاص بمنطقة السافانا غرب أفريقيا، بين القرنَين السابع عشر والتاسع عشر بفعل موجات التجار والعُلماء المتجهين جنوباً من إمبراطورية مالي. أسفرت هذه الموجات عن تمديد الطرق التجارية العابرة للصحراء نحو المناطق الحرجية. وتقف شاهداً بالغ الأهمية على التجارة العابرة للصحراء والتي يسّرت انتشار الإسلام والثقافة الإسلامية، فضلاً عن كونها تُجسّد التداخل والاندماج بين أشكال العمارة الإسلامية والمحليّة في طراز مميز لم تشبه شائبة مع مرور الزمن.

 

فرنسا، مدينة نيس، المنتجع الشتوي في منطقة الريفييرا

تقع مدينة نيس في منطقة البحر الأبيض المتوسط على مقربة من الحدود الإيطالية، وتقف شاهداً على تطوّر المنتجعات الشتوية بفضل ما تتسم به من مناخ معتدل، ناهيك عن موقعها المحاذي للبحر عند سفح جبال الألب. وأضحت مدينة نيس، منذ منتصف القرن الثامن عشر، وجهة تجذب أعداداً متزايدة من العائلات الأرستقراطية وأُسر الطبقة العليا، لا سيما الأُسر البريطانية، التي اعتادت قضاء فصول الشتاء فيها. واعتمدت مدينة نيس في عام 1832، حينما كانت جزءاً مما كان يُعرف باسم "مملكة بييمونتي سردينيا"، خطة حضرية تنظيمية هدفها جعل المدينة أكثر جاذبية للأجانب. وسرعان ما جرى توسيع مسار "كامين داي إنجليزي"، وهو طريق بعرض المترَين على طول ساحل البحر، ليصبح بمثابة منتزه مرموق يُعرف باسم "منتزه الإنجليز"، وذلك بعدما جرى التنازل عن المدينة لصالح فرنسا في عام 1860. وتوافدت أعداد متزايدة من الزوار الأجانب، لا سيما من روسيا، إلى المدينة خلال القرن التالي بحثاً عن أماكن لقضاء فصل الشتاء. وشهدت المنطقة جرّاء ذلك وعلى مراحل متعاقبة إنشاء مناطق جديدة على مقربة من المدينة التي تعود إلى القرون الوسطى. وبفعل الطيف الواسع من التأثيرات الثقافية لزوار الشتاء، مشفوعاً بالرغبة في تحقيق الاستفادة القصوى من الظروف المناخية والأجواء التي تعم المكان، تبلورت أشكال التخطيط الحضري والأنماط الانتقائية في العمارة في هذه المناطق، وسرعان ما حصدت المدينة شهرة كبيرة كمنتجع شتوي عالميّ.

 

البرازيل، موقع روبرتو بورل ماركس

يمثّل الموقع، الكائن غرب ريو دي جانيرو، مشروعاً ناجحاً طوّره مهندس المناظر الطبيعية والفنان روبرتو بورل ماركس (1909-1994، على مدار أكثر من 40 عاماً، لإنشاء "عمل فنيّ حيّ" و"مختبر مناظر طبيعية" يستخدم النباتات المستوطنة ويستقي الإلهام من الأفكار المعاصرة. تتميّز الحديقة، التي أُنشئت في عام 1949، بالسمات الجوهريّة التي باتت عنواناً لحدائق بورل ماركس ذات المناظر الطبيعية، وتركت بصمتها الخاصة في إنشاء وتطوير الحدائق المعاصرة على الصعيد الدولي. وتتميز الحديقة بالأشكال المتعرّجة، والزراعة على مساحات شاسعة كثيفة وبأشكال هندسية، فضلاً عن التباين الغني في الألوان، واستخدام نباتات استوائية، ودمج عناصر من الثقافة الشعبية التقليديّة. وكان الموقع في أواخر الستينيات يضم المجموعة الأكثر تمثيلاً للنباتات البرازيلية، إلى جانب مجموعة أخرى من الأصناف الاستوائية النادرة. وينمو في الموقع 3500 نوع من النباتات الاستوائية وشبه الاستوائية المزروعة في تناغم مع النباتات المحلية في المنطقة، ولا سيما المانغروف والريستينجاس (وهي نوع مميز من الغابات الاستوائية وشبه الاستوائية الساحلية ذات الأوراق العريضة)، والغابات الأطلسية. يوضّح موقع روبرتو بورل ماركس المفهوم الإيكولوجي للبنية، والتعاون الاجتماعي الذي هو أساس الحفاظ على البيئة والثقافة وصونهما. ويُعتبر الموقع أول حديقة استوائية معاصرة تُدرج في قائمة التراث العالمي.

