لبنان
05 كانون الأول 2022, 14:50

إبراهيم: بربارة ما تزال حيّة فينا في اختبارنا في هذا الوطن

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما أكّده رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، خلال قدّاس عيد القدّيسة الشّهيدة بربارة، الّذي احتفل به في كنيسة البربارة في زحلة، بمشاركة كاهن الرّعيّة الأب جاورجيوس شبوع، والنّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم والآباء جيمي كفوري وشربل راشد وخدمته جوقة الرّعيّة بحضور مجلس الرّعيّة والوكلاء وجمهور كبير من أبناء الرّعيّة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى ابراهيم عظة قال فيها بحسب إعلام المطرانيّة: "في هذا النّهار الجميل الّذي نحتفل فيه بعيد القدّيسة الشّهيدة بربارة، نتأمّل في مسيرة حياتها وشهادتها لكي نتقوّى نحن أيضًا في هذا الزّمن الصّعب من مسيرة حياتنا وخصوصًا في مسيرة إيماننا بيسوع المسيح. هذه المسيرة الّتي ليست على سهولة كما يظنّ البعض لأنّ الإيمان له متطلّبات وله شروط، والإيمان ليس قضيّة يستطيع الجميع أن يفهمها لأنّ الإيمان والعقل يسيران معًا عند بعض النّاس لكن عند البعض الآخر العقل والإيمان يفترقان.

نحن اخترنا لهذه الكنيسة منذ زمن بعيد شفيعة اسمها بربارة، وصارت في هذه المنطقة منارة. بربارة الّتي تُشع فرحًا رغم كلّ الجراح الّتي أصيبت بها بسبب اعتناقها للإيمان المسيحيّ في حين وأنّ والدها كان وثنيًّا، يعتنق الوثنيّة بثبات وتعصّب لذلك رفض رفضًا مطلقًا أن يكون لإبنته رأي آخر، وهذا ما نعيشه أحيانًا في بيوتنا وعائلاتنا عندما نفترق عن أبنائنا بسبب عقيدة معيّنة أو رأي معيّن، هم يريدون شيئًا ونحن نريد شيئًا آخر، لا نستطيع أن نفهم بأنّ للأولاد رأي آخر وطريق آخر يختارونه كما يشاؤون. نحن علينا أن نربّي وليس علينا أن نربّي بقوّة السّيف، السّيف المعنويّ الّذي نسلّطه على رقاب أبنائنا إذا خرجوا عن طاعتنا. هذا ما يحصل مع شعوب وليس فقط مع أفراد وربّما الشّعب اللّبنانيّ هو أكبر مثال لأنّ أولياءه كوالد بربارة، يرون في الشّعب صورة بربارة، والكثر من النّاس حرموا من إبداء الرّأي وحرموا من العيش بكرامة، صاروا بربارة المضطهدة من والدها، من أولياء هذا الوطن مع الأسف. ويضطهدوننا كلّ يوم لأنّ لنا رأي آخر ولأنّ لنا إيمان آخر أو معتقد آخر. هو الإنسان قبل الله لأنّ الإنسان صورة الله بيننا، من أحبّ الله ولا يحبّ أخاه، يقول القدّيس يوحنّا، هو كاذب. أمّا من يحبّ أخاه ومن خلال هذا الاختبار القائم على الحبّ يحبّ الله الّذي خلقنا جميعًا هو ابن المحبّة، هو ابن الله.

بربارة تحمّلت السّياط والجلد والتّجريح والخوف والهروب والتّشرّد والتّهجير الّذي عشناه نحن. تخيّلوا عائلات تترك بيوتها دون أخذ أغراضها الأساسيّة، انطلقوا مشيًا على الأقدام او في السّيّارات تاركين وراءهم كلّ ما لهم للذّهاب إلى برّ أمان. أليس هذا ما عاشه الكثير من اللّبنانيّين؟ بربارة ما تزال حيّة فينا في اختبارنا في هذا الوطن. بربارة ما زالت تتألّم معنا ومن خلالنا، ونحن إذا كان لنا قوّة هي قوّة بربارة الّتي اعتمدت على الله والّتي تحالفت مع الله والّتي صارت لله أداة، الّتي استسلمت لإرادته وسلّمت لمشيئته. بربارة الّتي تحوّلت إلى خصب، لذلك نرى في بعض أيقوناتها لابسة الثّوب الأخضر، هذا الخصب يرمز إلى الدّماء الّتي أخصبت الأرض، دماء الشّهداء الّذين أخصبوا أرض الكنيسة فانتعشت ونمت، وبدون دماء الشّهداء الكنيسة ما كانت على ما هي عليه لأنّها أساسًا انطلقت من دم يسوع على الصّليب الّذي سلّم ذاته للموت والألم والعذاب من أجل خلاصنا. وعندما تألّمت بربارة لم تتألّم كيسوع، لم تكن على الصّليب لأنّ الألم الّذي أصابها لمسه الرّبّ وحوّله إلى اطمئنان وسلام وهذا ما أغضب والدها حتّى صمّم أن يقوم بقطع رأسها بيده، وهذا أكثر الآلام الّتي يمكن لإنسان أن يتعرّض لها، أن يقتل من قبل والده.

نصلّي اليوم لكي يحيا مَثَل بربارة فينا من جديد، ليس في الألم وليس في التّجريح لكن بقوّة الإيمان بيسوع المسيح، هذا الإيمان الّذي نحتاجه لكي نستطيع الاستمرار في مسيرتنا الصّعبة في هذا البلد المتألّم على جماله وعلى استثنائيّته وعلى خصوصيّاته الّتي لا يتمتّع بها أيّ بلد آخر. لكن جمال لبنان غير كافٍ لكي يكون شعبه بأمان ويعيش بكرامة، لذلك علينا أن نصلّي أن يجتمع جمال الوطن مع جمال الكرامة الّتي تتوّج الشّهداء الأحياء، شهادتنا هي شهادة حياة وإيمان بيسوع المسيح ربّنا آمين."  

وفي نهاية القدّاس، بارك المطران ابراهيم القمح، وتحدّث كاهن الرّعيّة الأب جاورجيوس شبوع شاكرًا المطران ابراهيم على محبّته، وانتقل بعدها الجميع إلى صالون الكنيسة حسث تبادلوا التّهاني بالعيد.