لبنان
30 حزيران 2022, 12:30

إبراهيم من تلّ دنوب: نحن اليوم بحاجة إلى زعماء على مثال بطرس وبولس

تيلي لوميار/ نورسات
حطّ رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران إبراهيم مخايل إبراهيم، رحاله في يوم عيد القدّيسين بطرس وبولس، في بلدة تل دنوب في زيارته الرّسميّة الأولى للبلدة.

بداية، زار إبراهيم كنيسة مار مارون حيث كان في استقباله كاهن الرّعيّة الأب وسام أبو ناصر، وكاهن رعيّة القدّيسين بطرس وبولس الأب نقولا صليبا، ورئيس البلديّة إيلي الصّقر والمختار الياس نخلة وعدد من أهالي البلدة، واطّلع منهم على أوضاع البلدة واحتياجاتها.

ثمّ انتقل الجميع إلى كنيسة القدّيسين بطرس وبولس حيث ترأّس إبراهيم قدّاسًا احتفاليًّا بمناسبة العيد، عاونه فيه الآباء نقولا صليبا، اليان ابو شعر، إدمون بخاش وشربل راشد.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى إبراهيم عظة قال فيها: "الأب نقولا والأب وسام عامودي هذه البلدة، ونحن اليوم نحتفل بعيد عامودي وزعيمي الكنيسة بطرس وبولس. في كلّ كنيسة هناك صخرة وعامود زعيم. الكنيسة تقوم على هذه الصّخور، صخور الإيمان الّذين هم خلفاء الرّسل، الكهنة الّذين يبشّرون بيسوع المسيح ويؤدّون الشّهادة مهما غلا الثّمن. ونحن في هذا البلد دفعنا الثّمن غاليًا لشهادتنا وإيماننا.

بولس عرف لبنان وربّما أيضًا بطرس، وكما تعرفون انطلقت أولى سفرات بولس من الشّاطئ اللّبنانيّ من صور وصيدا وبيروت وجبيل إلى قبرص واليونان وإلى نواحي تركيا للتّبشير، حمّل كلّ ما له من لا شيء. ممتلكات الرّسولين بطرس وبولس وكلّ الّذين حملوا الإنجيل كانت فقط الإنجيل المقدّس. كانت هذه الأمتعة الّتي حملوها معهم أينما حلّوا وبشّروا بيسوع المسيح الإله الإنسان الّذي افتدانا على الصّليب وقام من بين الأموات وأعطانا مجد القيامة.

نحن في هذا البلد بحاجة إلى صخور على هيئة بطرس ومثاله، هو الّذي تجرّأ بكلّ قوّة أن يعلن إيمانه بالسّيّد المسيح قائلاً "أنت المسيح ابن الله الحيّ" في وقت كان الباقون يتساءلون من هو، هذا الإعلان لم يكن بسيطًا ولم يكن صدفة، ولكن كما قال السّيّد المسيح في الإنجيل "إنّ أبي الّذي في السّماوات هو الّذي كشف لك هذا". عندما نؤمن بيسوع الله يزرع الإيمان في قلوبنا، السّماء لا تتركنا والله لا يتركنا. كما تذكرون في أيّام الصّوم صلّينا "إنّ الله معنا فاعلموا أيّها الأمم وانهزموا لأنّ الله معنا"، عن أيّ أمم نتحدّث؟ انهزام الأمم فينا هو انهزام الخطيئة والضّعف، انهزام التّردّد والشّكّ، وانتصارنا الأقوى دائمًا هو انتصارنا على ذواتنا، واليوم نحن نعيش هذا الزّمن، زمن الشّكوك: هل يا ترى نبقى في هذا البلد؟ أم نتوجّه بأبصارنا وعقولنا إلى بلدان أخرى؟ لقد جرّبنا بلدانًا أخرى وهي بلدان جميلة لكن لا يوجد أجمل من لبنان بالرّغم من كلّ المشاكل الّتي يعاني منها وهو لا يستحقّها، يبقى لبنان بلدًا من صنع إلهيّ، لدينا جمال غير موجود في أمكنة أخرى من العالم.  

