أفرام الثّاني في رسالة الميلاد: لنقترب من الله فنجد سبيلاً للخلاص من الأوبئة والنّزاعات والحروب
"إلى أبنائنا الرّوحيّين الأعزّاء في جميع أنحاء العالم حفظتهم العناية الرّبّانيّة
"عظيمٌ هو سرّ التقوى، الله ظهر في الجسد" (1 تيم 3: 16)
بمعصيته لوصيّة الله، استحقّ الإنسان حكم الموت. و"لأنّ الله محبّة" (1 يو 4: 8)، لم يشأ أن يترك الإنسان بعيدًا عنه، فبدأ مشروع خلاص الجنس البشريّ، مظهرًا رحمته العظمى وواعدًا بإرسال ابنه الوحيد لخلاص العالم. فإنتظرت البشريّة بتوق أن يتمّ هذا الوعد.
فتحقّق الوعد وتمّت النّبوءات بميلاد المخلّص، ذلك الحدث الّذي أنتج عنه الفداء الّذي سيعيد صورة الإنسان إلى بهائها الأوّل.
فكان السّرّ العظيم: ظهر الله في الجسد، أيّ صار إنسانًا، فأصبح عمّانوئيل- الله معنا. فتبدّلت حال البشر وحلّ فرحٌ عظيم لأنّه "وُلِد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرّبّ" (لو 2: 11).
ما أعظم هذا الميلاد الخلاصيّ الّذي يُظهر محبّة الله للبشر وتقرّبه منّا بالكامل وكشفه عن ذاته لنا. بتواضعه، انحدر الله إلى مستوى البشر مُخليًا ذاته من مجده فصار جسدًا ليخلّصنا من الموت. بتجسّده، اتّحد ببشريّتنا لفدائها من الهلاك، فأضاء المسيح شعلة الحياة الّتي أطفأتها الخطيئة.
بميلاده، جدّد الله حضوره بيننا، إذ "الكلمة صار جسدًا وحلّ فينا" (يو 1: 14)، فأبعد عنّا الظّلمة الّتي كانت تكتنف حياة البشر وتقودهم إلى اليأس. فحضور الله يبدّد الخوف والحزن والإحباط، ويزرع السّلام والفرح والرّجاء. وفي عالمنا اليوم، ما أحوجنا إلى اختبار حضور الله بيننا لنتشجّع ونتقوّى ونستعيد الفرح.
في هذا العيد المبارك، فلنجدّد في قلوبنا ثقتنا بحضور الله ولنقترب منه ليضيء نورُه في حياتنا فنجد سبيلًا للخلاص من الأوبئة والنّزاعات والحروب الّتي تحيط بنا، لأنّ الرّبّ يسوع المسيح، الله المتجسّد، هو النّور والأمل ومعين العطايا الصّالحة. وسط التّحدّيات الكثيرة الّتي ألمّت بعالمنا اليوم، والّتي طالت جميعَ النّاس مسبّبة انهيارًا في الاقتصاد وأزمات كبرى إضافة إلى استمرار انتشار الوباء كورونا في كلّ العالم، نتأمّل المسيح الّذي شاء فوُلِد في ظلمة المغارة ليُسكننا في النّور. ونسأله أن ينير بصيرتنا البشريّة كما أنار ليل الرّعاة في بيت لحم بميلاده، فتبدّدت غياهب الظّلمة والضّلال والجهل والخطيئة والموت، وتحوّلت إلى نور وحقيقة ومعرفة ونعمة وحياة.
إذًا، أيّها الأحبّاء، "بالإجماع، عظيمٌ هو سرّ التّقوى، الله ظهر في الجسد" (1 تيم 3: 16)، ولم يعد الله بعيدًا أو سرًّا مخفيًّا، بل تجلّى للبشريّة وأعطانا الخلاص والحياة. وقد عبّر الملفان مار يعقوب السّروجيّ عن ذلك السّرّ بقوله: «ܐ̱ܪܳܙܰܐ ܗ̱ܘ ܪܰܒܐ ܕܰܡܟܰܣܰܝ ܗ̱ܘܐ ܡܶܢ ܒܶܪ̈ܝܳܬܐ܆ ܘܰܨܒܐ ܐܰܒܐ ܘܰܓܠܳܝܗ̱ܝ ܒܰܒܣܰܪ ܠܰܒܢܰܝ̈ܢܳܫܐ» أيّ: "سرٌّ عظيمٌ كان مخفيًّا عن الخلائق، شاء الآب أن يظهره بالجسد للنّاس". لذلك، نؤمن أنّنا لسنا وحيدين، بل "الله معنا" (إش 7: 14) ولن تقوى علينا مصائب هذا العالم، لكنّنا نفرح بالرّغم من آلامنا لأنّ الرّجاء يملأ حياتنا.
في موسم الأعياد المجيدة، وخاصّة عيد ميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد، نتقدّم منكم بأسمى التّهاني سائلين الله أن يجعل هذه المناسبات الرّوحيّة بركةً لجميعكم وأن يُنعِم علينا جميعًا بالأمن والطّمأنينة وأن يكون العام الجديد 2022 مليئًا بالفرح والرّجاء والصّحّة والتّوفيق.
وكلّ عام وأنتم بخير."