إبراهيم من صغبين: إذا استسلمنا للخوف واليأس نفقد لبنان
وللمناسبة، ترأّس ابراهيم القدّاس الإلهيّ في كنيسة سيّدة الانتقال بمشاركة كاهن الرّعيّة الأب زاكي التّنّ والأب شربل راشد، بحضور رئيس عامّ الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الأباتي بيار نجم، وكاهن رعيّة القدّيس جاورجيوس المارونيّة في صغبين الأب الياس الخوري، وعدد من الرّاهبات، وفعاليّات رسميّة وبلديّة واختياريّة، وحشد من أبناء البلدة.
بعد الإنجيل المقدّس، كان للمطران ابراهيم عظة شكر فيها الأهالي على حفاوة الاستقبال ودعاهم إلى عدم الخوف والتّمسّك بالأمل والرّجاء وقال: "بداية اسمحوا لي بأن أرحّب بالأباتي بيار نجم ابن هذه البلدة صغبين التي أعطت ليس فقط رجالات عظام لهذا الوطن الّذي يحتاج لأمثال هؤلاء من القادة المستقيمين في كلامهم وأعمالهم، كما أرحّب بسعادة النّائب شربل مارون وبالحضور جميعًا.
اليوم جميل لأنّ يسوع يقدّم لنا ذاته من جديد في سرّ الإفخارستيّا، يعطينا جسده ودمه. نحن نتقبّل هدايا كثيرة في حياتنا، نتقبّل كلامًا جميلاً وأشياء جميلة لكن لا أحد يستطيع أن يعطينا جسده ودمه في سرّ إلهيّ كما يعطينا إيّاه يسوع ابن الله الحيّ. فإذا كان صاحب هذه العطيّة العظيم يسوع المسيح واحد لا مثيل له، هل ممكن أن نحبّ أحدًا أكثر منه؟ أو نقدّر أحدًا أكثر منه؟ وهو العاطي الحياة، هو الألف والياء.
نحن نعيش في زمن صعب كما كان يعيش قائد المئة الّذي سمعنا عنه في إنجيل اليوم وابنه مقعد معذّب يتألّم كلّ يوم أكثر من الآخر، وهذا الشّيء يشعرنا وكأنّ وطننا هو أيضًا مقعد وآلامه تزداد يومًا بعد يوم. قائد المئة يعرض مشكلته بحضور يسوع ويسوع يبادر بدون أيّ دعوة ويقول "أنا آتي وأشفيه" وهذا ما ننتظره نحن أن يكون لدينا إيمان كإيمان قائد المئة بأنّ يسوع قادر دون أن يزورنا في بيوتنا أن يشفينا، فكما قال قائد المئة "قل كلمة واحدة فيشفى ابني". هذا الإيمان الّذي ينقصنا في لبنان، في قلوبنا وأفكارنا لكي نصرخ بصوت واحد "يا ربّ نحن نؤمن فأعن قلّة إيماننا" زرنا بكلمتك وحضورك الإلهيّ، بجسدك ودمك لكي نشفى أوّلاً من ألمنا وعذابنا الدّاخليّ. كلّ الأزمات الخارجيّة تبقى خارج نفوسنا إذا تحصّنا بالإيمان ومحبّة الرّبّ. وعدوّ الإيمان هو الخوف، فإذا استسلمنا للخوف نقضي على الإيمان الّذي فينا ونحن اليوم في وضع لا يجب أن نستسلم للخوف. بلدان كثيرة تعرّضت لأزمات اقتصاديّة وأزمات فساد مشابهة وربّما أقوى من الأزمة الّتي يمرّ بها لبنان، لكن بالرّغم من ذلك استطاعوا تجاوزها وأكملوا ولم يمّحوا عن خريطة العالم لأنّه بقي في قلوبهم إيمان، فإذا استسلمنا للخوف واليأس نفقد لبنان، لبنان يبنى اليوم كما الأمس وكما غدًا على ثباتنا وإيماننا وعلى قوّتنا الرّوحيّة. ونحن اليوم يجب أن يكون لدينا التّواضع أن نقول إنّه أحيانًا الملحدين لديهم إنسانيّة وإيمان في أوطانهم وبالإنسان أكثر منّا كمؤمنين نركع ونطوّل صلواتنا ونكثر من تراتيلنا لكن محبّتنا قليلة وإيماننا قليل ولا نعرف أن نقيم هذا التّوازن. إذا كنّا نريد أن نستمرّ كمسيحيّين في هذا الشّرق وفي هذا الوطن العظيم الّذي لا يوجد أغنى منه في العالم، فهو غنيّ بشعبه، بإيمانه، بتاريخه وحضارته. منذ أيّام قليلة احتفلت بالقدّاس الإلهيّ في بلدة تلّ دنوب وأخبروني أنّه يوجد فيها بئر نفط وبئر غاز مختومين بالشّمع الأحمر منذ أكثر من ستّين عامًا. نحن عائمين على خيرات ممنوع علينا لمسها أو استعمالها أو الاستفادة منها. لبنان ليس فقيرًا لكن الدّول الّتي تسيطر عليه أفقرته. وبالرّغم من ذلك لا يستطيعون محونا أو تغيير اتّجاهنا في التّاريخ، سنبقى مستمرّين إلى الأمام مهما نقص عددنا لأنّ الأهمّ هو الإيمان والثّبات والعلم وبالمحبّة الكبيرة. وإذا استغلّ لبنان خيراته يصبح أغنى دولة في العالم. واليوم ونحن في طريقنا إلى صغبين شاهدنا طوابير النّاس أمام الأفران تنتظر ربطة الخبز ليس لأنّ لبنان لا يملك القمح بل لأنّه هناك لصوصًا ومحتكرين ومهرّبين يأخذون خيراتنا ويحقّقون أرباحًا طائلة من خلالها ويجوّعون النّاس، كذلك الأمر في الدّواء والكهرباء والمحروقات. نحن بحاجة إلى صلاة وإيمان وأن يقول يسوع كلمته لنشفى.
أشكركم اليوم على استقبالكم العفويّ الجميل والمميّز، دعونا جميعًا نمجّد اسم يسوع في هذه البلدة صغبين وفي هذه المنطقة العزيزة البقاع الغربيّ الغالية جدًّا على قلبي والّتي أتمنّى أن أراها تزدهر وتتقدّم وأن يكون أبناؤها حاضرين فيها بالرّغم من كلّ الصّعاب، على أمل أن يعود أبناء البقاع الغربيّ وصغبين إلى وطنهم بشكل نهائيّ."
في نهاية القدّاس كانت كلمة للأب زاكي التّنّ شكر فيها المطران إبراهيم على زيارته ومحبّته الأبويّة، وقدّم له بإسم مجلس الرّعيّة هديّة تذكاريّة عربون محبّة واحترام.
وانتقل الحضور إلى قاعة الكنيسة وناقشوا مع راعي الأبرشيّة أمورًا تهمّ الرّعيّة والبلدة ومنطقة البقاع الغربيّ.