إذا أخذنا بلدة تلّ دنوب تطلّ شرقًا على جبال وتطلّ غربًا على جبال وترى جمالاً واخضرارًاـ ترى عظمة وتاريخًا. أن أكون في وسط تاريخ بلدي وشعبي وتقاليدي وإيماني هذا غنى لا يضاهيه أيّ غنى آخر. لبنان هو محطّ أنظارنا وهدف صلاتنا لكي يلمسه الرّبّ بلمسات الشّفاء في زمن مرضه وتعبه، لكن هذا الزّمن هو كزمن الكنيسة، كما سمعنا في إنجيل اليوم، "أنت الصّخرة"، كلّ واحد منّا هو صخرة وعلى هذه الصّخرة سيبني الرّبّ كنيسته، سنبني وطننا، حاضرنا ومستقبلنا، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.  

كلّ واحد منّا هو بطرس ويتحوّل إلى صخرة إيمان بالله وبالإنسان وبلبنان، هذه ثلاثة محاور أساسيّة في حياتنا كلبنانيّين: الله والإنسان ولبنان. إذا نقص واحد منهم تتلخبط حياتنا كلّها."  

وتوجّه إلى شباب من البلدة قادمين من الولايات المتّحدة الأميركيّة داعيًا إيّاهم إلى العودة إلى لبنان، وتأسّف على خسارة لبنان مثل هذه الثّروات وقال: "لبنان هو بلد الثّروات لكن ممنوع عليه أن يلمسها أو يستكشفها أو يستثمرها لأنّ هناك إرادة في هذا العالم تدعى "الاستعمار المعاصر" يستعمرون الشّعوب بإسم الحرّيّة والدّيمقراطيّة وبأسماء كثيرة لها ظاهر الجمال لكن في داخلها بشاعة تدفعنا إلى اليأس. وهذا اليأس هو ممنوع علينا لأنّ كلّ شيء آخر ممكن أن نتدبّر أمره وأن نعوّضه أمّا اليأس فيدفعنا إلى الاستسلام وفقدان الإيمان الّذي تحدّثنا عنه. فإذا فقدنا الإيمان بالوطن نكون إلى حدّ بعيد فقدنا الإيمان بالله وبالإنسان.  

علينا أن نختار الرّبّ يسوع كما اختاره بولس الّذي هرب من مكان إلى آخر حماية لذاته من أجل التّبشير بيسوع المسيح، علينا عدم الاستسلام عند أوّل خطر نشعر به، نحن اليوم بحاجة إلى هذين الزّعيمين والهامتين في الكنيسة: بطرس وبولس. وكما قلت بالأمس في كسارة، أصبح لدينا حساسيّة من كلمة زعيم. نحن اليوم بحاجة إلى زعماء على مثال بطرس وبولس، للأسف الزّعماء لدينا اختاروا غير طريق: طريق الأنانيّة ومحبّة الذّات والاهتمام بما يختصّ بحياتهم الشّخصيّة والمادّيّة وتركوا الشّعب يجوع، سرقوه وحرموه من أبسط حقوقه. هؤلاء الزّعماء لا يجوز أن يسمّوا زعماء إذا كان هناك زعماء مثل بطرس ويولس. إذا كنّا مسيحيّين نؤمن بالله، فزعماؤنا هم مار بطرس ومار بولس والرّسل والقدّيسين، فهم يحبّونا بدون مقابل وينتظرونا في هذه الحياة وفي الآخرة.  

أنا سعيد جدًّا بأن أكون معكم اليوم، مع أبناء هذه البلدة الّذين يقدّمون شهادة رائعة عن وحدة الكنيسة، وهي حالة أكثر من طبيعيّة عندما نكون مع بعضنا البعض.

أطلب من الرّبّ أن يبارككم ويبارك عائلاتكم ويبارك تراب هذه الضّيعة في تلّ دنوب، وكما تعلمون زلزال لم يستطع أن يؤذيكم، نقلكم من مكان إلى آخر، من مكان جميل إلى مكان أجمل وبقيت آثار الكنيستين، مار بطرس وبولس ومار جرجس تشهد على تاريخ عريق.

كلّ عيد وأنتم بألف خير".