سوريا
16 آب 2022, 09:30

أفرام الثّاني افتتح مقام زنّار السّيّدة العذراء عشيّة عيد الانتقال

تيلي لوميار/ نورسات
على وقع عزف الكشّاف السّريانيّ وتهاليل المؤمنين، وصل بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني، مساء الأحد، إلى كاتدرائيّة السّيّدة العذراء أمّ الزّنّار في حمص لافتتاح مقام زنّار السّيّدة العذراء، فترأّس بعد الاستقبال صلاة المساء بمشاركة لفيف من المطارنة.

في البداية، رحّب مطران حمص وحماة وطرطوس تيموثاوس متّى الخوري بالبطريرك والمطارنة والضّيوف، ثمّ تمّ توزيع الدّروع التّذكاريّة. وألقى للمناسبة أفرام الثّاني كلمة قال فيها:

"أيّها الحضور الكريم،

بإسم الإله الواحد الّذي نعبده ونمجّده بأقانيمه الثّلاثة: الآب والابن والرّوح القدس نحيّيكم جميعًا ونبارككم في هذا اليوم الأغرّ طالبين شفاعة سيّدة هذا المكان المقدّس أمّنا العذراء مريم أمّ الزّنّار الّتي نحتفل اليوم وغدًا بعيد بركتها للكرمة وعيد انتقالها نفسًا وجسدًا إلى السّماء بخلاف كلّ البشر لأنّ منها خرج نور للعالم هو الرّبّ يسوع المسيح الإله المتجسّد. وعقيدة انتقالها إلى السّماء بنفسها وجسدها اعتنقها المؤمنون منذ بداية المسيحيّة بناء على تعليم رسل السّيّد المسيح أنفسهم وها الآباء يتغنّون بهذه العقيدة منشدين بالسّريانيّة

ܐܢ ܦܓܪܟܝ ܪܚܝܩ ܡܢܢ ܩܕܝܫܬܐ ܨܠܘ̈ܬܟܝ ܥܡܢ ܐܢܝܢ ܒܟܠܥܕܢ̈ܝܢ ܠܗ̇ܘ ܚܝܠܐ ܟܣܝܐ ܕܢܚܬ ܘܫܪܐ ܒܟܝ ܐܬܟܫܦܝ ܠܗ ܩܕܝܫܬܐ ܢܪܚܡ ܥܠܝܢ

وترجمته : وإن كان جسدك بعيدًا عنّا أيّتها القدّيسة فصلواتك معنا في كلّ حين. تضرّعي إلى القوّة الخفيّة الّذي نزل وحلّ بك لكي يرحمنا.

أحبّائي، هذه العقيدة بانتقال السّيّدة العذراء مريم بالنّفس والجسد إلى السّماء تمنح الأهمّيّة العظمى لهذا الاحتفال بتدشين وافتتاح المقام الجديد لزنّار سيّدتنا العذراء مريم.

إذا، إنّ كلّ القدّيسين والصّالحين تركوا وراءهم ذخائر وعظام يلتجئ إليها المؤمن لنيل البركة والعون باستثناء أمّنا العذراء الّتي لم تترك سوى هذه الذّخيرة الوحيدة والأثر الفريد أيّ زنّارها المقدّس الّذي وصل إلينا بواسطة القدّيس توما أحد رسل السّيّد المسيح الإثني عشر الّذي أخذه معه للهند ثمّ عاد إلينا بيد بعض المؤمنين السّريان من مدينة الرّها الذذين بشّروا بعده في الهند.

أيّها الأحبّاء

في هذه اللّحظات التّاريخيّة الّتي منحنا أيّاها إلهنا المحبّ الرّحوم لنقوم معًا بافتتاح وتدشين هذا المقام الجديد لزنّار أمّنا السّيّدة مريم العذراء، نرفع إليه تعالى شكرنا الضّعيف وامتناننا الجمّ إذ أهّلنا أن نكون مع جميعكم، مشاركين بهذا الحدث المبارك العظيم، ضارعين إليه أن يجعله سبب بركة لأبناء الكنيسة المقدّسة في هذه الأبرشيّة العزيزة وفي كلّ أرجاء العالم، وبشكل خاصّ لأبناء سورية الحبيبة، وبالأخصّ مدينة حمص، بمسلميها ومسيحيّيها، الّذين طالما تشفّعوا بالسّيّدة العذراء أمّ الزّنّار، فهرعوا إليها خاصّة في ضيقتهم وأثناء احتياجهم إلى بركة خاصة في أمر ما أو شفاء قريب أو عزيز عليهم.

وأمّ الزّنّار المقدّس لم تبخل يومًا على قاصديها، بل طالما لبّت احتياجاتهم متشفّعة بهم لينالوا سؤلهم ويعودوا إلى بيوتهم فرحين وشاكرين.  

في هذا اليوم التّاريخيّ، أيّها الأحبّاء، نستذكر تلك اللّحظات التّاريخيّة المهيبة من أيّام شهر تمّوز من سنة ١٩٥٣، عندما اهتدى بترتيب إلهيّ أحد أسلافنا العظام على الكرسيّ البطريركيّ البطرسيّ الأنطاكيّ، المثلّث الرّحمات البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأوّل، إلى مكان زنّار السّيّدة العذراء المقدّس. في وسط المائدة المقدّسة، في هذه الكنيسة المقدّسة، والّتي كانت تسمّى بكنيسة أمّ الزّنّار منذ قرون كثيرة.