 

بيرو، مجمَّع شنكيلو الأثري الفلكي

إنَّ مجمَّع شنكيلو الأثري الفلكي هو عبارة عن موقع يعود إلى عصور ما قبل التاريخ (250-200 قبل الميلاد)، ويقع في وادي كازما، شمال المنطقة الساحلية الوسطى في بيرو، ويتضمن مجموعة من الإنشاءات المقامة في الطبيعة الصحراوية التي ساعدت إلى جانب المعالم الطبيعية على تحديد الزمن، مستخدمة الشمس لتحديد التواريخ خلال العام. ويحتوي هذا الموقع على مجمَّع ثلاثي الجدران قائم في أعلى تلٍّ، ويسمِّى المعبد المحصَّن، كما يضمُّ مجمَّعين من الأبنية يسمَّيان المرصد والمركز الإداري، وصفَّاً يمتد على حافة التل يتألف من 13 برجاً مكعب الشكل، وجبل "شيرو موتشو مالو" الذي يكمِّل الأبراج الثلاثة عشر ويؤدي دور المَعلم الطبيعي. ويحتمل أنَّ مركز المراسم كان مخصصاً لعبادة الشمس، وأنَّ وجود نقطة للرصد على جانبي الأبراج الثلاثة عشر التي تصطف من الشمال إلى الجنوب، كان يفسح المجال لرصد شروق الشمس وغروبها طيلة العام. ويتبيَّن من الموقع وجود ابتكار عظيم يستخدم دورة الشمس ومؤشراً للوجهة بغية تحديد مواعيد الانقلاب الشمسي وتساوي الليل بالنهار وكذلك جميع تواريخ العام، بفارق يوم أو يومين فقط. لذلك يعتبر الموقع شاهداً على بلوغ أوج تطور تاريخي طويل الأجل في مجال الممارسات الفلكية في وادي كازما.

 

أوروغواي، عمل المهندس إيلاديو ديسته: كنيسة أتلانتيدا  

تقع كنيسة أتلانتيدا وجرسيتها وبيت المعمودية التابع لها الموجود تحت الأرض في "إستاثيون أتلانتيدا"، على بُعد 45 كم من مونتيفيديو. وإن الفن المعماري في مجمع الكنيسة، الذي دُشّن في عام 1960، مستوحى من فنون العمارة المسيحية المبكرة في إيطاليا والهندسة المعمارية الدينية التي تعود إلى العصور الوسطى، ويقف المجمع العصريّ شاهداً على الاستخدام المُبتكر للطوب المعزّز والمكشوف. وكانت الكنيسة قد شُيّدت وفقاً لخطة هندسية مستطيلة الشكل تضم قاعة وحيدة منفردة، ونجد فيها جدران متميّزة متموّجة الشكل، وتحمل سقفاً متموّجاً بنفس الشكل ومؤلفاً من أقبية غاوسية طوّرها إيلاديو دييست (1917-2000). وإنّ برج الناقوس الأسطواني، المبني على هيئة مبنى طوبيّ مزخرف تتخلله مجموعة من الفتحات، يبرز من الأرض على يمين واجهة الكنيسة الرئيسية، في حين يقع بيت المعمودية على يسار باحة الكنيسة، التي يمكن النفاذ إليها عبر مدخل منشوري ثلاثي الأبعاد يتخلله الضوء عبر كوة مركزية. وتقدّم الكنيسة مثالاً بارزاً على الإنجازات الرسمية والمكانية المميزة على صعيد العمارة الحديثة في أمريكا اللاتينية إبّان الجزء الثاني من القرن العشرين، الأمر الذي يجسد المساعي المبذولة لتحقيق المساواة الاجتماعية وترشيد استخدام الموارد، من خلال التناغم بين المقتضيات والاحتياجات الهيكلية والبنيوية من جهة، والتأثير الجمالي القوي من جهة أخرى.  

