دينيّة
09 آب 2015, 21:00

أيقونة سيدة إيليج من القرن العاشر للميلاد

(دير مار يوسف جربتا) لقد حملت أيقونة سيدة إيليج في طيّاتها، إلى حين تاريخ المباشرة بورشة الترميم، عدَّة تقاليد إيقونغرافيَّة ، ومن جملتها صورة سيّدة الطريق: Madonna della strada

معنى إسم إيليج
المعنى الأول: يُقال أنه كان يوجد ثلاثة إخوة وهم: جبيل وأسمر جبيل وإيليج.
المعنى الثاني: كلمة إيليج تعني إله الوادي الغضّ.

وجدت هذه الأيقونة في المقرّ البطريركي الماروني في منطقة القطارة - ميفوق، في قضاء جبيل، من جبل لبنان، ولقد رافقت البطاركة الموارنة من سنة 1121 وحتَّى سنة 1545،
وبعد رحيلهم إلى وادي قنُّوبين، بقيت الأيقونة محفوظة هناك، في صندوق قياسه 100×1،50، ولكنَّها لم تسلم من عوامل عديدة، إذ تعرّضت للاضطهادات والحريق، وشُوِّهت عند الأسفل.

الترميم
عندما دخلت ملكيَّة هذا الدَّير في أملاك الرَّهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيّة، في القرن الثامن عشر، حافظت على الأيقونة خاصَّة،
وفي سنة 1985 قام بعض الآباء من دير سيدة ميفوق، التابع للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، بمبادرة ترميم هذه الإيقونة، فطلبوا من راهبات كرمل أمّ الله والوحدة في حريصا القيام بهذا المشروع، الذي دام مدَّة خمس سنوات، ووجد أنها قد تراكمت فوقها خمس أو ستّ طبقات.

الأيقونة وسيلة التعليم المسيحي في الكنيسة منذ القِدم
لهذه الأيقونة قياسات هندسيّة وألوان طبيعيّة، كالأحمر والذهبي والأزرق..
تأسّست الأيقونة على حرف X والذي هو الحرف الأوَّل من كلمة المسيح، بحسب اللغة اليونانيّة: كريستوس(Christos-Χριστόςيلتقي هذا الحرف في الوسط، عند قلب العذراء، الجامع بينها وبين ابنها يسوع.

لهذه الأيقونة علاقة بالمجامع المسكونيّة التي عُقِدَت في الشرق:
مجمع نيقيا سنة 325، ومجمع أفسُس سنة 431، ومجمع خلقيدونيا سنة 451، التي أجمعت على أنّ في شخص يسوع المسيح، طبيعتان: إلهيّة وإنسانيّة، دون أن تختلطا أو تنفصلا، فهو إله كامل وإنسان كامل، ومريم بالتالي هي والدة الله(Theotokos - Θεοτοκος)
ركّز مجمع أفسس على مريم العذراء كونها أم الله (Theotokosأي المكان الذي يقيم فيه الله، واعترف بمريم العذراء أمّاً لله، وليست أمّاً ليسوع الإنسان فقط.
من هنا النشيد الماروني: "يا أمّ الله يا حنونة..." الذي أنشده البطاركة الموارنة والرهبان والراهبات والشعب، والقدّيس شربل ومار نعمة الله والقدّيسة رفقا، الذين كانوا يترنّمون بأمّ الله مريم، التي أرشدتهم إلى ابنها يسوع الطريق والحقّ والحياة.