لا شكّ أنّ فرحه الرّوحيّ مع معاونيه كان بغير حدود. وبعد أن قام قداسته باستقدام أصحاب الاختصاص من دمشق لفحص الزّنّار المقدّس، أصدر منشورًا بطريركيًّا يؤكّد فيه صحّة هذه الذّخيرة الوحيدة المتبقيّة من السّيّدة العذراء مريم، الّتي نقلها ابنها الحبيب الرّبّ يسوع المسيح بروحها وجسدها بعد رقادها. ولم تترك في هذه الأرض سوى هذا الزّنّار المقدّس.

ودعا المثلّث الرّحمات المؤمنين من كلّ المذاهب والأديان إلى نيل بركة هذا الزّنّار المقدّس. وفعلاً تهافت الآلاف من كلّ حدب وصوب لينالوا البركة. وصنع الرّبّ معجزات كثيرة بشفاعة الزّنّار، كما ذكر شهود عيان ما زال البعض منهم على قيد الحياة.  

وفي هذه اللّحظات المباركة، نستذكر أيضًا أرواح الآلاف من الأساقفة والكهنة والشّمامسة الّذين نالوا بركة خدمة هذا الزّنّار المقدّس، محافظين عليه أكثر من حفاظهم على حدقة أعينهم. نطلب من الرّبّ الإله أن يكافئَهم عداد تعبهم وسهرهم بالرّاحة الأبديّة والمجد الدّائم مع أمّ الزّنّار وسائر القدّيسين.

ونخصّ اليوم بالذكر المثلّث الرّحمات المطران مار سلوانس بطرس النّعمة مطران أبرشيّة حمص وحماة وطرطوس السّابق، الّذي لم يهدأ له بال حتّى أخرج الزّنّار المقدّس من هذه الكنيسة إلى مكان آمن على أثر اجتياح حمص القديمة من قبل عصابات الإرهاب والقتل والدّمار الّتي أخذت من هذه الكنيسة مقرًّا له متسبّبة بدمار كبير وحريق وخراب في هذا المكان المقدّس ما زالت آثاره باقية. وقد عاون المطران سلوانس في عمليّة إنقاذ الزّنّار المقدّس بعضٌ من الكهنة والعلمانيّين الموجودين معنا اليوم.

ففيما نصلّي من أجل راحة نفس المطران سلوانس، نطلب من الرّبّ الإله أن يكافئَه والّذين صار لهم اشتراك بإنقاذ هذا الزّنّار ببركاته السّماويّة.

ولمّا عاد المثلّث الرّحمات إلى مقرّ الأبرشيّة هذا، كان همّه الأوّل أن يبني مقامًا جديدًا للزّنّار المقدّس يليق بالسّيّدة أمّ الزّنّار، وبدأ بالفعل بالعمل الدّؤوب في هذا المضمار ولكنّه استُدعي إلى بيته الحقيقيّ الأبديّ في السّماء قبل أن يتمكّن من إتمام هذا المقرّ الجميل.

وبعد أن استلم صاحب النّيافة الهمام المطران مار طيمثاوس متّى الخوري زمام هذه الأبرشيّة العزيزة، جعل استكمال بناء هذا المقام الشّريف من أوّل اهتماماته وأولويّاته. فشمّر عن ساعديه مع اللّجنة الّتي كانت قد بدأت بالعمل واستنهض همم المؤمنين الّذين قدّموا بسخاء معهود عند السّريان ما استطاعوا لنصل إلى هذا اليوم التّاريخيّ المبارك. وقد شهدنا شخصيًّا أثناء زيارتنا لهذه المطرانيّة خلال الأيّام والأشهر الماضية مدى اهتمام نيافته وإصراره على أن تتمّ أعمال بناء وتجهيز هذا المقام ليتمّ تكريسه وافتتاحه اليوم. ونحن، إذ نثني جزيل الثّناء على همّة وغيرة نيافة المطران متّى العزيز، نصلّي أن يعوّض الرّبّ الإله بصلوات وشفاعة القدّيسة أمّ الزّنّار، تعبَ كلّ مَن أعطى وقدّم من فكره ووقته وكدّه وماله بالخير والبركة والصّحّة والعافية والتّوفيق.

وأخيرًا، نهنّئ نفسنا كأب روحيّ لمؤمني هذه الكنيسة السّريانيّة المقدّسة، كما نهنّئ أبناء الكنيسة في كلّ مكان ونهنّئكم ونغبطكم يا أبناء مدينة حمص وأريافها على هذا الإنجاز المبارك العظيم سائلين بركة وشفاعة أمّنا مريم العذراء أمّ الزّنّار لكلّ مَن يقصدها من مسلمين ومسيحيّين وأن تكون حامية وحافظة لمدينتكم الجميلة حمص العديّة ولوطننا العظيم سورية. آمين".

ثمّ حمل البطريرك زنّار السّيّدة العذراء وطاف به في زيّاح مهيب ليتبارك منه المؤمنون، ثمّ توجه إلى المقام الجديد وقام بصلاة التّبريك والتّكريس ورشّه بالماء المقدّس، ووضع الزّنّار في مكانه المخصّص.

في الختام أقام صلاة التّشمشت الخاصّة بالسّيّدة العذراء لطلب شفاعتها وبركتها.

أمّا صباح الإثنين فاحتفل أفرام الثّاني بالقدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة أمّ الزّنّار، لمناسبة عيد الانتقال. كما استقبل بعد القدّاس المهنّئين بالعيد من شخصيّات سياسيّة ومدنيّة ودينيّة، في صالون المطرانيّة.