 

شيلي، الاستيطان والتحنيط الاصطناعي في ثقافة شنكورو في منطقة أريكا وباريناكوتا

يتألَّف هذا الموقع من ثلاثة عناصر: "فالديو نورتيه ديل مورو دي أريكا وكولون 10" اللذين يقعان في مدينة أريكا، و"ديسيمبو كادروا دي كامارونس" الذي يقع ضمن بيئة ريفية تبعد قرابة 100 كم باتجاه الجنوب. وتشهد هذه العناصر معاً على ثقافة البحارة الصيادين الجامعين الذين استوطنوا في الفترة التي تراوحت تقريباً بين عام 5450 قبل الميلاد وعام 890 قبل الميلاد، في الساحل الشمالي لصحراء أتاكاما الكائن في أقصى شمال شيلي، والذي يتسمُّ بأنَّه قاحل وغير مؤاتٍ للحياة. ويقدِّم هذا الموقع أقدم دليل أثري على التحنيط الاصطناعي للجثامين، حيث توجد فيه مقابر تحتوي على أجساد محنَّطة بطريقة اصطناعية وأخرى حُفظت بفعل الظروف البيئية. وقد أتقن شعب شنكورو مع الوقت، ممارسات معقدة مرتبطة بدفن الموتى، حيث كانوا يقومون بطريقة منهجية، بتقطيع أوصال جثامين الرجال والنساء والأطفال الذين ينتمون إلى جميع أطياف المجتمع بغية تشكيل مومياءات "اصطناعية"، تتمتع بمزايا مادية ونحتية وجمالية يُفترض أنَّها تعكس الدور الأساسي للموتى في مجتمع شنكورو. وقد وُجدت في الموقع أدوات مصنوعة من مواد معدنية ونباتية وكذلك وُجدت معدات بسيطة مصنوعة من عظام وأصداف خوَّلتهم استغلال الموارد البحرية على نحو مكثَّف، مما يمثِّل شهادة للحياة الروحانية المركبة لثقافة شنكورو.

 

المكسيك، المجمَّع الفرنسيسكاني لدير وكاتدرائية رقاد السيدة في تلاكسكالا [توسيع "أديرة أوائل القرن السادس عشر الواقعة على سفوح بوبوكاتيبيتل" المدرجة في القائمة في عام 1994]

يمثَّل المجمَّع الفرنسيسكاني لدير وكاتدرائية رقاد السيدة جزءاً من أول برنامج للبناء، وكان قد استُهلَّ في عام 1524 بغية التبشير في الأقاليم الشمالية للمكسيك واستعمارها. وكان هذا المجمَّع واحداً من الأديرة الخمسة الأولى التي أنشأها الرهبان الفرنسيسكان والدومينيكان والأوغسطينيين، ووهو واحد من الثلاثة المتبقية منها، وقد سبق إدراج الديرين الآخرين قي قائمة التراث العالمي. ويعتبر مجمَّع تلاكسكالا مثالاً على النمط المعماري وأسلوب تخطيط المكان اللذين طُورا بما يتلاءم مع الإطار الثقافي الجديد، فأدخلا عناصر محلية من أجل تهيئة الأماكن مثل الباحات الفسيحة والكنائس من طراز "كابيلا بوسا". ويتحلَّى المبنى بسمتين خاصتين أخريين، ألا وهما وجود برج قائم بذاته وسقف خشبي مشغول على طريقة الفن المدجَّن، وتغيب هاتان السمتان عن الديرين الآخرين اللذين سبق إدراجهما في قائمة التراث العالمي كجزء من هذه الممتلكات المتسلسلة. ويُسهم هذا الموقع في فهم أفضل لتطور النمط العمراني الجديد الذي أثَّر في التطور الحضري وفي أبنية الأديرة على حدٍّ سواء حتى القرن الثامن عشر.

