كندا
25 آب 2025, 09:30

إبراهيم من كاتدرائيّة المخلّص- مونتريال: اليوم أقف بينكم كحاجّ

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار زيارته الرّاعويّة إلى كندا، احتفل رئيس أساقفة أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بالقدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة المخلّص- مونتريال، بمشاركة راعي الأبرشيّة المرطان ميلاد الجاويش.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى ابراهيم عظة جاء فيها بحسب إعلام الأبرشيّة: 

"سلام الرّبّ يسوع معكم جميعًا. إنّ وجودي بينكم اليوم في كاتدرائيّة المخلّص هنا في مونتريال ليس زيارة عاديّة، بل هو حجّ روحيّ إلى مكان مقدّس، لأنّ قدسيّته لا تأتي فقط من حجارة بُنيت، بل من وجوهكم الكريمة الّتي تضيء بالإيمان، ومن صلواتكم الّتي ترفعونها جيلًا بعد جيل. إنّني أقف بينكم وكلّي شوق وحنين، أحمل في قلبي ذكرى الأيّام الّتي كان لي شرف خدمتكم فيها، وأشعر وكأنّي أعود إلى بيتي، حيث المحبّة الّتي جمعتنا لا تزال حيّة في داخلي.

لقد سمعنا معًا اليوم الإنجيل الشّريف من متّى الفصل الثّامن عشر، مثل العبد الّذي سامحه سيّده بدين عظيم ولم يشأ أن يسامح رفيقه على دين صغير. إنّه مثل يهزّ أعماقنا لأنّه لا يصف فقط واقعًا بعيدًا، بل يلامس حياتنا اليوميّة. نحن جميعًا مدينون أمام الله بديون لا تُحصى: خطايانا، ضعفنا، تقصيرنا، كلّ ما نعرفه وما لا نعرفه. ومع ذلك فإنّ الله يغمرنا بغفران غير محدود، يفتح أمامنا باب الرّحمة على مصراعيه. ولكن المأساة تبدأ حين ننسى أنّنا نحن أيضًا قد نلنا الرّحمة، فنقف أمام أخينا نحاسبه بقسوة، ونطالبه بدقّة، ونرفض أن نمنحه ما أُعطي لنا مجّانًا.

الغفران، أيّها الإخوة، ليس قانونًا أخلاقيًّا فقط، بل هو قلب الإنجيل، هو روح المسيحيّة، هو طريق الملكوت. من لا يغفر يحبس نفسه في زنزانة من غضب وكراهيّة، ومن يغفر يحرّر نفسه قبل أن يحرّر الآخر. الغفران ليس ضعفًا، بل هو قوّة، لأنّه يحتاج إلى قلب يشبه قلب الله. ولأنّ الرّبّ يعرف قساوة قلب الإنسان ختم المثل بكلمة تحذيريّة: "هكذا أبي السّماويّ يصنع بكم إن لم يغفر كلّ واحد منكم لأخيه من قلبه." الغفران الّذي يطلبه الرّبّ منّا ليس شكليًّا ولا كلامًا سطحيًّا، بل هو غفران من القلب، يلمس العمق، يبدّل النّظرة، ويعيد بناء الجسور.

في هذا الزّمن الّذي يكثر فيه الانقسام، حيث نشهد حروبًا ونزاعات وأحقادًا، تصبح رسالة الكنيسة شهادة حيّة للغفران. أنتم هنا في كندا، في قلب هذا المجتمع، مدعوّون أن تكونوا خميرة سلام، أن تشهدوا بأنّ المسيحيّة ليست مجرّد طقوس، بل حياة تُعاش، وغفران يُمنح، ومصالحة تتحقّق. لا يكفي أن نطلب الغفران من الله، بل أن نترجمه في حياتنا اليوميّة: في العائلة، في الجماعة، في العمل، في الكنيسة. حين تصبح الكنيسة جماعة غفران، تتحوّل إلى مستشفى روحيّ يلتجئ إليه كلّ جريح ليجد شفاءً، وكلّ بعيد ليجد بيتًا.

أحبّائي، إنّني اليوم أقف بينكم كحاجّ، أحمل صلواتي وشوقي وأضعهما على مذبح الرّبّ مع صلواتكم. أعود إلى هذه الكاتدرائيّة الّتي غدت بالنّسبة إليَّ مكانًا مقدّسًا بكم أنتم، بالحجارة الحيّة الّتي أنتم عليها. أشكر الله الّذي سمح لي أن ألتقي بكم مجدّدًا، وأشكره لأنّه أعطاني نعمة أن أرى في وجوهكم صورة المسيح، وألمس فيكم حضور الرّوح القدس الّذي يجمعنا رغم المسافات ورغم السّنين.

صلاتي أن يبقى هذا البيت منارة إيمان وواحة غفران، وأن تستمرّوا أنتم أبناءه شهودًا للرّحمة في هذا العالم. وأطلب من الرّبّ أن يليّن قلوبنا جميعًا لنشبهه في محبّته، وأن يجعل من حياتنا شهادة حيّة لإنجيله.

أحبّائي، خدمتي لكم كانت نعمة، ورؤيتكم اليوم هي عيد، وذكراكم في قلبي صلاة دائمة. فليملأكم الرّبّ بسلامه، وليغمر بيوتنا وكنائسنا بفرح الغفران، ولنجعل جميعًا من حياتنا أناشيد رحمة تمجّد الله في كلّ حين."