لبنان
05 آب 2021, 09:30

أمسية موسيقيّة في مدرسة الثّلاثة أقمار في الذّكرى الأولى لانفجار بيروت

تيلي لوميار/ نورسات
عند السّادسة والنّصف من مساء الثّلاثاء 3 آب وفي مناسبة الذّكرى الأولى لانفجار المرفأ، أقامت جمعيّة القدّيس بورفيريوس أمسية موسيقيّة تخلّلها معرض لوحات من وحي المناسبة لمجموعة من الفنّانين.

خلال الأمسية كان لمتروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده كلمة قال فيها:

"إنّه لفرح عظيم أن نلتقي في رحاب هذا الصّرح التّربويّ العريق، الّذي أصيب بانفجار 4 آب الماضي أسوةً بأحياء بيروت ومبانيها ومؤسّساتها.

إنّ مدرسة الثّلاثة الأقمار الّتي تستضيفنا في هذه الأمسية هي أوّل وأقدم مدرسة في بيروت، أنشئت عام 1835، وقد شاءتها أبرشيّة بيروت المحروسة من الله لنشر العلم والمعرفة بين أبنائها وأبناء العاصمة، لكي تنشئ أجيالاً يفتخر بها علمًا وأدبًا وثقافةً، أجيالاً تبني وتعمّر عوض أن تهدم وتخرّب. وقد كان في عداد من تخرّجوا من هذه المدرسة رجالات كبار حفظ تاريخ لبنان أسماءهم كمثل جرجي زيدان ونعمة يافث وجبران تويني الجدّ والمثلّث الرّحمة البطريرك إغناطيوس الرّابع.

لقد مرّت هذه المدرسة الّتي سمّيت في زمانها المدرسة الكبرى بمحن كثيرة، وعايشت حروبًا وصعوبات، لكنّ الانفجار الأخير كان الأقسى والأشدّ ضررًا، إذ انهارت أسقفها وجدرانها وكادت معالمها تختفي. ونحن نشكر الله على رحمته لأنّ الأضرار أصابت الحجر دون البشر. ولو قضى إنسان واحد في هذه المؤسّسة، لكانت الخسارة لا تعوّض، والألم لا يوصف، ولكان غضبنا لا يحدّ، لذلك نحن نتفهّم غضب من فقدوا أحبّاءهم ونشاطرهم الوجع، ونرفع الصّوت معهم مطالبين بكشف الحقيقة ومعاقبة المجرمين، كائنًا من كانوا. فلا أحد فوق القانون، وليس من إنسان معصوم عن الخطأ أو ممنوع من المحاسبة. من كان شريكًا في حصول هذا الإنفجار الّذي أودى بحياة أبرياء، مهما كان دوره، ومهما كانت رتبته أو مركزه، يجب أن يحاسب ويعاقب. ونكرّر ما قلناه سابقًا أنّ لا حصانة لأحد أمام العدالة، وأنّ البريء لا يخشى تحقيقًا، وأنّ من يتهرّب من المثول أمام القاضي يجني بنفسه على نفسه. نقرأ في سفر الأمثال: "نقذ المنقادين إلى الموت والممدودين للقتل. لا تمتنع. إن قلت هوذا لم نعرف هذا، أفلا يفهم وازن القلوب؟ وحافظ نفسك ألا يعلم؟ فيردّ على الإنسان مثل عمله" (24: 11-12).

من زار هذه المنطقة وهذه المؤسّسة بعيد الانفجار، انفطر قلبه حزنًا وغضبًا. الرّكام روى مأساة أفظع مجزرة في تاريخ العصر. رائحة الموت ما زالت تطارد عاصمتنا، وبعض تاريخ بيروت اندثر مع الانفجار. بعد الفيضانات الّتي ضربت مناطق في ألمانيا قصدت السّيّدة ميركل مكان الكارثة وألقت خطابًا مؤثّرًا عبّرت فيه عن ألمها ومؤاساتها للشّعب. بعد كارثة 4 آب لم يكلّف مسؤول واحد نفسه زيارة هذه الأحياء، ومعاينة الأضرار الفادحة الّتي أصابتها، ومؤاساة السّكّان الّذين أصيبوا في أرواحهم وأجسادهم وممتلكاتهم. تركوا المهمّة للرّئيس الفرنسيّ الّذي شارك السّكّان أحزانهم. وفي الذّكرى الأولى للكارثة يجمع عددًا من كبار ممثّلي الدّول والمنظّمات الدّوليّة، للنّظر في وضعنا، ودعمنا، ولوم المسؤولين الّذين يعطّلون الحلول عوض ابتكار ما يخفّف عن كاهل الشّعب وينتشل البلد من الجحيم الّذي يعيشه.

إنّ التّهرّب من المسؤوليّة عيب، وتقاذف الاتّهامات تعمية على الحقيقة. كلّ المسؤولين مسؤولون عمّا وصلنا إليه، لأنّ المسؤوليّة غير انتقائيّة. فمن شاء أن يكون في مركز قياديّ عليه أن يتحمّل مسؤوليّته كاملةً، وإلّا فليترك المركز لمن هم أهل للقيادة. وعلى المسؤول أن يكون قدوةً في الأخلاق، والأمانة للوطن، واحترام القانون. لكنّ المؤسف أنّ بعض المسؤولين لا حرمة لديهم لقانون، ولا أوّليّة لدستور، ولا هيبة لقضاء، ولا سلطة لعدالة. كيف يبني مثل هؤلاء بلدًا؟ وكيف يطلبون من المواطنين ما لا يقومون هم به؟ لقد ارتقوا إلى السّلطة على أكتاف مؤيّدين لهم ما زالوا يصفّقون لهم رغم تدهور الأوضاع. أمّا هم فأدمنوا السّلطة واعتادوا التّسلّط غير آبهين بشيء. لكنّ عين الله ساهرة، و"لي الانتقام، أنا أجازي يقول الرّبّ" (عب 10: 30). أمّا نحن فلن تحبط عزيمتنا الصّعوبات، ولن تقف في وجه سياستنا الّتي تعتمد البنيان، فيما غيرنا يساهم في التّدمير عن قصد أو عن غير قصد. يقول الرّبّ يسوع "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 62)،  ونحن لا ننظر إلّا إلى وجه ربّنا، ومنه نستلهم، وبه نتشجّع.

صحيح أنّ الكارثة الّتي ضربت بيروت أصابت مؤسّساتنا كلّها من مستشفى ومدارس وكنائس، لكنّ الصّحيح أيضًا أنّنا نضع رجاءنا على الرّبّ، وهو يساندنا في هذا الحمل الثّقيل، ويلهم من يمدّ يد المساعدة.

بارككم الرّبّ وبارك هذه المؤسّسة وكلّ المؤسّسات والوطن وبنيه، وألهمنا جميعًا القيام بكلّ ما يرضيه".