 

ألمانيا / هولندا، تخوم الإمبراطورية الرومانية – الحدود الجرمانية الدنيا    

يمتد هذا الموقع على طول 400 كم تقريباً بمحاذاة الضفة اليسرى لنهر الراين الأدنى، ويبدأ من كتلة جبال الراين في ألمانيا وينتهي في ساحل بحر الشمال في هولندا، ويتألف هذا الموقع العابر للحدود من 102 عنصراً ضمن قطاع واحد من حدود الإمبراطورية الرومانية، التي توسَّعت خلال القرن الثاني الميلادي لتمتد على طول 7500 كم عبر أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويضمُّ الموقع بين جنباته مواقع وبنى أساسية عسكرية ومدنية كانت نقاط علام للحدود الجرمانية الدنيا من القرن الأول الميلادي حتى القرن الخامس الميلادي. ويوجد في الموقع بقايا أثرية تتنوع بين قواعد عسكرية وحصون وتحصينات وأبراج، ومعسكرات مؤقتة وطرق وموانئ وقواعد للأساطيل، وقناة وقناة لجر المياه، ومستوطنات للمدنيين ومدن ومقابر ومعابد ومدرَّج وقصر، ولا يزال مجمل هذه البقايا الأثرية تقريباً مدفوناً تحت الأرض. وقد أدَّت الترسبات المشبعة بالمياه في الموقع، دوراً في حفظ المواد الإنشائية والعضوية بدرجة كبيرة، وهي تنحدر من الحقب التي سادت فيها الإمبراطورية الرومانية وقامت باستخدامها.

 

ألمانيا، موقع ثلاثية المدن "شوم": شباير وفورمز وماينز

يقع الموقع المتسلسل في مدن الكاتدرائيات الإمبراطورية سابقاً، ألا وهي مُدن شباير وفورمز وماينز الكائنة في وادي الراين الأعلى. ويضم الموقع محكمة تعود للمجتمع المحلي اليهودي وهياكل معبد يهودي ومعبد آخر للنساء اليهوديات (أي "شول" باللغة اليديشية) وبقايا أثرية لمدرسة "يشيفا" الدينية وفناء "الميكفاه" (مكان الاستحمام التعبّدي) وسردابه الذي لم تَشِبه شائبة وحافظ على الجودة الرفيعة للعمارة والبناء فيه. ويضم الموقع أيضاً مجمع المعبد اليهودي في فورمز، والكنيس الذي يعود تاريخه للقرن الثاني عشر وكنيس النساء الذي يعود للقرن الثالث عشر اللذين رُمّما بعد الحرب، ومجلس المجتمع المحلي (بيت راشي)، والميكفاه الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر. ويضم الموقع المتسلسل أيضاً المقبرة اليهودية القديمة في ماينز. ويجسّد الموقع المؤلف من أربعة مكوّنات البداية المبكّرة لتقاليد الأشكناز وتبلوُرِ مفهوم أنماط الاستيطان لدى مجتمعات مدن "الشوم"، لا سيما بين القرنَين الحادي عشر والرابع عشر. هذا وغدت المباني والصروح التي يتألف منها الموقع بمثابة نماذج أولية للمجتمع اليهودي والمباني الدينية في المراحل اللاحقة، فضلاً عن المقابر الأوروبية. وإنّ الاسم المختصر "شوم" مؤلف من الأحرف الأولى من أسماء المدن شباير وفورمز وماينز.

 

المصدر: اليونسكو