إبراهيم في أحد الشّعانين: ليكن هذا العيد دعوة لنا جميعًا لنحمل مسؤوليّة الطّفولة
وفي عظته، قال ابراهيم: "أيّها الأحبّة، اليوم نحتفل بدخول المسيح إلى أورشليم، حيث استقبله الأطفال بهتافاتهم الصّادقة قائلين: "هوشعنا لابن داود!" (متّى 9: 21). في هذا المشهد العظيم، يظهر الأطفال ليسوا فقط مستقبِلين للمسيح، بل مبشّرين بحضوره، وكأنّ الله اختارهم ليكونوا صوت الحقّ وسط صمت الكبار.
يقول الرب: "دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السّماوات" (متّى 14: 19). لم يكن هذا مجرّد قول، بل إعلانٌ عن قيمة الطّفولة في قلب الإيمان. الأطفال بطهارتهم، ببراءتهم، وببساطة إيمانهم، يعكسون صورة الملكوت. ففي لحظة دخوله الانتصاريّ، لم يكن هناك ملوك أو قادة يحتفون به، بل كانت أصوات الصّغار هي الّتي ارتفعت إعلانًا لمجيء المخلّص.
اليوم، وفي ظلّ الأزمات الّتي نعيشها، أطفالنا في خطر: التّعليم يتراجع، الفقر يزداد، والاستغلال يهدّد مستقبلهم. كيف يمكن أن يكون لنا مستقبل إذا أهملنا أطفالنا؟ الكنيسة، الّتي احتضنت الضّعفاء عبر التّاريخ، مدعوّة اليوم لتكون صوتًا صارخًا من أجل الطّفولة. ولكنّ الأمر لا يتوقّف عند الكنيسة وحدها، بل هو مسؤوليّة الدّولة والمجتمع بأسره. من هنا، يصبح ضروريًّا في لبنان التّفكير بإنشاء وزارة أو دائرة رسميّة تُعنى بشؤون الأطفال، تحمي حقوقهم، وتؤمّن لهم التّعليم، والرّعاية الصّحّيّة، والحياة الكريمة. كثير من الدّول المتقدّمة تمتلك وزارات خاصّة بالأطفال، تدير السّياسات الّتي تضمن لهم حياة كريمة. في لبنان، رغم كثرة الوزارات، لا نجد مؤسّسة واحدة تُعنى حصريًّا بشؤون الطّفولة! وكأنّ هذا الوطن يريد أن يُطفئ النّور الّذي يضيء مستقبله.
أمّا عندنا في زَحْلَةُ، فعَروسُ الشّرق، تَفْتَحُ ذِراعَيْها، اليَومَ، لِلِقاءِ الحَبيبِ؛ لٰكِنَّها، بَدَلَ أَغْصانِ النَّخيلِ، تَحْمِلُ في يَدَيْها الآمالَ وَالآلامَ وأنا أشاطر أهلها القلق.
فإذ نَرى مُدُنَ لُبنانَ الكُبْرى، وقَدِ ائْتَلَفَ شَمْلُها، يَحولُ التَّشددُ في المَواقِفِ عندنا، دُونَ الوُصولِ إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ، تَجْمَعُ أَبْناءَ المَدينَةِ، صَفًّا واحِدًا، حَوْلَ حَلٍّ زَحْلِيٍّ توافقيّ. حَلٌّ زحليّ، يَجْمَعُ الجَميعَ، عَلى مَداخِلِ زَحْلَةَ، يَسْتَقْبِلونَ المَلِكَ الآتي عَلى ابْنِ أَتانٍ، حامِلِينَ القُلوبَ النَّقِيَّةَ، الطّاهِرَةَ، فَتُعانِقُ زَحْلَةُ العَروسُ عَريسَها، وَقد غَمَرَها الفَرَحُ وَالطُّمَأنينَةُ. وَهِيَ عاصِمَةُ الكَثْلَكَةِ، وَمَن أَجْدَرُ مِنْها، بِاسْتِقْبالٍ، يُخَفِّفُ مِنْ آلامِ الصّلْبِ الآتي، بَدَلَ أَنْ يُضيفَ أَكْوامًا مِنَ الأَشْواكِ، عَلى رَأْسِ الحَبيبِ.
في أحد الشّعانين، رفع الأطفال أصواتهم، وهتفوا بحبّ وفرح. فهل سنرفع نحن أصواتنا اليوم من أجلهم؟ هل سنكون صوتًا يطالب بحقوقهم كما كانوا هم صوتًا يمجّد المسيح؟
ليكن هذا العيد دعوة لنا جميعًا لنحمل مسؤوليّة الطّفولة، في الكنيسة والمجتمع والدّولة، حتّى لا يُحرم أيّ طفل من الفرح الّذي باركه المسيح يوم دخوله إلى أورشليم.
المجد لمن جعل الأطفال شهودًا لملكوته، وليكن لهم في حياتنا مكان كما كان لهم في قلب الرّبّ، آمين."