انطلاقاً من هذه العقيدة Theotokos- أمّ الله، نرى يسوع الطفل على ذراع أمّه مريم اليسرى، كما تقول الليتورجيا المارونيّة: "ورأسها تَدعَمُ يُمنى الابن الربّ الحيِّ الوهّابِ...".
نشاهد في الأيقونة ثلاث نجوم: على رأس العذراء وكتفيها، علمًا أنّنا لا نرى النجمة على الكتف اليُسرى، بسبب وجود الطفل يسوع على ذراعها،
والمقصود هو أنَّ مريم العذراء هي أمّ الله، وبقيت بعد ولادته عذراء (قبل الميلاد وفيه وبعده... كما جاء في تساعية الميلاد). لقد تخطّت مريم العذراء الزمن، فهي أمّ يسوع الإنسان وأمّ يسوع الإله، نعبّر عن ذلك من خلال الوجهين الموجودين في أعلى الإيقونة وهما رمز للشمس والقمر، مقياسَي الزمن الذي يعيش فيه الإنسان، الليل والنهار.

مريم هي مع الزمن الذي يعيشه الإنسان، وهي بالتالي تخطّت الزمنTranstemporaire، لأنها أمّ الله، تعيش في كلّ الأزمنة.
قال لها يسوع :" يا امرأة هذا هو ابنُك..." (يو 19: 26). مريم هي أمّ الكنيسة، هي أمّنا، تعطينا ابنها يسوع لنحيا به في كلّ الأزمنة. نلاحظ وجود هالة حول رأس العذراء، هي عبارة عن إثني عشرة قطعة نقديّة، مستوحاة من سفر الرؤيا، الذي يتكلّم على المرأة الجديدة، وعلى رأسها إكليل من إثني عشر كوكبًا وتحت قدميها القمر (يو 12: 1)، هي حوَّاء الجديدة التي أعطت العالم الحياة.

الوشاح السماوي، ذات اللون الأزرق الذي ترتديه العذراء مريم أمّ الله، هو دليل على أمومتها السماويَّة.
وأمَّا الثوب الذي ترتديه، تحت الوشاح، ذات اللون الأحمر، فيرمز إلى الطبيعة البشريّة التي أخذها يسوع من أمّه البتول مريم.
وبالنسبة إلى الثوب الأبيض، الذي يرتديه يسوع، فيرمز إلى النّور والطهارة، وزناره الأبيض المرفوع قليلاً على الصدر يرمز إلى المَلكيّة، وإلى السيادة كما كانت الاعتبارات في حينها.
وثوبه البنيّ اللون الذي يرتديه يسوع أيضًا، وقريب من اللون الترابي، يدلّ على أنّه اتَّخذ طبيعته البشريَّة من أمّه مريم، (كدائس داس المعصرة... هكذا اصطبغت ثيابه...، كما تقول الليتورجيا المارونيّة).

تدلُّ حركة يد العذراء مريم اليُمنى على دورها تجاه البشريّة، وتُعرف بالهادية: Hodigitria، التي تدلّ على ابنها يسوع. أمّا يدها اليسرى فغير ظاهرة في الإيقونة، تماماً كما يد ابنها يسوع اليسرى.
وأمّا حركة يَدُ يسوع اليُمنى فنرى فيها علامة يبارك فيها، ويستعملها الكهنة اليوم لمنح البركة.

تقاطيع منديل العذراء الذي على رأسها يذكّرنا بفن منمنمات ربولا (القرن السادسأسقف الرُّها،
بحيث أنَّنا نرى التقاطيع نفسها واللون الأحمر تحت الأزرق، أي أن البشريّة اتّشحت بالألوهة. نلاحظ أيضاً أنَّ القامة ممشوقة، طويلة، وهذا يعود إلى الفن الهلّيني. اللطخات الموجودة في أسفل الصورة هي نتيجة طعنات الخناجر التي تعرّضت لها الإيقونة أثناء الاضطهادات.
عينا العذراء مفتوحتان علامة الدخول في عالم الله، عالم المجد، لأنَّ إنسان الأيقونة يجب أن تكون عيناه مفتوحتين أبدًا، لأنّه يشاهد مجد الله. في وجه أمّ الله جمال ورقّة وحنان، تنتظر لتستقبل، وترافقُ العائدين مودِّعة.
عينا الطفل يسوع كعيني أمّه، نرى فيهما وعياً ورُشداً، تحدّقان إلى البعيد، تريان صليب الخلاص وتشتاقان إلى الفداء.